القصف الكيماوي على حلبجة... لم تلتئم الجروح بعد

مر 35 عاماً على الهجوم الكيميائي على حلبجة، ولكن لم يتم الاعتراف به على أنه إبادة جماعية، ولم تلتئم جروح الأهالي بعد، وتواجه العديد من العائلات مشاكل كبيرة نتيجة القصف الكيماوي.

شنیار بایز

السليمانية ـ تعرضت مدينة حلبجة بإقليم كردستان لقصف كيماوي في السادس عشر من آذار/مارس عام 1988، أي في اليوم الأخير من الحرب العراقية الإيرانية.

هاجمت الحكومة العراقية مدينة حلبجة بإقليم كردستان بمواد كيميائية تتكون من غاز الخردل وغازات أخرى مدمرة للأعصاب، رداً على هجمات إيران التي استولت على حلبجة بمساعدة قوات البيشمركة، لقد أدى الهجوم إلى إصابة الآلاف من الأشخاص وبقيت آثار تلك المواد لعقود.

أسفر الهجوم الكيماوي عن استشهاد أكثر من خمسة آلاف شخص وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين، وتشريد الآلاف.

 

ما هو سبب القصف الكيماوي؟

بدأ الحرس الثوري الإيراني في 14 آذار/مارس عملية احتلال حلبجة وخورمال وبياره وبلدة طويلة. وبعد الاحتلال حاصر الجيش العراقي المدينة وقصفها بالنابالم "سائل هلامي يلتصق بالجلد"، ولأن حلبجة اشتهرت بمقاومتها لنظام البعث وحكمه، بدأ الأخير بقصف منازل المواطنين، وعندما حررت قوات البيشمركة المنطقة، أصبحت ذريعة للنظام البعثي لمواصلة عملية التطهير والعنصرية، فقام بهجمات كيميائية واسعة النطاق.

قبل الهجوم الكيماوي غادر بعض سكان حلبجة المنطقة. في صباح يوم 16 مارس/آذار 1988 هبطت أكثر من سبع طائرات حربية وقصفت المدينة، وبعد ذلك غادر أشخاص آخرون المنطقة، لكن معظمهم بقوا واختبأوا في قبو منازلهم، وفي الساعة 11 من صباح اليوم نفسه، استُهدفت حلبجة بهجمات كيماوية واختنق معظم من كانوا في الطوابق السفلية بالغاز. لجأ كثير من الذين فروا إلى الينابيع والجداول بسبب الإحساس بالاختناق والانتفاخ والحرق في الجسم، ولكن بسبب تسمم المياه والينابيع، أصبح هذا المكان أيضاً مكاناً لموتهم.

 

تعرضت حلبجة للقصف بشكل مستمر خلال النهار

من الساعة 11 صباح 16 آذار/مارس حتى صباح اليوم التالي، قصفت الطائرات الحربية المنطقة 14 مرة.  بإسلحة السارين والسيانيد والفوسفور والتابون والخردل والفي اكس وغاز الاعصاب، حيث أن بعض الأشخاص فقدوا حياتهم خلال ثوانٍ، فيما ظهرت بثور على أجسادهم وبدأوا يسعلون قبل وفاتهم، ترك هذا الهجوم آثاراً طويلة المدى على الضحايا، وتسببت هذه المأساة في إجهاض عشرات الأمهات الحوامل بعد سنوات عديدة.

 

لم يعترف بالهجوم الكيماوي على حلبجة دولياً بأنه إبادة جماعية

التزم العالم أجمع الصمت حيال هذه الجريمة، فقد أعلنت الحكومة الأمريكية وأجهزة المخابرات الأمريكية أن الهجوم على الكرد لم يكن مقصوداً وأرادت إلقاء اللوم على النظام الإيراني، كانت قضية حلبجة إحدى قضايا الإبادة الجماعية للكرد، وقد عقدت الجلسة الأولى في هذه القضية بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2008 في المحكمة الجنائية العليا العراقية. وفي 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، بدلاً من إعلان القضية على أنها إبادة جماعية، أعلنت المحكمة أنها جريمة ضد الإنسانية، واعترفت المحكمة بالهجوم الكيماوي على حلبجة باعتباره إبادة جماعية، وفي 17 آذار/مارس 2011 أعلن البرلمان العراقي إبادة حلبجة في جلسته الرابعة والأربعين، لكنه لم يصدر أي قرار بتعويض المدينة.

وأعلنت المحكمة الجنائية العليا والبرلمان العراقي أنها إبادة جماعية، إلا أنه غير معترف بها دولياً، حيث لم يعترف بها سوى البرلمان الكندي في 16آذار/مارس 2010، كجريمة ضد الإنسانية، وليس إبادة جماعية.

 

لا توجد إحصاءات دقيقة عن الإبادة الجماعية

وبحسب تقرير جمعية ضحايا الهجوم الكيماوي في حلبجة، بناء على إحصاء النظام العراقي لعام 1987 كان عدد سكان حلبجة قبل الهجوم الكيماوي يبلغ 115.540 نسمة يسكنون وسط المدينة و216 قرية تابعة لها. بعد الإبادة الجماعية، بقيت 18 قرية فقط ودمرت 198 قرية أخرى وأصبح سكانها مشردين ولاجئين، وتم تدمير الثروة الحيوانية والزراعة والطبيعة بنسبة 100% ووفقاً للإحصاءات، إن 68% من الضحايا تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وحالياً هناك 67 عائلة لديها 119 طفلاً مفقوداً خلال الإبادة الجماعية.

ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد ضحايا الإبادة الجماعية في حلبجة، لكن منظمة هيومن رايتس ووتش ذكرت 3200 اسم. يُعتقد أن ما بين 4000 و7000 شخص قد اختنقوا بالغاز. وتشير أرقام أخرى إلى أن عدد القتلى بلغ 5461 وعدد الجرحى بلغ 12800 وفقد 211 طفلاً من 74 أسرة. لا يزال 900 طفل متأثرين بالأسلحة الكيماوية وعاد منذ ذلك الحين 11 طفلاً فقط ومصير الآخرين مجهول.

 

لقد أدت الإبادة الجماعية إلى أمراض ذات آثار طويلة الأمد

هناك أكثر من 700 مصاب في حلبجة، وأكثر من 500 حالة منهم حرجة. وبعد الهجوم الكيميائي زاد معدل الإجهاض 14 مرة، وزاد سرطان القولون 10 مرات، وأمراض القلب زادت أربع مرات. ازدادت بشكل ملحوظ أنواع السرطان الأخرى وأمراض الجهاز التنفسي ومشاكل الجلد والعين وأمراض الولادة في مدينة حبجة والمناطق الأخرى المتضررة من الهجمات الكيميائية وهناك مخاوف بشأن الأمراض الوراثية.

وكان عدد من المؤسسات الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت متورطة بشكل غير مباشر في استشهاد المواطنين الكرد لأن النظام العراقي لجأ إلى دول أخرى للحصول على الأسلحة التي استخدمها لارتكاب الإبادة الجماعية. بعد عدة سنوات من الجريمة، عوقب عدد من رجال الأعمال وغيرهم من الأفراد في الخارج لتورطهم في الإبادة الجماعية، وتم إنتاج أفلام عن الإبادة الجماعية التي ارتكبت في مدينة حلبجة في عدة بلدان ولغات.