رحلة امرأة من سري كانيه بين الاعتقال والتهجير والمقاومة
نجلا سليمان، لاجئة سورية من رأس العين/سري كانيه المحتلة واجهت الاعتقال والنزوح والمعاناة النفسية، تُطالب بعودة آمنة مشروطة بانسحاب الاحتلال التركي الذي يمارس انتهاكات ممنهجة بحق النساء ويفكك البنية الاجتماعية.

سوركل شيخو
زركان ـ قصص النساء لا تنتهي خاصة في أوقات الحرب والأزمات، حيث تبرز كل امرأة كصوت مقاوم قادر على رفع عشرات الدعاوى ضد الاحتلال التركي، وضد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها، مطالبة بمحاكمة عادلة وإنصاف حقيقي.
نجلا سليمان، امرأة تبلغ من العمر 26 عاماً، تنحدر من قرية باب الخير التابعة لمدينة رأس العين/سري كانيه المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها، وبفضل حسها الوطني اختارت أن تكون جزءاً من الثورة وتشارك بفعالية في الدفاع عن قضايا شعبها، ومنذ عامين تعمل في مجال تنظيم المرور بمدينة زركان التابعة لمقاطعة الجزيرة.
نجلا سليمان تروي فصول المعاناة
اضطرت نجلا سليمان وعائلتها إلى النزوح من قريتهم بسبب الهجمات التي شنها الاحتلال التركي ومرتزقته، فتركوا أرضهم ومنازلهم قسراً، ليبدأوا رحلة جديدة في مواجهة التحديات، حاملين معهم الإرادة والانتماء.
وقالت إنها اضطرت إلى مغادرة منزلها وهي تحمل ما استطاعت من مقتنيات "أحرق الاحتلال التركي منزلنا، ولم يكتفوا بذلك، بل نهبوا كل شيء ودمّروا ما تبقى".
ونظراً لعدم توفر منازل للإيجار، اضطرت عائلة نجلا سليمان إلى الإقامة في المدارس، حيث أمضت عاماً كاملاً في ظروف صعبة، وخلال تلك الفترة تقدم ابن عمها لخطبتها، فوافق والدها على الزواج واعتبرها بمثابة "هدية"، في ظل الأوضاع القاسية التي فرضتها هجمات الاحتلال التركي.
وتم زواجها في ظروف استثنائية دون لباس تقليدي بلا دعوة ومن دون منزل يأويها، ليعكس واقعاً مريراً فرضته الحرب والنزوح القسري، وبعد مرور 28 يوماً فقط على زواجها، اضطرت للسفر إلى تركيا بسبب استمرار الهجمات على منطقتها، وهناك بدأت تعمل كبائعة في أحد المتاجر، محاولة التأقلم مع واقع جديد فرضته ظروف الحرب.
لكن لم يمضِ وقت طويل حتى واجهت خطراً مباشراً هناك؛ ففي أحد الأيام اقتحم ثلاثة عناصر من الشرطة التركية المنزل الذي كانت تقيم فيه، مدججين بأسلحتهم ليعيدوا إلى حياتها مشهد العنف والتهديد الذي ظنت أنها تركته خلفها.
تم اقتيادها إلى سجن إزمير، حيث قضت ثلاثة أيام دون أن ترى ضوء الشمس، وفي الليلة الأخيرة لها، عند الساعة الثانية عشرة ليلاً، بدأت جلسة محاكمتها، ليصدر القاضي في النهاية حكماً ببراءتها.
طالبت نجلا سليمان بفتح دعوى ضد أحد عناصر جهاز الاستخبارات التركي (MİT) بسبب تقرير كاذب قُدِّم عنها، لكن الجهاز رد بأن الدعوى ستُغلق لعدم كفاية الأدلة، ونتيجة لذلك تم اعتقالها مرة أخرى، وأُجبرت على توقيع مستندات مكتوبة باللغة التركية، رغم أنها لا تفهم محتواها.
وقالت "لم أكن أعرف ما الذي كُتب في تلك الأوراق، ووضعوني في منشآت غريبة، اكتشفت لاحقاً أنها مركز لتجميع الأجانب في إزمير، بقيت في غرفة ضيقة، حتى الأطفال لم يكونوا قادرين على العيش فيها".
