'شهداء الصحافة الحرة صوت الحقيقة في وجه القمع'

ترى الصحفية سنور رحمان أن الصحافة الحرة ليست مجرد مهنة، بل نضال من أجل الحقيقة والكرامة، مؤكدةً أن شهداء الصحافة الحرة ليسوا ضحايا، بل رواداً جسدوا جوهر الحرية والعدالة، وتركوا إرثاً أخلاقياً يُلزم المجتمع والدولة بمحاسبة الجناة وحماية الكلمة الحرة.

هيلين أحمد

السليمانية ـ لطخ الاحتلال التركي يديه بدماء الشعب الكردي عبر امتداد التاريخ، وعلى مدار المئة عام الماضية، لم يتوقف الشعب الكردي عن المقاومة، وقد لعب الإعلام الحر دوراً مهماً وفعالاً في كشف الحقائق لمواجهة هذه الهجمات الممنهجة ضد الشعب الكردي.

يكشف استهداف الاحتلال التركي للصحفيات عن خوفه العميق من النساء اللواتي يمارسن الصحافة الحرة، ويؤكد أنه بات في طليعة الأنظمة المنتهكة للقوانين الدولية، فكلما سعى الصحفيون الأحرار إلى كشف الحقائق، تحولوا إلى أهداف مباشرة له، ورغم هذا القمع الممنهج، لم تنكسر إرادة الصحافة الحرة، بل استمرت في إيصال صوت الحقيقة، متحديةً كل محاولات الترهيب والإسكات.

 

"الصحافة الحرة تجسيد للريادة والمقاومة"

أكدت الصحفية سنور رحمان على أن "الصحافة الكردية تمارس دورها منذ قرابة قرن، أما الإعلام الحر فقد خاض نضالاً استمر عشرات السنين من أجل توثيق التاريخ وكشف الحقائق، ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا".

وأضافت "ثمة قضيتان أساسيتان في الصحافة الحرة بلغتا مستوى عالٍ من الخطورة. الأولى تتعلق بشخصية الصحفي الحر من هو؟ ما مرجعيته؟ ما أهدافه؟ وما القضايا التي يدافع عنها؟ والثانية ترتبط بطبيعة العمل اليومي في الإعلام الحر، الذي يواجه إعلاماً خارجياً لا ينتمي إلى الصحافة الحرة، بل يخدم أجندات السلطة والدولة، ويعمل على تزييف الوعي وتضليل المجتمع".

وشددت على أن الصحافة الحرة تتجلى في شخصيات ريادية مثل كلستان تارا، وهيرو بهاء الدين، وعزيز كويلو أوغلو، وناظم دشتان، وجيهان بلكين، الذين تجسد أعمالهم جوهر الصحافة الحرة، وتُظهر كيف أن الإعلام يمكن أن يكون صوتاً للعدالة، والحقيقة، والانتماء الوطني.

وتابعت "عندما يفشل إعلام الدولة في تزييف المجتمع، وحجب الحقائق، وتهميش النساء والشباب، فإنه يفقد هدفه، بينما تزداد الصحافة الحرة قوة وتأثيراً، لأنها تمنح الحياة، وتعمل كنظام حماية اجتماعي، وتدافع عن القيم الإنسانية".

ولفتت إلى أنه "حين يفقد إعلام السلطة الأمل في السيطرة، يلجأ إلى استهداف الصحفيين، ولهذا فإن في شخصيات رواد الصحافة الحرة مثل كلستان تارا وهيرو بهاء الدين، تتجسد روح العدالة، والبحث عن الحقيقة، والدفاع عن قضايا الشعب".

 

"رواد الصحافة الحرة قافلة الشهادة ونبراس الحرية"

وأكدت سنور رحمان على أن "رواد الصحافة الحرة اختاروا طريقاً محفوفاً بالتضحيات، فبلغوا مستوى الشهادة، حاملين راية السعي نحو الحرية والعدالة، وبناء مجتمع جوهري يقوم على احترام الحقوق والمسؤولية الذاتية، لم تكن مسيرتهم مجرد مهنة، بل تحوّلت إلى رسالة إنسانية سامية".

وأضافت "هؤلاء الروّاد فتحوا أبواباً أمام الأجيال، للتعرف على جوهر الصحافة الحرة وقضية الشعب الكردي، طريقهم كان وما زال مشرقاً، كنجوم تهدي السائرين في الظلام، وشخصياتهم وأفكارهم أصبحت فلسفة حيّة، تشكّل أساساً يُلهم رفاقهم ومحبي السلام في كل مكان".

 

'شهداء الصحافة الحرة ليسوا ضحايا بل روّاد الحرية'

وقالت سنور رحمان إنه "ليس من الإنصاف أن نُفرّق بين شهداء الصحافة الحرة وباقي شهداء هذا الوطن، فجميعهم ضحايا الظلم والاستبداد، لقد استُهدفوا من قبل دولة محتلة وعقلية سلطوية لا تعرف الرحمة، فشهيد عام 1980 وشهيد عام 2024 كلاهما واجها نفس العدو، وإن اختلف العام، فإن الهدف واحد".

وأكدت على أن "النضال لم يتغير في جوهره، بل تطوّرت أدواته، فالقلم الحر هو سلاح الإعلامي، كما أن البندقية هي أداة المقاتل، وكلاهما يحملان رسالة واحدة مفادها الدفاع عن الكرامة والحرية، لذلك، يجب أن تدرك عوائل الشهداء وشعبنا أن شهيد الصحافة الحرة ليس فقط شهيد الكلمة، بل هو شهيد الأمهات، والشباب، وشهيد القضية الكردية بأكملها".

