صحفية إيطالية: علينا دائما أن نتذكر القوة العظيمة التي خلقتها المرأة الكردية
دعت الصحفية الإيطالية أليسيا مانزي، التي زارت إقليم شمال وشرق سوريا وشهدت هجمات الدولة التركية، إلى حماية ثورة المرأة "عندما أنظر إلى الخطوات المتخذة هنا، أشعر بالأمل".
![](https://jinhaagency1.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250208-ekran-goruntusu-2025-02-07-090331-png18f854-image.jpg)
بيريفان إيناتجي
الحسكة ـ تتواصل هجمات الدولة التركية ومرتزقتها على إقليم شمال وشرق سوريا، وتزامناً مع المقاومة المستمرة يقوم الصحفيون والناشطون الذين يتوافدون من الخارج بالتوجه نحو ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا لرصد الواقع الذي تعيشه المنطقة.
الصحفية الإيطالية المستقلة أليسيا مانزي، التي تهتم وتتعامل مع قضايا الهجرة واللاجئين وحقوق الإنسان والشرق الأوسط، وخاصة كردستان، حيث زارت مع مجموعة من الصحفيين مخيمات اللاجئين الذين نزحوا بسبب هجمات الدولة التركية ومرتزقتها وقيمت الأوضاع في المنطقة، تقول "أعتقد أن مقاومة الشعب أعظم من قوة السلاح، وبالتأكيد لا يمكن كسرها أو تدميرها بالقصف والقذائف، لقد دخلت سوريا الآن في مرحلة جديدة وأثر ذلك على الوضع في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا أيضاً، يجب إدانة الهجمات التركية ضد البنية التحتية والشعوب وإيقافها".
وحول زيارتها للمنطقة لفترة من الوقت ومتابعتها للوضع هناك توضح "خلال زيارتي إلى إقليم شمال وشرق سوريا والتي استغرقت حتى الآن 20 يوماً، رأيت وضعاً مأساوياً، لأن هجمات تركيا المستمرة تهدد عملية الحرية والثورة وحياة الإنسان والبيئة، وكل ما يتعلق بالمنطقة يتضرر، تركيا لا تسمح بأي شكل من الأشكال لهؤلاء الناس بالعيش في سلام، فليس الشعب الكردي فقط من يعيش هنا، وما تقوم به الإدارة الذاتية منذ سنوات هو حماية مختلف مكونات المنطقة".
"هناك صمت على الساحة الدولية حيال الهجمات"
وأوضحت أن الصمت الدولي فاقم من الأوضاع في المنطقة "لقد غض العالم الطرف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها الناس كل يوم، ويرجع ذلك أيضاً إلى "آلة التضليل" التي تديرها تركيا، قرأت بشكل خاص بعض المقالات، وشاهدت بعض مقاطع الفيديو التي يتم فيها وصف الوضع بطريقة معاكسة ويوصف الناس هنا بالإرهابيين، ويبدو أن كل من يتحدث عن الحرية والديمقراطية والثورة وحرية المرأة يوصف بالإرهابي".
وأضافت "إن الوضع في المخيمات التي يتواجد فيها آلاف المهجرين والنازحين، أولاً من عفرين ثم الآن من تل رفعت والشهباء، مأساوي حقاً، لا أستطيع أن أروي القصص التي سمعتها في المخيمات، الحياة في المخيم ليست بالتأكيد حسب إرادة ورغبة الناس، ولكل منّ الحق في العيش في منزله، وعلى أرضه".
"الدولة التركية تنفذ سياسة الإبادة"
وعن الهدف من الهجمات التركية تقول "هؤلاء ومن كانوا يسكنون من قبل في عفرين وسري كانيه سُلبت منهم حقوقهم، ولأن دولة أخرى، وهي تركيا، تقود الجيش الوطني السوري، فإنها تحاول بكل الطرق احتلال هذه المناطق، وللأسف، حدث ذلك في بعض المناطق، إنها تنفذ سياسة الإبادة من أجل سياسة استعمارية، إن قتل الآلاف من الناس، والتطهير العرقي يعني الإبادة الجماعية، والقصص التي سمعتها داخل المخيمات وفي الملاجئ الأخرى مؤلمة وصعبة للغاية، لقد اضطر آلاف الأشخاص إلى مغادرة منازلهم فجأة".
