المرأة العراقية... بصمة وتأثير في مختلف الحضارات والأزمنة (3)

شاركت المرأة العراقية من مختلف المكونات في الثورات التي اندلعت دفاعاً عن البلاد، فمن الاحتلال البريطاني وثورات تحرير كردستان إلى الغزو الأمريكي قدمت النساء أسمى التضحيات وسطرنَّ00 أروع البطولات

المرأة في الثورات وفي العمل العسكري 

سناء العلي

مركز الأخبار ـ .
قبل ثورة العشرين (1920) والتي تعد ذات أهمية كبيرة كونها عرفت الشعب العراقي على مفاهيم الحرية والاستقلال وكسرت حاجز الخوف من المحتل، عملت النساء على إثارة نخوة الشعب لمواجهة المحتل العثماني، قبل ذلك لم يسجل التاريخ أي دور حقيقي للنساء.
 
دور المرأة في ثورة العشرين
البريطاني ومنذ احتلاله للعراق عام 1918 حاول التقرب من العشائر وإقامة علاقات ودية معها لتثبيت وجوده من خلال مد زعماء هذه العشائر بالمال ومنحهم المزيد من الأراضي والسلطة، بالمقابل مارس بحق الشعب أسوأ الانتهاكات فاستولى على الأراضي والممتلكات، وعمل على استغلال العراقيين رجالاً ونساءً لخدمته في أعمال السخرة. 
إثارة النخوة متأصلة في تراث العراق ففي الملمات والأفراح يردد العراقيون الهوسات وهي نوع من أنواع الشعر باللغة الدارجة، يرجع المؤرخون بداية ظهوره لثورة العشرين لكنه وجد قبل ذلك بكثير فكانت النساء يشحذن همم الرجال للانتفاض على المحتل العثماني، ولم تكن ثورة العشرين إلا استكمالاً لذلك. 
"عمارية" التي استشهدت على إثر تعرضها لقذيفة هي زوجة ثعبان المهدي أحد شيوخ عشيرة الجبور، كانت السبب في اندلاع ثورة العشرين في إحدى المناطق القريبة من محافظة الديوانية جنوب العراق عام 1917، حيث أنها دخلت بين العشائر وعملت على إثارة نخوتهم. 
وكذلك حذت "صافية" من مدينة الهاشمية التابعة لمحافظة بابل حذو "عمارية" وعملت على إثارة النخوة من خلال الأهازيج "الهوسات" الحماسية لرفع معنويات الثوار بعد أن شاهدت انسحابهم أمام ضغط المدفعية. 
لم تفي بريطانيا بوعودها التي قطعتها للعرب بأن تمنحهم استقلالهم بعد القضاء على الدولة العثمانية، فبدل ذلك عمل الحاكم العسكري البريطاني بيرسي كوكس على تهنيد العراق من خلال وضع قوانين مستمدة من الهند تمهيداً لضم جنوبه إلى الهند، فكان الرد الشعبي إعلان الثورة في أيار/مايو 1920.
المرأة العراقية التي حثت على الانتفاض كان قد تبلور دورها مع اندلاع الثورة إذ شاركت فيها كمقاتلة ومسعفة، وعملت على مؤازرة المقاتلين وتشجيعهم من خلال ترديد الأهازيج التي لها دور كبير في الثورات خاصة في العراق كما حدث في ثورة تشرين عام 2019.
تشكلت لجنة من النساء في العاصمة بغداد الهدف منها دعم الثورة من خلال التعريف بأهدافها، كما شهدت تلك الفترة أول مظاهرة نسائية عندما خرجت مجموعة من النساء لشجب الاحتلال البريطاني، ومجموعة أخرى قدمت مذكرة احتجاج حول ظروف الاعتقال اللاإنسانية للثوار وطالبت بإطلاق سراحهم.
 