وبعد فترة من الانتظار بين قرار العودة إلى سوريا والإقامة المؤقتة في منشآت مخصصة للأجانب إلى حين ولادة طفلها، ومن ثم التوجه للانضمام إلى زوجها، قررت نجلا سليمان أخيراً العودة إلى سوريا.
لكن عند وصولها إلى آمد "ديار بكر"، تفاجأت بأنها مدرجة على قائمة الإرهاب، مما أدى إلى توقيفها هناك، وقالت بأسى "لم أعد قادرة على العودة إلى سوريا، ولا حتى الذهاب إلى منزل زوجي في تركيا".
واعتقلت مرة أخرى، وأثناء وجودها في السجن بدأت تعاني من اضطرابات نفسية حادة، ما دفع المسؤولون عنها إلى عرضها على طبيب نفسي، والذي أعد تقريراً يؤكد أن حالتها النفسية متدهورة، وبناءً على ذلك قررت السلطات التركية الإفراج عنها، وعن طريق معبر باب الهوى الحدودي في مدينة إدلب، عادت إلى سوريا منهية بذلك فصلاً مؤلماً من الاعتقال والمعاناة.
انتقدت الانتهاكات التي تُمارس بحق المعتقلين في السجون التركية، مؤكدةً أن ما يجري هناك يُعد جرائم ضد الإنسانية "كيف يمكنهم ممارسة هذا القدر من الضغط على امرأة بسيطة تعمل كبائعة، ثم يلفقون لها تهمة الإرهاب؟"
أدركت نجلا سليمان أنها لم تكن تتخيل يوماً أن تُنتزع من أرضها بهذه القسوة، ولم يخطر ببالها أن فترة النزوح ستطول إلى هذا الحد، فقد مضت ست سنوات وهي بعيدة عن المكان الذي وُلدت فيه، عن ذكريات طفولتها، والعودة إلى ديارها لم تعد مجرد أمنية، بل أصبحت حلماً يراود كل امرأة، وكل طفل، وكل مسنّ.
بين الألم والأمل نضال من أجل العودة الآمنة
طالبت نجلا سليمان بتفعيل بنود اتفاق 10 آذار، الذي يضمن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، بشرط أن تخضع المناطق المحتلة مجدداً لسيطرة الإدارة الذاتية، مشددةً على ضرورة انسحاب مرتزقة الاحتلال التركي من القرى والمدن التي تسيطر عليها، لضمان عودة آمنة ومستقرة للسكان الأصليين دون تهديد أو تدخل خارجي.
وقالت "عودتنا مرهونة بانسحاب الاحتلال التركي، فإن لم ينسحب من مدننا، فلن تكون هناك عودة آمنة، لا يمكن أن نقبل بالعودة إلى سري كانيه بينما من تسببوا في تهجيرنا لا يزالون هناك، يبنون مستوطناتهم على أنقاض مدننا".
وأكدت نجلا سليمان أن "الحياة تحت سيطرة مرتزقة الاحتلال التركي تفتقر إلى الكرامة، والعودة في ظل وجودهم تعني أن نبيع أنفسنا مقابل المال، ما دام هناك جندي تركي واحد في سري كانيه، فلن أقبل بالعودة".
ولفتت إلى أن "حرية النساء تُسحق، وكرامتهن تُهان، ولا وجود حتى لأبسط حقوقهن الجسدية، حيث تُفرض عليهن قيود قاسية، ويُجبرن على الزواج وفق لأهواء مرتزقة الاحتلال التركي، التي تتدخل في أدق تفاصيل حياتهن"، مضيفةً إنهم "يمارسون الإرهاب ويتسترون خلف اسم الإسلام، ولو كانوا يدركون جوهر الإسلام حقاً، لما بنوا قواعدهم العسكرية فوق قبور شهدائنا".
وشددت على أن المرتزقة المنتشرة في سري كانيه، وكذلك تلك التي تسيطر على مناطق واسعة من سوريا، ترتبط فعلياً بالاحتلال التركي، وترى أنهم يكرّسون سياسات تهميش دور المرأة وتقويض الأمن المجتمعي، وهي ذات السياسات التي ينتهجها جهاديي هيئة تحرير الشام، ما يعكس نهجاً ممنهجاً لإقصاء النساء وتفكيك البنية الاجتماعية في المناطق المحتلة.