وتابعت "أحياناً أشعر بالحرج والخجل عندما أستمع إليهم، لأنني شخص من أوروبا حيث نتحدث دائماً عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولكن أوروبا تغض الطرف عن وضع خطير ومؤلم للغاية، وأكثر ما لفت انتباهي أثناء زيارتي للمخيمات هو العبارة التي تكرر قولها لي عدة مرات (من فضلكم كونوا صوتنا في أوروبا) ، هذه الجملة جرحت وآلمت قلبي، لأن هذا يعني أن عدداً قليلاً جداً من الصحفيين يأتون إلى هنا، اعتقدت أن الكثير منهم جاءوا، عادة ما يكون هناك اهتمام إعلامي كبير في حالات الهجرة الجماعية، وهنا رأيت أن الأمر لم يكن كذلك، لفتت انتباهي قصص كثيرة، وأطفال يعيشون في الملاجئ، وأطفال حديثي الولادة في غرف صغيرة يعيش فيها أحياناً 19-20 شخصاً".
"كيف يمكن للمرء أن يبقى غير مبال؟"
وتساءلت "كيف يمكن للمرء أن يظل غير مبال بكل هذا؟ ولكن رغم الوضع المأساوي في المخيمات والإنهاك، إلا أن معنويات الناس مرتفعة، في وسائل الإعلام الغربية، كثيراً ما نقرأ أو نرى وصفاً للاجئين والمهاجرين بأنهم أشخاص يائسون ومنهكون، أقول دائماً أن هؤلاء الناس ليسوا يائسين، بل يتم وصف اليأس واستغلاله من قبل أوروبا".
وأضافت "أنا أتحدث كأوروبية، وأرى كيف تجعل أوروبا هؤلاء الناس يائسين، على سبيل المثال، عندما تجبر هؤلاء الأشخاص إلى مواجهة رحلات طويلة وخطيرة للغاية، وغالباً ما تكون مميتة، بهذه الطريقة، يفقد الأشخاص الذين يبحثون عن الخلاص في بلداننا حياتهم، وهنا أتذكر مخيم دونكيرك".
"لقد رأيت قوة وأمل كبيرين"
"يعيش آلاف الأشخاص، معظمهم من كردستان، في مخيم دونكيرك الواقع شمال فرنسا، إنهم يعيشون بانتظار عبور القناة الإنكليزية ثم الوصول إلى إنكلترا، في كثير من الأحيان يفقد هؤلاء الأشخاص حياتهم في البحر الذي يعد خطيراً للغاية، إن من يحول هؤلاء الأشخاص إلى أشخاص يائسين، هي مؤسسات الغرب والعالم أجمع، فعندما يجد الناس أنفسهم في وسط البحر، يصبحون يائسين ويشعرون أنه لا جدوى من حياتهم، لكنني لم أرى اليأس هنا، بل على العكس، رأيت قوة كبيرة، وأملاً ولكن في نفس الوقت رأيت تعباً وإرهاقاً شديداً".
وأشارت إلى أن "هذا الاضطهاد غير مقبول من الناحية الإنسانية، أتذكر قصة رجل عجوز، داخل أحد المخيمات، ربما في ديريك، حيث قال لي "الذنب الوحيد هو أنني ولدت كردياً، ولكن ما هو ذنبي؟" وأعتقد أنه في ضوء ما يحدث، علينا أن نولي الكثير من الاهتمام".
"هناك إنسانية وإحساس بالانتماء للمجتمع لدى الناس هنا"
هناك الكثير من الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم الإنسانية، منهم من هُجروا، أو ظلوا عالقين في عفرين، وعالقين في سري كانيه، وهناك 3000 شخص مصيرهم مجهول، حيث فُقدوا أثناء الخروج من تل رفعت والشهباء إلى الطبقة، إن انتهاكات حقوق الإنسان خطيرة للغاية، أكثر ما جذبني في روج آفا هو بالتأكيد الإنسانية والحس المجتمعي الذي يتحلون به، وأنا أعلم أننا فقدنا هذا في أوروبا منذ زمن، وعلى الرغم من أننا نحاول في بعض الأحيان إعادة بنائه، إلا أن الأمر لا ينجح".
