نساء إقليم كردستان أمام لحظة الوعي والمقاومة

يواجه إقليم كردستان منذ سنوات تهديداً حقيقياً نتيجة الصراعات الحزبية وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن السلطة، وهذا الوضع ينعكس بشكل مباشر على حياة النساء ويؤثر عليهن بشكل واضح.

نافان كريم

مركز الأخبار ـ المرأة تعد دائماً المُستهدفة الأولى في جميع الأزمات السياسية والاجتماعية والوطنية، بسبب مكانتها المهمة التي جعلتها هدفاً مباشراً في كل تغيير سلبي وغير مرغوب فيه، فالكرد، كشعب مضطهد، كانوا دائماً في حالة ثورة ضد المحتلين، إلى جانب المرأة التي لعبت دوراً محورياً في ذلك، وظلت تناضل من أجل حرية الأرض والشعب.

 

المرأة في إقليم كردستان ضحية للنظام السلطوي

بعد انتفاضة عام 1991، انشغلت الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان بصراعات داخلية على السلطة، مما أدى إلى اندلاع حرب داخلية، كانت النساء والأمهات والأطفال أولى ضحاياها، وبعد انتهاء الحرب وتشكيل الحكومات، عاد الهدوء إلى حياة السكان، ومن بينهم النساء اللواتي شعرن بالراحة، لكن سرعان ما وجدن أنفسهن مرة أخرى تحت وطأة سلطة ذكورية حزبية وعائلية وقبلية، تهيمن على جميع مفاصل الحكم، من القضاء إلى التعليم والتربية.

هذا النظام لم يكتفِ بالسيطرة، بل فتح المجال أمام كل قوة معادية لتتغلغل في هذا الجزء من كردستان، وتفرض ثقافتها على الشعب، سواء بوعي الناس أو دون وعيهم، وفي خضم هذا الواقع، أصبحت المرأة الهدف الرئيسي لكافة المخططات والسياسات غير المباشرة، لأن أي شعب لا تمتلك نساؤه الحرية والوعي، سيظل دائماً عرضة للاحتلال والاستغلال.

 

التهديدات الراهنة في إقليم كردستان

في الوقت الحالي، وبعد مرور قرن على توقيع اتفاقية لوزان، ومع سعي القوى العالمية المهيمنة لإعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم مصالحها، أصبحت منطقتنا، باعتبارها جزءاً من كردستان المجزأة، مركزاً للصراعات والتجاذبات، وهدفاً للدول الرأسمالية الساعية لترسيخ نفوذها في الإقليم.

تحوّل جنوب كردستان إلى إقليم فدرالي منذ سنوات، ويملك حكومة خاصة به، لكن اليوم، وبسبب سوء الإدارة وتأثير التدخلات الخارجية، يواجه تهديداً حقيقياً من الداخل، فالحكومة، ومنذ أكثر من 11 عاماً، تعاني من صراعات حزبية حادة، وانعدام التوافق، وسوء استخدام الموارد، ما أدى إلى أزمة حكم خانقة، جعلت الشعب ضحية لهذه السياسات.

لكن التهديد الأكبر لا يكمن فقط في هذا، بل في احتمال أن تؤدي هذه السياسات الفاشلة إلى فقدان الثقة الدولية بالحكومة، مما يفتح الباب أمام تدخلات جديدة واحتلال محتمل من قبل القوى المهيمنة، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار كامل للسلطة في الإقليم.

ومن هذا المنطلق، وجّه القائد عبد الله أوجلان من معتقله في إيمرالي نداءً إلى مسعود بارزاني، يدعوه فيه لتولي منصب الرئيس المشترك للمؤتمر الوطني الكردي، من أجل توحيد الصف الكردي، وحماية البيت الكردي، والدفع نحو إصلاح مسار الحكم، والدفاع عن هذا الجزء من كردستان.

 

تهديدات تواجه المرأة في هذا الواقع

تلعب المرأة، بصفتها الركيزة الأساسية للأسرة والمجتمع، دوراً كبيراً ومهماً في جميع مراحل النضال من أجل حرية وحقوق الشعب الكردي، ولهذا، فإن حرمانها من تلك الحرية يجعلها مرة أخرى ضحية لأنظمة فاسدة ومعادية للمرأة، كما هو الحال في الحكومة المركزية العراقية، التي لم تمنح المرأة أي حق أو حرية ضمن سلطتها، بل تستمر في استخدام أدوات الهيمنة الطائفية والدينية لتكريس قوانين جائرة تُشرعن انتهاك حقوق المرأة وسلب سلطتها داخل المجتمع.

هذا لا يُعد مجرد تهديد للمرأة فحسب، بل هو وسيلة للسيطرة على الأسرة والمجتمع الكردي بأكمله، فعندما تُستضعف المرأة، يُستضعف المجتمع، وعندما يُستضعف المجتمع، لا يبقى شيء يُسمى وطن أو أرض أو شعب، بل يتحول الجميع إلى ممتلكات للمحتلين، وإذا كانت الأرض حرة، فإن المرأة ومجتمعها يجب أن يكونا أحراراً أيضاً.

ما نشهده اليوم في إقليم كردستان هو نتيجة مباشرة لهذا الواقع، حيث لم تُمنح أي إرادة حقيقية للفرد أو المجتمع أو المرأة، لقد قُسّم الإقليم إلى منطقتين خضراء وصفراء، كما لو أنهما كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، دون أن تمتلك أي قوة أو جهة أو مجموعة القدرة على تجاوز هذا التقسيم أو التعبير عن رفضها للواقع المفروض من الطرف الآخر.

 

يجب أن تكون المرأة واعية ومدركة لهذا الوضع

على نساء إقليم كردستان أن يكنّ يقظات ومدركات لحجم التهديدات التي تواجه هذا الجزء المنكوب من كردستان، يجب أن يدركن قيمة حريتهن، وأن يفهمن أن حرية المرأة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحرية الوطن، من الضروري أن تنظم النساء أنفسهن في الإقليم، وأن يتبنّين قيادة ثورة فكرية واسعة تهدف إلى إسقاط هذا النظام الفاسد في الحكم، فالآن، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج المرأة إلى ثورة، وقد فُتحت أمامها أبواب الوعي والمعرفة بشكل غير مسبوق.

ففي إقليم شمال وشرق سوريا، أصبحت المرأة بطلة حرية الأرض والشعب، ومثّلت رمزاً للسلام والطمأنينة، هناك، تكتب المرأة التاريخ بيدها، ولا تسمح لأحد أن يقرر عنها، على نساء إقليم كردستان أن يتعلمن من هذا النموذج، وأن يوجّهن أنظارهن نحو نساء شمال كردستان، اللواتي يواصلن النضال والمقاومة في قلب أكثر الأنظمة عداءً للشعب الكردي، يجب أن يتحلين بالشجاعة ذاتها، ويناضلن من أجل حريتهن، ومن أجل حياة كريمة لأطفالهن وأجيالهن، كون المرأة تلعب دوراً محورياً في بناء المستقبل.

على النساء أن يدركن حجم التهديد الحقيقي الذي يواجه إقليم كردستان اليوم، وأن يبادرن إلى توحيد صفوف شعبهن، ونشر الوعي في محيطهن، من أجل حماية ما تبقى من إرادة وهوية هذا الشعب.