'سيداتي سادتي... ولا سيدة في القاعة!'

مقال بقلم الناشطة النسوية والاجتماعية أفيندار مصطفى
وأخيراً، وبعد مخاض حكومي طويل، لا يشبه أي مخاض أنثوي لأن النساء غير معنيات في هذا الحدث العظيم، وُلدت حكومة دمشق الجديدة من رحم التوافقات الذكورية، وها نحن نحتفل بحكومة القرن الحادي والعشرين، لكن بعقلية قريش قبل الهجرة.
في الزاوية المضيئة من هذه الكوميديا السياسية، تبرز لنا هند قبوات كنجمة ساطعة أُسندت إليها حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويا لها من حقيبة! ثقيلة فارغة، كأنها حقيبة سفر بلا وجهة ولا نية للمغادرة.
دخلت معالي الوزيرة القاعة الفخمة للقصر، الكراسي مذهّبة، والوجوه مكرّرة، والنساء؟ غائبات... لا أحد، لا ظلّ، لا صدى لصوت كعبٍ نسائيّ، ومع ذلك، وقفت هند قبوات بكل ثقة وقالت "سيداتي سادتي..."
نعم! هكذا بكل جرأة نطقت التحية، ولم تلاحظ أن "السيدات" الوحيدات في القاعة كنّ في لوحات الزيت المعلّقة على الجدران. ربّما تخيّلت أن الأرائك أيضاً إناثٌ، أو أن الميكروفونات تحمل هوية جندرية مؤنثة.
ولأن العدل أن يتحدث الجميع عن اللاشيء، فقد قدمت خطاباً كاملاً دون أن تتلعثم، ودون أن تذكر كلمة "امرأة" أو "عدالة" أو "مساواة". لم تتذكر الأمهات العاملات، ولا الأرامل المكافحات، ولا الفتيات الباحثات عن فرصة بلا واسطة ولا خوف. وكأن وزارة الشؤون الاجتماعية ليست من شؤون النساء، وكأن العمل ليس من حقوقهن.
لكن المقطع الأكثر إبهاراً في هذا العرض المسرحي لم يكن الخطاب نفسه، بل الأداء البصري الذي أبدعه السادة الحضور. رئيس الجمهورية وبعض الوزراء، وكأنهم تدرّبوا سلفاً في معسكر "التجاهل الراقي"، اتفقوا فيما بينهم بعقد شرفٍ غير مكتوب على تجنب النظر إلى هند قبوات أثناء إلقاء كلمتها. لا أعين التفتت، ولا رؤوس تحركت، وكأن القاعة أُصيبت بالعمى المؤقت.
قد يكون السبب الإحراج من رؤية امرأة تتحدث عن "الشؤون الاجتماعية" دون أن تذكر المجتمع، أو لعلهم خشوا من التورط العاطفي في خطاب بلا مضمون، فتظاهروا بالانشغال بالنقوش على الجدران أو التأمل في شكل السقف، علّهم يجدون فيه ما فاتهم في كلام الوزيرة.
أو ربما ويا لسخرية الاحتمالات شعروا بغيرة خفية من جرأتها أن تقول "سيداتي" وهم يعلمون علم اليقين أن لا "سيدة" هناك. إنه مشهد يستحق أن يُدرّس في كليات المسرح العبثي، أو يُعرض في متاحف الغرابة السياسية.
ومع ذلك، تخرج علينا القنوات الرسمية بعناوين مثل "حكومة الفرص المتكافئة"، بينما الوزيرات تُحسبن بالكيلو، أو بالأحرى بالكوتا، وأدوارهن تبدأ وتنتهي بالتصفيق.
فيا سيدتي الوزيرة، في المرة القادمة التي تقولين فيها "سيداتي"، تأكدي أن هناك امرأة واحدة على الأقل في الغرفة. ولو كنتِ أنتِ.
لكن لنعُد خطوة إلى الوراء، إلى ما قبل الخطاب وما قبل الكرسي الوزاري، ولنفتح صفحة من سيرة الوزيرة هند قبوات، تلك السيدة التي جاءت من خلفيات ثقافية، قانونية، دبلوماسية، وربما درامية، تراوحت فيها بين محامية على الورق، وناشطة حين تكون الكاميرا حاضرة، ومحلّلة عندما يتطلب المشهد ضيفاً نسوياً بـ "نبرة معتدلة".
