مكاسب وإخفاقات المرأة في الشرق الأوسط خلال عام 2024 -2-

سلسة أحداث متسارعة ومتناقضة شهدتها ساحة الشرق الأوسط في ميادين الحياة والعمل وسط الصراعات والنزاعات التي شهدتها هذه الجغرافية هذا العام وبوتيرة متسارعة وحاسمة أكثر من أي عام مضى، وكان للمرأة نصيبها الأكبر من هذا التحدي.

مركز الأخبار ـ خلال عام 2024 شهدت كل من فلسطين ولبنان والسودان واليمن وسوريا أحداث متسارعة ومتشابها، فبينما كانت المرأة في هذه الدول تكافح وتتحدى الحروب والظروف القاسية من معاناة النزوح والجوع والحرمان من حق التعليم وانتهاكات حقوق المرأة والطفل ومناهضة كل اشكال العنف وانتهاكات المعاير الإنسانية وسط الصمت الدولي.  وكانت تواجهها وجهاً لوجه والعبء الأكبر على كاهلها.

كانت نساء تونس ومصر وليبيا والمغرب تعملن على تصعيد العمل في مجال حقوق المرأة التي تعيش معوقات كبيرة بفعل العقلية الذكورية التي تطبق تلك القوانيين حسب مزاج السلطة الأبوية ومصالحها، وكان لمكافحة العنف ضد المرأة بشتى الوسائل وعلى كافة الميادين البصمة الأقوى للعام هذا.

 

مصر وليبيا والمغرب خطوات نحو قوانيين أكثر فعالية وحماية لحقوق المرأة

كذلك كان للنساء في مصر وليبيا والمغرب مساعي كبيرة في ملف القانون والحقوق عبر أنشطة عدة منتقدات وجود كم هائل من القوانين التي أصبحت مجرد حبر على ورق ولا فائدة منها.    

  

مصر

كان لنشاط البرلمانيات دور فعال في الدفع بالتشريعات الداعمة للنساء في التعامل مع الملفات المعنية بقضايا المرأة وخاصة مقترحات القوانين التي يتم السعي من أجل إقرارها، وخلال الفترة الأخيرة كان هناك أكثر من مشروع قانون تم تقديمه للبرلمان حتى تتم مناقشته ومنها قانون الأحوال الشخصية "قانون أكثر عدالة للأسرة المصرية"، و"القانون الموحد لمناهضة العنف" وغيرها.

خلال الأعوام الماضية، كان هناك ظهور نسائي في البرلمان واقتراحات داعمة للكثير من القضايا ومنها ما تم مع قانون الأحوال الشخصية الذي عرض للنقاش وجمع أكثر من 60 توقيع من الأعضاء والعضوات بالموافقة عليه مما ساعد في قبول مناقشته داخل البرلمان ضمن العام.

وخلال الفترة الأخيرة ارتفع معدل وجود النساء في البرلمان وهو الأمر الذي جعل الكثيرون يرون في ذلك بوادر تمكين للمرأة خاصة في المناصب القيادية، مما زاد في كتلة النساء في البرلمان.

فهناك حوالي 26% من كتلة البرلمان نساء وهذا في حد ذاته إنجاز كبير لأن هذه الأعداد لم تكن متوفرة في السابق، وبالتالي التواجد بات أكبر ومن المتوقع أن يكون التأثير في قضايا المرأة أقوى، ولذلك منتظر أن يكون لهن قدرة على الدفع بالقوانين خاصة تلك المتعلقة بالعنف الواقع على المرأة أو التشريعات المعنية بمسألة الأحوال الشخصية وتبعاتها.

وحول مقترح القانون استطاعت النساء الحصول على أكثر من 60 توقيع مما ساعد في الدفع بمشروع القانون للنقاش، فضلاً عن وجود مجموعة من البرلمانيات متعاونات كذلك.

 

ليبيا ـ واجهت ليبيا منعطفات فيما يخص مصير الليبيات ومنها "نظام الكوتا" حيث جاء من ضمن قانون "نظام الاقتراع" في البرلمان الليبي بأن يخصص للنساء 31 مقعداً في مجلس النواب من بين 200 مقعد، ليتم تحجيم نسبة الكوتا النسائية من 30% إلى 16% حيث يمثل ذلك تقصير وإجحاف بحق المرأة لأنها لم تستوفي حقوقها كاملةً.

