قروض الزواج والإنجاب... طريقة جديدة لاستغلال المرأة في إيران
عندما يُعرّف جسد المرأة بأنه رأس مال للتجارة لا للإنسانية، لم يعد الزواج خياراً بل وسيلة للبقاء، لاسيما في إيران حيث أدت سياسات السلطات الرامية إلى تشجيع الشباب إلى حصر الفتيات في دوامة من الزواج القسري والحمل المبكر والعنف المستمر.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ في ظل النظام الأبوي، يُنظر إلى المرأة منذ ولادتها باعتبارها سلعة، حيث تعتبر بعض العائلات أن إنجاب فتاة فرصة للربح والمتاجرة، وهذا التصور أدى عبر السنوات إلى أنتشار ظاهرة الزواج القسري تحت ذرائع مثل المهر أو الدية أو غيرها من المبررات الاقتصادية والاجتماعية.
مع تطور السياسات الحكومية التي تهدف إلى تشجيع الزواج والإنجاب من خلال تقديم الحوافز والمزايا، ظهرت أشكال جديدة من الاستغلال حيث تُجبر العديد من الفتيات على الزواج المبكر بهدف الحصول على القروض والمساعدات، ولا يتوقف الأمر عند الزواج القسري بل يتم إجبارهم على الحمل في سن مبكر مما يعمق من معاناتهن ويكرس تسليع أجسادهن ضمن منظومة لا تعترف بحقوقهن الفردية.
قروض الزواج: أداة للمساومة بين الفتيات
أدت سياسات الحكومة على مدى العقود الماضية، والتي تسببت بأزمة اقتصادية وتدمير للبنية التحتية الصحية ومرافق الرعاية الاجتماعية، إلى انخفاض معدلات الخصوبة والإنجاب مما أثار قلقاً بشأن الشيخوخة في إيران، لذلك سعت السلطات إلى زيادة رغبة المجتمع في الزواج وبالتالي الإنجاب من خلال توفير الأراضي والمساكن، وقروض الإنجاب، وزيادة قيمة قروض الزواج، إلا أن جميع هذه الإجراءات التي تُعتبر من وجهة نظر السلطات وسيلةً لإنقاذ المجتمع من الشيخوخة، تسببت بوقوع العديد من الفتيات ضحيةً للسياسات السائدة الهادفة إلى توجيه المجتمع نحو مجتمع ذكوري ويرجع ذلك إلى أن تسهيل عملية الحصول على قروض الزواج والإنجاب وزيادة قيمة القروض دفع الفئات ذات الدخل المحدود في المجتمع إلى اعتبار هذه المزايا والقروض مصدراً للتمويل المتاح من خلال الزواج، وعلى أمل الحصول على هذه القروض يُدخلون بناتهم في دوامة مربحة في سن مبكرة جداً، وبإجبارهن على الزواج وإنجاب الأطفال يحصلون على مبلغ كبير من القروض بسداد طويل الأجل.
التشجيع الرسمي للزواج المبكر
وفقاً للتعديلات التي أُقرت في عام 2025 بشأن قروض الزواج في إيران، يمنح الزوجان قرضاً بقيمة 700 مليون تومان وذلك إذا كان لديهما فتاة دون سن 23 عام وفتى دون سن 25 عام، وتُرجع وسائل الإعلام الحكومية هذا التمييز إلى رغبة السلطات في تحفيز الزواج المبكر باعتباره وسيلة لتشجيع الإنجاب ومواجهة التراجع الحاد في معدلات الخصوبة والنمو السكاني في البلاد.
إحصائيات صادمة عن زواج الأطفال
وقالت عضوة البرلمان طيبه سياوشى نقلاً عن إحصاءات البنك المركزي في عام 2018، بعد زيادة مفاجئة في مبلغ قروض الزواج مقارنة بعام 2017، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018 وحده كان عدد المتقدمين الذين تقل أعمارهم عن 15 عام والذين حصلوا على قروض أعلى بمقدار 90 مرة مما كان عليه في عام 2017، تُظهر هذه الإحصاءات أن الرسم البياني لزيادة قروض الزواج وزيادة زواج الأطفال يسيران في نفس الاتجاه، والذي بالنظر إلى التدهور الاقتصادي في السنوات الأخيرة وانتشار الفقر، قد نما بلا شك أكثر من الفترات السابقة، ومع ذلك فإن إجبار الفتيات على الزواج للحصول على قروض لا ينتهي عند هذه المرحلة، ولكن فوائد إنجاب الأطفال تسببت أيضاً في تعرض العديد من الفتيات للحمل المتعدد في سن مبكرة بعد معاناتهن من الزواج القسري.
الولادات المتتالية في مرحلة الطفولة
تروي رويا نهالي (اسم مستعار)، وهي ممرضة تعمل في مشفى بمدينة كرماشان تجربتها قائلة "خلال سنوات عملي في المشفى، شهدت العديد من حالات ولادة لفتيات لم تتجاوزن الثامنة عشرة من العمر لكن ما أثار انتباهي بشكل خاص خلال السنوات الخمسة الأخيرة هو تكرار الولادات لدى هؤلاء الفتيات دون فترات فاصلة تُذكر، على سبيل المثال حضرت مؤخراً ولادة فتاة تبلغ من العمر عشرين عاماً وكان هذا طفلها الثالث، أخبرت الطاقم الطبي بأنها غير قادرة على دفع تكاليف المشفى، وعندما سألناها عن سبب استمرارها في الإنجاب رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، أجابت بأن لديها أملاً في أن تمنحها السلطات أرضاً أو وحدة سكنية مقابل كثرة الأطفال".