وحول أكثر القصص التي أثرت فيها خلال زيارتها لمخيمات اللاجئين تقول "القصة التي لفتت انتباهي بشكل خاص هي قصة محمد، الشاب البالغ من العمر 17 عاماً، الذي أصبح فاقداً للأمل ويائساً بعد إصابته في الهجمات الكيميائية التي نفذتها تركيا في سري كانيه عام 2019، وخلال رحلتي إلى روج آفا، أتيحت لي الفرصة أيضاً للتحدث مع العديد من النساء المنخرطات في هذه العملية الثورية، وخاصة الجمعيات والمؤسسات التي تحمي المرأة".
"كل عاصفة تبدأ بقطرة"
وقالت "لقد رأيت جهداً كبيراً ونقداً ذاتياً كبيراً تجاه النظام، إنهم يفكرون في كيفية التغيير وخلق عالم مختلف، لقد أدركت أن ولائهم وإخلاصهم مهم جداً، أريد أن أذكر دائماً جملة قالها المقاتل الإيطالي لورنزو أورسيتي الذي استشهد في حرب روج آفا (كل عاصفة تبدأ بقطرة، حاولوا أن تصبحوا قطرة)".
"إنه يمنحني أملاً كبيراً"
وأوضحت "أعتقد دائماً أن خطواتنا وخطواتكم مهمة، على الرغم من أن النتائج لا تظهر على الفور في بعض الأحيان، أفكر أيضاً في المجتمع الأوروبي الذي أتيت منه، فقد اعتدنا على الحصول على كل شيء على الفور، لكن هذا غير ممكن هنا، إنه يستغرق وقتاً، كما كان الحال في روج آفا، على سبيل المثال، في مسألة حماية المرأة وتقرير مصيرها، لقد كان بالتأكيد نتيجة لمرحلة وفترة طويلة، فكل شيء له وقته، وهذا يمنحني أملاً كبيراً، خاصة عندما لا نرى أحياناً التأثيرات المباشرة في مجتمعنا، وعندما نعتقد أن كل شيء مستحيل، لكن عندما أفكر في الخطوات الكبيرة التي تم اتخاذها هنا، وخاصة النساء اللاتي قاتلن ضد داعش ويدافعن الآن عن أنفسهن ضد تهديدات تركيا، حينها أعتقد أن بناء وخلق عالم آخر ممكن وليس مستحيلاً".
في تقييمها للمقاومة المنقطعة النظير التي تقودها النساء ضد الاعتداءات والهجمات في إقليم شمال وشرق سوريا قالت "إن هجمات تركيا ضد حرية الشعوب، انتهاك لحقوق الإنسان، ويعتبر هذا الهجوم انتهاكاً لحق تقرير المصير للشعوب، إنهم لا يسمحون للمجتمع في إقليم شمال وشرق سوريا بالعيش بسلام ومواصلة حياتهم بشكل طبيعي، وللأسف، لا تزال الهجمات على سد تشرين مستمرة، وقُتل ما لا يقل عن 60 شخصاً وأصيب عدد مماثل في الهجمات التركية، إن سد تشرين مهم جداً بالنسبة لشعب إقليم شمال وشرق سوريا".
وأضافت "إذا ما انهار السد فسيتسبب في كارثة إنسانية وبيئية تؤدي إلى الهجرة، وأوروبا تبني الجدران، والغرب يبني الجدران لأنهم يرفضون أولئك الذين يفرون ويحاولون إيجاد السلام وحياة أفضل في أوروبا، ولكن كيف يمكننا أن نعتقد أن هناك سلام؟ كيف نتوقع بقاء الناس في بلدانهم إذا كانت هناك حرب؟ إن ما يحدث في إقليم شمال وشرق سوريا، حتى لو لم يكن هناك اهتمام إعلامي به، هو حرب صعبة، فكيف نتوقع أن يستمر الناس في العيش في مثل هذه الظروف؟ فأنا أرى بأن عدم إمكانية الذهاب إلى المدرسة مثلاً، أو الذهاب مع العلم أنك ستعود إلى المنزل بعد الظهر مع إمكانية أن تسقط قنبلة عليك في مكان ما، يعني إنك تعيش في وضع وحالة غير إنسانية، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش هكذا".