 

إلزامية الحجاب" في ليبيا... مخالفة للدستور وانتهاك للحريات

في ليبيا أثار وزير الداخلية في حكومة "الوحدة الوطنية" الليبية المؤقتة عماد الطرابلسي، جدلاً كبيراً في ليبيا بعد دعوته إلى فرض الحجاب على النساء ومنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، بحجة "ترسيخ القيم الأخلاقية" في المجتمع الليبي، ومطالبته بتفعيل شرطة الآداب في الشوارع وملاحقة أي محتوى غير لائق على منصات التواصل الاجتماعي.

وتعد هذه القرارات بدون أساس قانوني، وتعد خرقاً لحقوق الإنسان، حيث أن الحريات الأساسية مثل حرية التنقل وحرية اختيار الملبس مكفولة ما دامت لا تتعارض مع النظام العام والآداب العامة، باستثناء الحالات التي ينص فيها القانون بوضوح على زي معين مثل الزي المدرسي أو ملابس المؤسسات الخاصة.

 

المغرب... ناشطات حقوقيات تتعرضن للتهديد بالقتل

وطالبت ناشطات نسويات، في رسالة مفتوحة إلى رئاسة النيابة العامة المغربية، بفتح تحقيق ومعاقبة المتورطين في ملف التهديدات التي توصلت بها عدد من الحقوقيات والناشطات في قضايا النساء والحقوق الفردية، لدفاعهن عن مجموعة من الرؤى بشأن التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة.

وبحسب ناشطات من المغرب أن نساء المغرب تتعرضن لكل أشكال العنف اللفظي على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ومجموعة من الناشطات تصلهن رسائل رقمية تحمل تهديدات خطيرة، ولفتت الرسالة المفتوحة إلى أن الرسائل التي وصلت لكل الناشطات تشكل جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي.

 

تترقب الحركة النسائية بكثب إصلاح مدونة الأسرة المغربية

مدونة الأسرة تساهم في استمرار ظاهرة زواج القاصرات الذي من شأنه خلق جيل من النساء مضطربات نفسياً، غير قادرات على الاندماج في المجتمع، والإحصائيات سجلت أعداد هائلة في الوفيات بصفوف الفتيات اللواتي تم تزويجهن مبكراً، عدا عن منع الزواج المدني مما يشكل مخالفة لمبادئ الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وغيرها من التشريعات التي تسعى النسويات لتغييرها.

 

تونس والصراع النسوي السياسي نحو تحقيق عدالة سياسية

وفي الوقت الذي تلخصت معاناة وجهود النساء في مناطق الحروب والنزاعات بالصمود أمام تلك الظروف كان لجهود النساء في تونس العمل على خلق فرص ومجالات أقوى على الصعيد القانوني والسياسي بشكل خاص. حيث لخصت العديد من الناشطات التونسيات بالقول إن حقوق النساء تبقى "مهدورة" لأن جميع القوانين صورية.

فهناك العنف السياسي الذي يمارس ضد التونسيات بشكل غير مسبوق وراهنت تونس على تحرير المرأة وتحسين وضعها وتعزيز مكانتها في المجتمع، ووضعت العديد من القوانين التي تحمي حقوقها في مختلف المجالات، كما وضعت ترسانة من المؤسسات التي تسهر على تطبيق هذه القوانين وصادقت على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المرأة الأمر الذي جعل البلاد رائدة في مجال حقوق الإنسان، إلا أنه حتى الآن لا يعتبر وضع المرأة مثالي.

فترى ناشطات نسويات أن العنف السياسي الذي يمارس حالياً ضد المرأة التونسية لم تشهدن له مثيلاً منذ الاستقلال رغم الاستبداد والعقلية الذكورية التي سيطرت على الأنظمة السياسية، إلا إن العنف السياسي على النساء شهد تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة نظراً للوضع السياسي العام الذي تعيشه البلاد، فالعنف السياسي في تونس أثّر على مشاركة النساء والشابات على الساحة السياسية.