الانخراط في المجال العسكري 
في عام 1977 تم تخريج أول دفعة من طالبات كليات الطب والتمريض والصيدلة والعلوم للعمل في القوات العراقية المسلحة برتبة ضابط، ورتبة ملازم أول طبيب لخريجات كلية الطب. بعد نحو أربع سنوات أي في عام 1980 ومع اندلاع الحرب بين العراق وإيران تم أيقاف منح النساء الرتب العسكرية. النساء اللواتي عملن في السلك العسكري لم يحصلن على أي صفة عسكرية.  
في إقليم كردستان والذي يحكمه كل من الحزب الوطني الكردستاني والذي تأسس في منتصف السبعينات من القرن الماضي بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أسسه مصطفى البارزاني عام 1946، أخذت المرأة دوراً هاماً في المجال العسكري. فالنساء الكرديات لسنَّ حديثات العهد فتاريخ كردستان شهد مشاركة نسائية فاعلة منذ عقود.
شاركت النساء في الثورات الكردية على مر التاريخ منها الحرب العراقية الكردية التي انطلقت شرارتها في أيلول/سبتمبر 1961 ولم تخمد نارها حتى عام 1970. 
التاريخ الكُردي يحمل أسماء العديد من النساء كرموز للمقاومة والنضال منهن المناضلة ليلى قاسم (1952ـ1974) أيقونة الحركة الوطنية الكردية، نشطت في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
مع فشل اتفاقية الحكم الذاتي المعروفة باتفاقية آذار عام 1970 شاركت ليلى قاسم في الثورة ضد النظام البعثي، قامت بعدة عمليات فدائية حتى اعتقالها في 29 نيسان/أبريل وحوكمت في محكمة صورية، وتم اعدامها في 12 أيار/مايو 1974. مع انتشار خبر إعدامها خرجت العديد من المظاهرات في مدن أوروبية استنكاراً لعمليات الانتقام من الثوار الكرد.
وكذلك انخرطت مارغريت جورج شيلو (1942ـ 1969) وهي آشورية أطلق عليها لقب "أم كوردستان"، في العمل العسكري عام 1960 خلال الحرب العراقية الكردية الأولى، عُينت كقائد ميداني وقادت العديد من المعارك منها معركة وادي زواتي. 
ورغم أن مارغريت شيلو من المكون الآشوري إلا أنها كانت أول امرأة تنضم لصفوف البيشمركة. إضافة لعملها كمقاتلة استلمت مسؤولية تفقد القرى، ونشر الوعي الثوري بين الناس.
تمكنت النساء من أداء الخدمة العسكرية في قوات البيشمركة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتعود أول وحدة عسكرية مؤلفة بشكل كامل من النساء لعام 1996 قام الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني بتشكيلها تحت اسم "فوج النساء"، وصل عدد المقاتلات فيها لأكثر من 500 مقاتلة حصلن على مختلف الرتب العسكرية بما فيها رتبة عقيد. 
المقاتلات خضعن لتدريبات مكثفة شملت مناورات استعراضية ورماية أساسية بمختلف الأسلحة وقذائف الهاون والقذائف الصاروخية RPG، وفي السنوات الأخيرة تلقين التدريب الاستخباراتي الذي يكاد يكون حكراً على الرجال في المنطقة. 
لكن مع ذلك حالت المفاهيم القبلية التي تحكم المنطقة دون مشاركة فاعلة لهنَّ، فلم يتمكن من القتال في الصفوف الأمامية خلال الحروب التي مر بها العراق عموماً والإقليم بشكل خاص. سُلمت للمقاتلات مهام عديدة منها مهام حفظ الأمن على الحدود، وتقديم المساعدات الطبية للمقاتلين، كما ساعدن النساء والأطفال في الملاجئ.
 
محاربة داعش... مقاتلات الكريلا في الطليعة
خلال عامي 2014 و2015 سيطر مرتزقة داعش على مساحات واسعة من العراق خاصة في المناطق السُنية شمال وغرب بغداد. ففي العاشر من حزيران/يونيو 2014 سيطر المرتزقة على مدينة الموصل بشكل كامل، ثم شنوا هجوماً عنيفاً على قضاء شنكال ومدينة الفلوجة، وفي عام 2015 سيطرو على مدينة تكريت والرمادي.  
في الوقت الذي بدأت فيه القوات العراقية والبيشمركة بالانسحاب وترك المدن والقرى فريسة سهلة لمرتزقة داعش نزل مقاتلي ومقاتلات الكريلا من جبال قنديل لطرد الإرهابيين، وبذلك يعود الفضل بتحرير الموصل وشنكال لقوات الدفاع الشعبي "الكريلا".
فرغم انضمام تشكيلات عسكرية مختلفة في وقت متأخر إلى المعارك كانت القوة الحقيقية الفاعلة على الأرض هي مقاتلي ومقاتلات حزب العمال الكردستاني حيث شارك الحزب بوحدة قوامها 500 مقاتل في معارك تحرير قضاء مخمور، وشنكال، وكذلك في تحرير مدينة الموصل ولم يكتفي الحزب بذلك بل عمل أيضاً على تدريب مقاتلين ومقاتلات إيزيديين.
 