أداة للبقاء على قيد الحياة للأجيال في نظر الحكومة
إن حصر وجود المرأة في مهمة واحدة، ألا وهي الإنجاب والزواج يُعدّ من أهم سمات حكم الجمهورية الإسلامية، ومن ناحية أخرى فإن النظام الأبوي هو الذي تسبب بمعاناة المرأة في إيران وقمعها بطرق جديدة لا يمكن تصورها، إن جعل السلطات زيادة معدلات المواليد هدفها الرئيسي بالاعتماد على قرارات معادية لوجود المرأة، يُظهر أن دور المرأة ليس سوى عامل في الإنجاب وبقاء الجيل، ويأتي تركيز السلطات على الإنجاب في وقت حرمت فيه النساء الحوامل حتى من أبسط الخدمات، مثل الفحص الطبي بدلاً من توفير الظروف اللازمة.
صحة الأم على الهامش
بعد إقرار قانون دعم السكان والشباب والأسرة، ووفقاً للمادة 53 من هذا القانون مُنعت اختبارات الفحص للنساء الحوامل، وقد أدى هذا الحظر إلى جعل هذه الاختبارات التي كانت إلزامية في الثلثين الأول والثاني من الحمل لتشخيص الأمراض والتشوهات المحتملة للجنين مثل متلازمة داون اختيارية، بمعنى أنه إذا لم يرغب الوالدان في الخضوع لهذه الاختبارات فلا يوجد إلزام من وزارة الصحة بإجراء هذه الاختبارات، وقد أُجريت هذه الاختبارات باستخدام مجموعات تشخيصية، والتي حظرتها وزارة الصحة (إصدار تراخيص الإنتاج والاستيراد)، وعملياً يمكن القول إن قرار وزارة الصحة هذا يعني أن ولادة أطفال يعانون من تشوهات ليست مهمة للسلطات وأن الهدف هو فقط زيادة عدد المواليد.
القيود الخفية والأهداف الواضحة
بعد ردود الفعل السلبية على هذا القرار، أعلنت وزارة الصحة عدم وجود حظر، ولكن الوصول إلى هذه الأدوات المحدود يأتي هذا رغم اعتقاد الكثيرين أن هدف السلطات من هذا الإجراء هو منع إجهاض الأجنة المشوهة، في الواقع تسعى السلطات فقط إلى زيادة عدد المواليد الجدد، في حين أن صحة الأم والطفل ليست ذات أهمية تُذكر.
سارة باراتي (اسم مستعار)، ناشطة نسائية في كرماشان تقول "جميع القرارات الأخيرة المتعلقة بالشباب تُعدّ اعتداءً مباشراً على وجود المرأة، بل إنها حوّلت النساء عملياً إلى أداة للمساومة والإنجاب، يؤدي إلغاء الفحص إلى ولادة أطفال مصابين بالأمراض وتقع على عاتق الأم عبء رعاية هؤلاء الأطفال، تخيّل فتاة تُجبر على الزواج في سن الخامسة عشرة ويكون قرض الزواج لصالح زوجها، مقابل كل طفل تُنجبه يُمنح رب الأسرة الرجل مبلغاً إضافياً من القرض أو بدل السكن، وبينما يتمتع الرجل بمزايا وجود زوجة وأطفال، تخيّل طفله الآخر يُولد باضطراب أو شذوذ معين وفي ظل هذه الظروف تجبر المرأة بعد الزواج في سن مبكرة وإنجاب عدة أطفال إلى رعاية طفل معاق بأقل الموارد المتاحة، ضحية لقرارات السلطات، في الواقع جميع القرارات الأخيرة المتعلقة بالشباب تُمثّل شكلاً جديداً من أشكال كراهية النساء".
القروض والعنف ومأزق المرأة
لكن حقيقة أن إعانات الإنجاب وقروض الزواج تفيد الرجال ليست إلا جزءاً من هذا النظام الذي يمارس القمع ضد المرأة، لأن العديد من هؤلاء النساء، بينما تتحملن كل هذه الضغوط، تتعرضن حتى للعنف المنزلي (داريا.م) البالغة من العمر 23 عاماً وأم لطفل يبلغ من العمر 7 سنوات تقول "عندما تزوجتُ بناءً على نصيحة والدتي قالوا لي إنني إن تزوجتُ ستُعطيني السلطات المال وسأتمكن من شراء الكثير من أساور الذهب، لكن زوجي أنفق كل القرض الذي حصلنا عليها، والآن وبعد أن رُزقنا بطفلين يضربني يومياً ويقول أنتم الثلاثة سبب كل بؤسي ويجب أن أُطلقك، يقول والدي أيضاً إنه بما أنني لا أملك مهراً وأننا تلقينا مهراً زهيداً من زوجي عند زواجنا، فلا يحق لي الاعتراض على إساءة زوجي وعليّ تحمل ذلك، الآن طردني زوجي من المنزل منذ فترة طويلة وأعيش مع أطفالي بحظيرة في فناء منزل والدي، ولا أعرف ما المصير الذي ينتظرني".
تجربة (داريا. م) ليست سوى جزء من هذه العملية المربحة للزواج والإنجاب، التي يضع الرجال حدودها، في الواقع تُباع النساء كسلعة بين عائلاتهن وأزواجهن، وقد استطاعت السلطات عبر القوانين التي سنتها في تسريع هذه العملية وجعل المزيد من النساء ضحايا لدورة القمع هذه، دورة تُحركها السلطة الأبوية والنساء كظلام جيش في خلفية الحياة، ليس لهن سوى توفير احتياجات الرجال، وإذا لم تكن هناك حاجة إليهن تُستبعدن بسهولة من الحياة ولن يذكرهن أحد.