 

ضعف التمثيلية النسائية في لجان البرلمان يعكس غياب الإرادة لإقرار المناصفة

كما دعت ناشطات هذا العام إلى ضرورة تعزيز وجود النساء في مواقع القرار مناصفة مع الرجل، وفي رئاسة ونيابة الغرف وإعادة النظر في القوانين الانتخابية ومراقبة الحكومة فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية للنساء وقضايا المساواة وكذلك اعتماد نصوص تشريعية قبل تعديل قانونه الداخلي.

وهناك تراجع سجل أثناء انتخاب مكاتب اللجان بمجلس المستشارين والتمثيلية السياسية عموماً للنساء، إذ رغم الجهود التي تبذل من أجل إقرار المناصفة، إلا أنها لا توازي إطلاقاً واقع الأمر، حيث أن مسألة المشاركة السياسية شكلت، في وقت سابق، إحدى القضايا التي أولاها المغرب باهتمام كبير حكومة ومجتمعاً مدنياً وأحزاباً ونقابات.

وبالنسبة لقانون الأحزاب السياسية، ينبغي أن يتضمن بعض الإجراءات الزجرية، أو على الأقل يجب أن يشير للمناصفة، و لا تزال النساء متواريات إلى الخلف، علماً أنهن تمثلن نصف المجتمع، كما أنهن تمثلن كتلة انتخابية كبيرة يمكن الاعتماد عليها، لكن الملاحظ أنه بعد انتهاء الانتخابات يتم إقصاؤهن بشكل ممنهج، وهوما يكرس نوعاً من العنف السياسي تجاه النساء.

 

النساء مغيبات عن المناصب العليا في الجامعات المغربية

أن التمثيلية النسائية في الجامعات المغربية لازالت ضعيفة، حيث بقيت المناصب العليا حكراً على الرجال، فمعاناة النساء والنضال من أجل حقوقهن لا يقتصر على طبقة أو فئة معينة، فرغم إنشاء وحدات للدراسة تعنى بقضايا النوع والدراسات النسائية وانفتاح الجامعة على محيطها والمجتمع المدني والحركات النسائية من أجل تكريس ثقافة حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص والمساواة، إلا أن تمثيلية النساء في مناصب الريادة داخل الجامعات المغربية لاتزال ضعيفة ولا ترقى لتطلعات القوى الحية التي تؤمن بالمساواة والمناصفة.

فلا يوجد في المغرب امرأة في منصب رئاسة الجامعات المغربية، وهو ذات الوضع الذي نجده في رئاسة الشعب والمختبرات ونواب رؤساء الجامعات، علماً أن هذه الأخيرة يتم فيها تعيين النواب.

 

نسويات:70%من الناشطات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تتعرضن للعنف السيبراني

تحت عنوان "العنف المسلط على النساء في الفضاءات الرقمية"، نظمت جبهة المساواة وحقوق النساء مؤتمرها الدولي الأول في إطار تثمين الأعمال ونشاطات الجبهة في مشروع مكافحة العنف الرقمي الذي تيسره التكنولوجيا، بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر، ويندرج في إطار تثمين الأعمال ونشاطات الجبهة وشركاؤها في مشروع مكافحة العنف الرقمي الذي تيسره التكنولوجيا، وأجرت الجبهة دراسة سوسيولوجية أفادت بأن التكنولوجيا الحديثة دفعت بتضاعف العنف المسلط ضد النساء وخلق أشكال جديدة لهذا العنف.

 

العراق قضايا المرأة سياسياً واجتماعياً أمام تحدي كبير

مر النظام العالمي بأزمة شاملة، ونال العراق أيضاً نصيبه من هذه الأزمة، وأثرت بشكل يومي على المجتمع بشكل عام والنساء بشكل خاص، ومع ذلك، حاولت النساء تجاوز هذه الأزمة وواجهن العديد من الصعوبات، ففي العراق هناك  تهميش وتهديد جديد لحقوق المرأة من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يعود إلى ثورة 14تموز/يوليو 1958، وقد صدر هذا القانون الذي أشرفت عليه محاكم شرعية قبل أن يتغير اسمها لمحاكم الأحوال الشخصية، واعتمدت تلك القوانين على التشريعات الإسلامية منقسمة إلى سُنية وجعفرية، ولكن بمساهمة من رابطة المرأة العراقية تم تعديل هذا القانون بعد عام وحمل رقم 188.