المقاتلات الإيزيديات 
تعد وحدات حماية ايزيدخان أكبر قوة في مناطق الإيزيديين في العراق تأسست عام 2014، تأتي بعدها وحدات مقاومة شنكال التي تأسست منذ عام 2007 لحماية المجتمع الإيزيدي من هجمات المتشددين وتعد القوة البارزة في محاربة مرتزقة داعش.
وحدات نساء ايزيدخان وهي الفرع النسائي من وحدات حماية ايزيدخان تشكلت في الخامس من كانون الثاني/يناير 2015 تحت اسم وحدات سنجار النسائية وتتبنى فكر القائد عبد الله أوجلان، شاركت المقاتلات في تحرير شنكال في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
في الثالث من آب/أغسطس 2014 ارتكب مرتزقة داعش العديد من المجازر في قضاء شنكال الذي تقطنه غالبية من الكُرد الإيزيديين ونسبة أقل من العرب والتركمان، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة قتل حوالي 5000 إيزيدي، وأخذت النساء كسبايا ووزعن على مقرات التنظيم في مناطق سيطرته. 
المقاتلات اللواتي التحقن بمعسكرات التدريب الخاصة بالإيزيديات في الجبال تلقين تدريبات مكثفة ثقافية وعسكرية. شاركن في جميع المعارك لقتال داعش وليس لتحرير شنكال فقط، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2016 انطلقت عملية تحرير جنوب شنكال باسم "الانتقام للمختطفات الإيزيديات"، بمشاركة وحدات المرأة في سنجار ووحدات مقاومة شنكال، وصلت أعداد المقاتلات لأكثر من ألف امرأة، واستطاعت الوحدات النسائية تحرير العديد من القرى وكذلك أعداد كبيرة من المختطفات والأطفال. وكذلك شاركت المقاتلات الإيزيديات في حملة تحرير مدينة الموصل والعديد من المعارك ضد مرتزقة داعش حتى في جبهات القتال شمال وشرق سوريا منها مشاركتهن في عملية غضب الفرات لتحرير الرقة.
 
مشاركة النساء في قتال داعش
منذ عام 2016 انخرطت النساء ضمن القوات التي تشكلت لمحاربة داعش منها ميليشيا "مسلم بن عقيل" بقيادة المحامية انعام السويعدي وبذلك تكون أول امرأة تقود تنظيم عسكري في البلاد. 
في ذات العام انخرطت النساء ضمن صفوفه تحت اسم "زينبيات الحشد"، وارتفع عددهن ليصل إلى 3000 مقاتلة، لكنهن منعن من المحاربة في الصفوف الأمامية، واقتصرت مهامهن على تقديم الخدمات الإعلامية وإعداد الطعام، فحتى القيادات التي امتدحتهن شبهتهن بالرجال، من ذلك قول الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي وصفهن بأنهن "رجال بكل معنى الكلمة"، وما قاله ماجد الأنصاري عضو حزب الله العراقي بأن "نساءنا رجال".
من المقاتلات اللواتي ذاع صيتهن ميعاد الجبوري وهي من الموصل وأم لخمسة أطفال، لقبت بالذئب، وهي المرأة الوحيدة ضمن صفوف القوة المشتركة بين الجيش العراقي والفصائل العشائرية، انضمت للقتال بعد استشهاد ابنها، كما أنها نالت مرتبة الشهادة في أيار/مايو 2017.
وكذلك أمينة ناجي جبارة التي تظهر في الصور وهي تحمل الكلاشينكوف، انضمت لمحاربة داعش بعد استشهاد عدد من أفراد أسرتها من بينهم والدها، أمينة جبارة ليست مقاتلة فقط فهي تهتم بالعمل السياسي كانت قد ترشحت في انتخابات العام 2013 لمجالس المحافظات في محافظة صلاح الدين لكن الحظ لم يحالفها، حملت السلاح لمقاتلة داعش خلال محاولة المرتزقة اقتحام ناحية العلم شمال تكريت، وتمكنت من إخلاء العديد من الجنود والجرحى، وقتلت 3 من المهاجمين واستشهدت في هذه المواجهة بتاريخ 22 حزيران/يونيو 2014.
من بين النساء اللواتي وقفن في وجه داعش أم مؤيد الفهداوية "خنساء الأنبار"، عرفت بشجاعتها رغم أن عمرها يقارب الـ 70 عاماً، انضمت لصفوف أبناء العشائر والأجهزة الأمنية لمحاربة داعش في مدينة الرمادي، عملت على تمشيط المنطقة بعد طرد المرتزقة منها ودعت الناس للعودة إلى منازلهم.