وشددت على أن "جميع الشهداء مقدّسون، ولا يجوز التمييز بينهم، فإلى جانب شهداء الصحافة، لدينا مناضلون وثوار استُهدفوا بالأسلحة الكيميائية والطائرات المسيّرة، حتى في قرى بادينان، حيث سقط الكثير ضحايا للغازات السامة، وانتهى بهم المطاف في مستشفيات شيلادزي وآمد وزاخو، يعانون بصمت من آثار تلك الجرائم".

وأفادت أن "هذه المآسي لا يمكن أن تمر مرور الكرام في ضمير المجتمع أو في ذاكرة الصحافة الحرة، إنها تفتح أعيننا على الحقيقة، وتضعنا أمام مسؤولية أخلاقية وتاريخية، لذا على حكومة إقليم كردستان أن توضح موقفها هل هي حامية لدماء هؤلاء الأبطال، أم أنها تلتزم الصمت أمام مصالح الدول المعتدية؟ هذا الفهم هو ما يشكّل قناعتنا، ويجب أن يكون أساساً لموقفنا الوطني والإنساني".

 

"شهداؤنا ليسوا ضحايا بل رواد يسكنون وجداننا"

وقالت سنور رحمان "الشهداء روّاد لنا، حاضرون في خيالنا، وعقولنا، وفي كل فعلٍ نقوم به، يجب على عوائلهم، خاصة الأمهات، ألا ينظروا إليهم كضحايا، بل كمنارةٍ أضاءت لنا الطريق، وكحضورٍ دائم في وجداننا، لا يغيب رغم رحيل أجسدهم، فهم باقون بيننا بأفكارهم التي تواصل إشعال جذوة الحرية".

واعتبرت أن استمرار الصحافة الحرة هو امتداد حيّ لدماء شهدائها، مبينة بأن لولا تضحيات مرحلة الثمانينات والتسعينات، لما كان واقع الشعب الكردي اليوم بهذا الشكل، وإذا لم نحافظ اليوم على رموز مثل كلستان وهيرو، فإن مستقبلنا سيكون أكثر صعوبة وتعقيداً".

وأكدت على أن الشهداء هم من نقلوا الكفاح من مرحلة الحرب والاحتلال إلى مرحلة السلام والسياسة والنضال الديمقراطي، مؤكدة أن "لا شك أن هذا التحول صعب على عوائلهم، لكنه ضروري لفهم طبيعة النظام والحزب والسلطة المرتبطة بالعدو، الذي لا يؤمن إلا بالتهميش، لذلك، يجب على عوائل الشهداء أن يتمسكوا بهذا الفهم، وأن يدركوا أن أبناءهم لم يكونوا ضحايا، بل كانوا طلائع التغيير، وحملة مشاعل الحرية، وأن مسؤوليتهم اليوم هي الحفاظ على هذا الدور وتكريمه بالوعي والاستمرار".

وأشارت سنور رحمان إلى أن تطبيق العدالة مسألة متعددة الأبعاد، متسائلة "هل العدالة الاجتماعية ما زالت حية في داخلنا؟ وما هي العدالة أساساً؟ عندما يُرتكب مثل هذا النوع من الجرائم داخل النظام، فإنه لا يُعد مجرد جريمة داخلية، بل جريمة دولية، لأن هناك العديد من القوانين على مستوى العالم لحماية الصحفيين، إذ يُعتبر الصحفيون في القوانين الدولية مدنيين، ويجب حمايتهم على هذا الأساس في أوقات الحرب والنزاع".

وأكدت "نعلم أن وضع الشرق الأوسط، بما فيه إقليم كردستان، خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، يعيش حالة من الفوضى وتغييب الإنسان، وفي مثل هذا الوضع، فإن حماية الصحفي باعتباره مدنياً هي مسؤولية الجهات السياسية والأمنية والاستخباراتية، لذلك عندما لا تتم حمايته، فإن النظام نفسه والقوانين تصبح موضع شك لماذا وُجد القانون؟ ولماذا لا تُطبق العدالة؟".

وأضافت "هذه القضايا ذات طابع دولي، وتعكس خيبة أملنا، وتثير تساؤلات جوهرية حول النظام العالمي بأكمله، ومن بين هذه الأنظمة يبرز نظام إقليم كردستان، حيث تُخترق أجواؤه تحت أنظار الدول الأوروبية، ويُستهدف فيه الصحفيون بلا رادع، وفي سوريا أيضاً، تعرض العديد من الصحفيين للاستهداف خلال العمليات العسكرية ضد داعش، إن تكرار هذه الانتهاكات في مناطق مختلفة يعيد تعريف قضية الصحافة، ويكشف عن هشاشة الحماية الدولية للصحفيين".

وشددت سنور رحمان في ختام حديثها على أنه "يجب أن تصل قضية كلستان تارا وهيرو بهاء الدين في إقليم كردستان إلى العدالة، ويجب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وإنزال أشد العقوبات بحقهم، كما يجب على المجتمع أن يراجع نفسه، وعلى الدولة أن تُظهر موقفاً واضحاً تجاه العقلية التي ارتكبت هذه الجرائم".