وعلى عيوبه يعد من أكثر الدساتير العراقية إنصافاً للمرأة، لكن وبدلاً من التغيير نحو المساواة بين الجنسين اقترح البرلمان العراقي في 24تموز/يوليو 2024، تعديله مما أثار تساؤلات جدية حول فعاليته ومحتواه خاصة البنود التي تتعلق بسن الزواج، والحضانة، والنفقة، والميراث، والذي خلق حالة من الغضب سيطرت على الشارع العراقي، رفضاً لتعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، واحتجت مجموعة من النساء على التعديل الذي سيحرمهن حقوقهن من خلال تنظيم العديد من الفعاليات والمسيرات والاجتماعات وإصدار البيانات.

وفي إطار جهود المؤسسات النسوية في العراق، أقر مجلس الوزراء في إحدى جلسته توصية المجلس الأعلى للمرأة باعتبار يوم 3 آذار/مارس من كل عام يوماً وطنياً للمرأة العراقية.

وتحت شعار "بنضالنا المشترك نكون صوتاً لحماية النساء من الإبادة"، انطلقت في 25 تموز/يوليو، في العاصمة العراقية بغداد فعاليات مؤتمر المرأة الثالث لاستذكار الابادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديين في شنكال والتي تعد إحدى أهم المدن التاريخية.

ومثلت نسبة النساء المترشحات للانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 30 في المئة من العدد الكلي للمرشحين، حيث تنافسن على 30 مقعد مخصص لكوتا النساء، كما هو الحال في الدورات السابقة.

 

الصحافة والقيود المفروضة على الصحفيات خاصة والنساء عامة لكتم حرية الفكر والرأي  

مع تصاعد نضال المرأة بشكل عام في الشرق الاوسط والعالم في جميع ميادين الحياة كان للصحافة والإعلام الدور البارز في تسليط الضوء على مجريات الـحداث من جهة وتوثيق الانتهاكات القائمة في حق كل امرأة من جهة أخرى برزت تونس كساحة للانتهاكات بحق ناشطات وحقوقيات، فالاعتداءات على الصحفيات تؤثر سلباً على عائلاتهن، حيث تم تسجيل 224 اعتداءً بمختلف أشكاله عليهن.

وفي الوقت ذاته تشهد تونس توتر في الإيقاف والملاحقات القضائية للعديد من الصحفيات، فإن واقع الحريات الصحفية يطرح جدلاً يتصاعد في ظل تأكيد مختلف الفاعلين في القطاع أن هامش الحريات الصحفية بات يشهد تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، وتزايداً في الانتهاكات والاعتداءات المرتكبة خاصة بحق الصحفيات منهم.

وبحسب دراسة لناشطات تونسيات فإن الاعتداء على الصحفيات عديدة الأشكال حيث تشمل الاعتداءات الجسدية، والاحتجاز التعسفي والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي والتهديد بعائلاتهن أو الاعتداء عليهن، وبحسب الدراسة إن أشكال العنف الممارس ضد النساء في الواقع تجد سهولة وتيسير في منصات التواصل ما يجعله من أكثر الظواهر تعقيداً، و70% من النساء الناشطات على مستوى عربي تعرضن للعنف السيبراني.

وخلال هذا العام شهد تسجيل 97 حالة اعتداءً من إجمالي 224 اعتداء، حيث توزعت على 27 حالة منع من العمل، و21 حالة مضايقة، و12 تتبع عدلي، وثلاث اعتداءات جسدية، وثلاث على أساس الصنصرة (تحذير) وثلاث لفظية، و23 حجب معلومات بالإضافة إلى 4 حالات تحريض.

كذلك تواجه النساء والفتيات في سوريا والمجتمعات الشرقية عامة مفاهيم ذكورية متخلفة تعمل على حجب كل امرأة في المجتمع دون استثناء عن الإدلاء برأيها وصوتها على الشاشات أو المكريفونات (المرئي والسمعي) وسط مخاوف وقلق لا يفارقهن وذلك تحت مسميات عدة.