نجيبة خان جلا زاده اسم يستحق أن يُكتب في سجل الريادة

أكدت شهين إبراهيم، الباحثة في تاريخ مدينة كويه بإقليم كردستان، أن نجيبة خان جلا زاده تمثل رمزاً مشرفاً ينبغي أن يفتخر بها الجميع، وأن نستلهم من مسيرتها ونقتدي بخطاها في طريق العطاء والتميز.

شيا كويي

كويه ـ لعبت النساء دوراً محورياً في تاريخ الأمة، وبرزت نساء كويه في إقليم كردستان بشكل خاص في ميادين السياسة، والكتابة، والمجتمع، ففي العصور الماضية، كانت الريادة النسائية أكثر وضوحاً بفضل ظهور شخصيات مؤثرة، لذا، شكّلت النساء عنصراً أساسياً في بناء الهوية الوطنية.

سيرة نجيبة خان جلا زاده، ابنة الملا الكبير من مدينة كويه، التي تُعد أول فتاة تلتحق بالتعليم في المدينة، حيث دخلت المدرسة في سن السابعة، سلطت الضوء على الدور الريادي الذي لعبته النساء في التاريخ.

وفي هذا السياق، قالت شهين إبراهيم، الأستاذة والباحثة المتخصصة في تاريخ مدينة كويه "نمتلك إرثاً غنياً في مجال المرأة والتاريخ ونضال النساء، لكن للأسف لم يُستثمر هذا الإرث كما ينبغي، مما قد يؤدي إلى ضياع جزء منه، لذا، من واجبنا أن نسلط الضوء على هذه النجمة اللامعة من كردستان، نجيبة خان جلا زاده، التي تستحق أن تفخر بها كل امرأة، لأنها أول فتاة في إقليم كردستان التحقت بالمدرسة في زمن كان حتى الفتيان يُحرمون فيه من الدراسة".

وتابعت شهين إبراهيم "ولدت عام 1917، وبعد ثماني سنوات أرسلها والدها إلى المدرسة، في وقت لم تكن فيه مدارس للبنات، وكانت مدينة كويه صغيرة الحجم، ورغم ذلك، فقد أنجبت العديد من العلماء والكتّاب والمثقفين، وكانت تُعد مدينة متقدمة، وكان الملا الكبير من أوائل من كسروا القيود المجتمعية، إذ أرسل ابنته إلى المدرسة مع الفتيان، ليكون بذلك أول من اتخذ هذه الخطوة الجريئة".

وأشارت إلى أن الموقع الذي نتحدث عنه كان أول مدرسة تأسست في مدينة كويه، وقد عُرفت باسم "مدرسة حاجي قادر"، رغم وجود اختلاف في الآراء حول تسميتها، إذ يرى البعض أنها كانت تُعرف بـ "مدرسة العلماء"، وكانت أول فتاة تلتحق بهذه المدرسة هي نجيبة خان جلا زاده، ابنة الملا الكبير من كويه، وهو أمر أثار دهشة كبيرة في ذلك الزمن، حيث لم يكن مألوفاً أن تلتحق الفتيات بالمدارس.

وقد واجه والدها انتقادات شديدة واعتراضات من المجتمع، لكنه أصرّ على موقفه، مما جعله محل احترام لاحقاً، ودفع الأهالي إلى إرسال بناتهم إلى المدرسة.

وأكدت شهين إبراهيم أن "نجيبة خان جلا زاده تستحق أن نفخر بها جميعاً، وأن نقتدي بها، فقد بذلت جهوداً عظيمة لتكون مثقفة ومستنيرة، وعملت بشجاعة في مجال تنظيم النساء، بل وشاركت في الحياة السياسية في عصرها، وقدّمت خدمات جليلة للنساء، ونالت ثقة كبيرة منهن، لقد كانت شخصيتها عظيمة إلى درجة أن العديد من الدراسات والبحوث أُجريت عنها حتى يومنا هذا".

 

"بسبب الإهمال هُدمت المدرسة"

وعبّرت شهين إبراهيم عن أسفها العميق لهدم المدرسة التي حملت اسم نجيبة خان جلا زاده، التي كانت أول مدرسة التحقت بها فتاة في المدينة "للأسف، تم تدمير هذا المكان نتيجة الإهمال، رغم أنه كان يستحق اهتماماً أكبر، لما له من قيمة تاريخية وثقافية عظيمة، فالمواقع التراثية ليست مجرد أبنية، بل تمثل ذاكرة الأمة وهويتها، وكان من الأجدر تحويل هذه المدرسة إلى متحف يحتضن تاريخ النساء ونضالهن، ليكون مركزاً ثقافياً وتربوياً يرتاده الأطفال والطلاب، ومزاراً للناس والسياح من داخل وخارج البلاد".