"يجب إدانة الهجمات بجدية"
وشددت على ضرورة إدانة الهجمات على المنطقة والخروج عن الصمت "الهجمات التركية مستمرة منذ فترة، وبما أن سوريا دخلت الآن مرحلة جديدة، فقد أثر ذلك أيضاً على الوضع في إقليم شمال وشرق سوريا، يجب إدانة الهجمات التركية بوقف الهجمات ضد البنية التحتية والشعوب، مشروع أردوغان هو التوسع الاستعماري والتطهير العرقي، ويعبر أردوغان وغيره من ممثلي الأحزاب الفاشية، عبر قنواتهم الإعلامية، عن رغبتهم في احتلال إقليم شمال وشرق سوريا، دون الشعور بالحاجة إلى إخفاء ذلك، وهذا أمر خطير للغاية لأن كل الناس لديهم الحق في تقرير مصيرهم".
وعن استهداف الصحفيين والإعلاميين تقول "خلال هذه الفترة، كانت هناك اعتداءات وهجمات عديدة على سد تشرين وضد المدنيين، إحداها تعرض الناس الذين كانوا يرقصون لهجوم، وأستذكر أيضاً مقتل صحفيين قبل شهر والعديد من عضوات مؤتمر ستار وأعضاء مجال المسرح والتمثيل، وهذا أمر خطير للغاية، بالطبع، إنها محاولة من جانب تركيا لإسكات الناس والمجتمع المدني وكذلك العالم أجمع، إنها تحاول من خلال القصف والقذائف، إخافة الجميع، والشعب الكردي والأشخاص الموجودين حالياً في سد تشرين، الشعب موجود هناك لحماية ثورة روج آفا، والسد أيضاً".
ونوهت إلى أن "هدف الهجمات التركية هو إنهاك وتعجيز الأهالي والمحاولة بكل الطرق ومن خلال استخدام السلاح إظهار قوة تركيا وعصاباتها، لكنني أرى أن مقاومة الشعب أعظم من قوة السلاح، وهي أقوى بكثير وبالتأكيد لا يمكن كسرها وتدميرها بالقصف، وهذا ما تعلمنا إياه روج آفا ومناطق شمال وشرق سوريا لسنوات منذ بداية الثورة، تعرض سكان هذا المكان مرات عديدة لهجمات شديدة واضطروا للقتال ضد داعش، لقد هزموه، وأنا متأكدة من أنهم هذه المرة سوف يقاومون ويتقدمون للأمام".
"كونوا صوت أولئك الذين يقاومون الآن"
ووجهت رسالة لجميع النساء قائلة "ادعو جميع النساء أن يصبحن صوت الألم الذي يعيشونه في هذا العصر، وأنا أتحدث عن ألم المهجرين واللاجئين على وجه الخصوص، كونوا صوت أولئك الذين يقاومون الآن، يجب أن نتحدث عن هذا في بلداننا، وخاصة بالنسبة للنساء، دعونا نتذكر أن ما يحدث هنا في روج آفا، بعد هزيمة داعش والمشاريع التي تروج لها النساء هنا بأفكارهن، هو انتصار على النظام الأبوي، وهو ليس بمشكلة في سوريا وإقليم شمال وشرق سوريا فحسب، بل هو مشكلة الشرق الأوسط بأكمله، وفي نفس الوقت مشكلتنا أيضاً، وتذكروا أن النساء يُقتلن كل بضعة أيام في بلداننا، وعلينا كلما رأينا الألم والعنف الذي تعاني منه النساء القريبات منا؛ أن نتذكر القوة العظيمة التي خلقتها المرأة الكردية".