عرفناها يوماً تتحدث عن السلام والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، في قاعات فنادق مشمّعة، حيث تُوزَّع المياه المعدنية الباردة أكثر من العدالة. وها هي اليوم، وبلا مقدمات منطقية، تنتقل من مقاعد الحوار الناعم إلى كرسي الوزارة الصلب، محمولةً على رياح تسويات لا يعلمها إلا صُنّاع الطبخة.
في سيرتها، أسماء منظمات لا تُحصى، ومراكز أبحاث تضيء كشجرة عيد ميلاد، وسفرٌ أكثر من بقاء، وندوات عن "تمكين المرأة" ألقتها في عواصم العالم، لكنها نسيت أن تسجّل عنوانها الدائم في قلب البلد الذي ستُصبح فيه وزيرة. فحين عُيّنت، سأل البعض: من هي؟ من رشّحها؟ هل تعرف سوية الخبز؟ هل مشت يوماً في شارع مزدحم؟ هل وقفت بطابور الخبز، أو استمعت إلى أمّ تشكو ظلم القانون الجندري؟
الإجابة غالباً: لا.
هند قبوات تمثل نموذجاً جديداً من "النسوية البروتوكولية"، التي ترى في حقيبة اليد أهم من حقيبة الوزارة، والتي تعتقد أن العدالة الاجتماعية تتحقق عبر خطاب مُنمّق يُلقى في مؤتمر، لا عبر القوانين والسياسات والدموع المكبوتة في البيوت.
ربما كانت تصلح لأن تكون وجهاً دعائياً لحملة توعية راقية على منصات التواصل، لكن حقيبة وزارة؟ في بلدٍ تتكدّس فيه ملفات النساء تحت الغبار؟ في وطنٍ تنفجر فيه قضايا الشغل والعمل من كل حارة وحي؟
أيّ عبقرية سياسية رأت أن الوزيرة الأنسب لملف "العمل" هي من لم تعمل يوماً في سوق مكتظّ بالناس، ومن لم تلمس ورقة راتب، ولا عانت من إذن ربّ العمل لأجل ساعة إرضاع أو إجازة أمومة؟
لكنها الآن في المشهد، ترتدي لقب الوزيرة، وتحمل خطاباً كأنما كُتب لها على عجل، خالٍ من التفاصيل، بعيد عن الناس، ومحصّن ضد الألم.
تخيلوا أن كل تلك الخلفيات، كل هذه السنين من "التحضير"، انتهت بخطاب خالٍ من كلمة "امرأة"، وبتجاهل من الحضور الذكوري، وكأن الوزيرة نفسها كانت مؤنثة في الاسم فقط، ومحايدة في كل شيء آخر.
ربما آن الأوان أن نرفع القبعة، لا احتراماً، بل لنتأكد إن كانت الريح قد أطاحت بالعقول، أم أن هذا هو فعلاً شكل الحكومة "الاجتماعية" في زمن الغياب الجماعي للنساء
"امرأة بمقام كرسي... لا أكثر"
وهكذا، تُغلق الستارة على مشهد حكومي لا تنقصه المفارقات، ولا يوفّر فرصة إلا ويستعرض فيها قدرته على الإقصاء بوجه مبتسم. هند قبوات، الوزيرة التي دخلت المسرح بصفة "سيدة"، وخرجت منه كـ "ذكرٍ سياسيّ بالتبني"، اختارت طوعاً أو طاعةً أن تكون الديكور الأنثويّ لحكومة خالية من المضمون، كأن مهمتها ليست الدفاع عن النساء، بل تذكيرنا أن النساء يمكن أن يُستخدمْن أيضاً كتمائم في حفلات التنصيب.
في النهاية، لا نملك إلا أن نهنئ الحكومة الجديدة على هذا الإنجاز الاستثنائي، تعيين امرأة في موقعٍ نسويّ، دون أن يُسمع فيه صوت نساء، ولا تُلمس فيه معاناتهن، ولا تُذكر فيه قضاياهن. إنها قفزة نوعية فعلاً... لكن إلى الوراء.
فشكراً لمعالي الوزيرة، على خطابها الصامت، وحضورها الغائب، ومساهمتها البارعة في ترسيخ المقولة القديمة "في السياسة، قد تكون امرأة... لكن لا يعني ذلك أنك مع النساء".