وأضافت "النساء في كويه لعبن أدواراً مؤثرة في مختلف المجالات، من السياسة إلى المجتمع، ومن أبرزهن نجيبة خان جلا زاده وأختها وريشة، اللتان كان لهما حضور بارز في الحياة العامة، وفي الثمانينيات، ظهرت نساء من المدينة، شاركن في الاجتماعات إلى جانب الرجال، ومارسن التجارة، واستوردن البضائع من إيران وبغداد، وكن مالكات لمحلات ومصانع، مما يعكس مدى تقدم المرأة الكويهية في تلك الحقبة."

وأكدت شهين إبراهيم أن الحفاظ على هذه المواقع ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية وثقافية "ذلك المكان لم يكن مجرد مدرسة دخلتها نجيبة خان جلا زاده، بل كان مركزاً للوعي الثقافي والأدبي، وله تأثير خاص في نهضة المجتمع، وساهم في تشكيل حركة التنوير النسائية، لذا، فإن الحفاظ عليه واجب علينا جميعاً، ويجب أن نشعر بقيمته ونمنحه ما يستحق من اهتمام، لأنه يمثل جزءاً حياً من تاريخنا وهويتنا الجماعية".

وفي ختام حديثها، عبّرت شهين إبراهيم عن قلقها "نحن نمتلك إرثاً غنياً في مجال تاريخ المرأة ونضالها، لكن للأسف لم يُستثمر كما ينبغي، وقد يُفقد جزء كبير منه إذا لم نتحرك، لذلك أتمنى أن نبدأ من الآن في البحث والتوثيق حول هذه المواضيع، وأن نُخلّد هذا التاريخ بأي وسيلة، كي تتعرف عليه أجيال المستقبل وتفخر به".

 

نبذة عن حياة نجيبة خان جلا زاده

يبدو أن هذا النهج التربوي ترك أثراً عميقاً في نجيبة خان جلا زاده، فغدت شخصية ناضجة، واثقة بنفسها، صادقة، واجتماعية للغاية، وعندما خرجت إلى المجتمع، كانت تحظى باحترام الجميع دون تمييز، وكانت تندمج وتشارك في التجمعات وتديرها بحكمة، حتى أن الجميع كان يصغي إليها، وهذا يدل على أنها خان استطاعت أن تبني لنفسها شخصية مؤثرة ومستقلة، ولم تكن تنظر إلى نفسها كإنسانة فاعلة.

وتُعد نجيبة خان جلا زاده ثاني امرأة مؤرخة في تاريخ المنطقة بعد مستورة أردلاني، إذ كتبت عن عصرها بشكل مباشر، رغم عدم توفر مصادر أو مراجع في ذلك الوقت، كانت تدون يومياتها وتكتب عن الأحداث السياسية، وعن الطقس والمناخ، وعن القضايا الاجتماعية، وعن وضع المرأة وتحدياتها في ذلك الزمن، إلى جانب نجيبة خان جلا زاده، هناك نماذج نسائية أخرى مثل أختها ريشة وزينب خان، جدتها، التي كانت أيضاً شاعر، وربما لم يبق الكثير من كتاباتهن، وربما لم تكن بأسلوب أكاديمي، لكنها كانت ذات قيمة كبيرة في ذلك العصر.

إن كتابات نجيبة خان، وإن لم تكن منظمة وفق منهج أكاديمي، إلا أنها تمثل توثيقاً حياً وصادقاً لواقع تلك المرحلة، وتُعد مرجعاً مهماً لفهم تطور دور المرأة في المجتمع الكويهي، خاصة في ظل غياب المصادر الأخرى.

حول مؤلفات نجيبة خان جلا زاده، فقد أنتجت العديد من الأعمال الأدبية والتاريخية، وطُبع عدد منها، بينما لا تزال بعض المؤلفات الأخرى تنتظر النشر، من بين الكتب التي صدرت كتاب "تاريخ مدينة كويه"، الذي نُشر عام 2009، وتناول فيه تاريخ المدينة بأسلوب توثيقي مميز، وكتاب "عائلة جلا زاده"، الصادر عام 2011، والذي يُعد مرجعاً مهماً في توثيق سيرة هذه الأسرة المثقفة، وكتاب "أخبار كردية"، الذي طُبع عام 2018، ويضم مجموعة من المقالات والكتابات ذات الطابع الثقافي والاجتماعي.

إلى جانب هذه الأعمال، هناك مؤلفات أخرى لم تُطبع بعد، مثل قصص الأطفال، ودراسات في الفولكلور، وعدد من المخطوطات المتنوعة. ويأمل المهتمون أن ترى هذه الأعمال النور قريبًا، لما تحمله من قيمة ثقافية وتاريخية.