نهضة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا... 'خلقنا لأنفسنا نموذجاً جديداً للحياة' (1)
نساء إقليم شمال وشرق سوريا استطعن تحقيق إنجازات مهمة من خلال بناء نموذج حياة قائم على الحرية والكرامة للمرأة، وهو لا يقتصر فقط على تحسين ظروف المرأة، وبالتالي نجحن في تنفيذ مشروعين أساسيين من بين الأفكار التي طرحها القائد عبد الله أوجلان.

برجم جودي
كوباني ـ وجود مشروع اجتماعي ـ سياسي يتم تطبيقه حالياً في إقليم شمال وشرق سوريا، لا يُعتبر مجرد برنامج محلي، بل يحمل رؤية واسعة تُقدّم بديلاً شاملاً عن الأنظمة التقليدية السائدة في المنطقة، خصوصاً تلك المرتبطة بما يُعرف بـ "الحداثة الرأسمالية"، وبالتالي يمثل المشروع ردّاً عملياً ونموذجاً بديلاً عن السياسات التي أدت إلى تفكك المجتمعات واحتكار السلطة والثروات.
مشروع الأمة الديمقراطية أحد ثمار أيديولوجية القائد عبد الله أوجلان، الذي ينظم نفسه على مبادئه الأساسية المتمثلة في المجتمع الديمقراطي وحرية المرأة وحماية البيئة، ويشكل رداً يواجه وعي الدولة القومية والصناعية والرأسمالية، كما يُعدّ حل قضية حرية المرأة أحد أبرز أهدافه الرئيسية في هذا المشروع، حتى بعد اعتقاله في شباط/فبراير 1999 بمؤامرة دولية، وصف مشروع حرية المرأة بأنه مشروع غير مكتمل، في هذا السياق، ومع تطبيق وتفعيل مشروع الأمة الديمقراطية في جميع أنحاء إقليم شمال وشرق سوريا منذ عام 2012، أكدت النساء أنه من خلال تحقيق حرية المرأة، يُمكن بناء الأمة الديمقراطية.
على هذا الأساس، اعتمدت نساء إقليم شمال وشرق سوريا على منظور وأيديولوجية القائد عبد الله أوجلان، وأسسن لأنفسهن نموذجاً جديداً للحياة، وللتعرف على هذا النموذج والمشروع، فضلاً عن الجهود المبذولة لترسيخ هذا النظام في سوريا المستقبل، تحدثت بيمان علوش عضوة منسقية مؤتمر ستار في مقاطعة الفرات بإقليم شمال وشرق سوريا عن هذا النموذج.
أيديولوجية القائد أوجلان منهل رحلة الحرية
وعن ثورة المرأة وكيف انبثقت، أوضحت بيمان علوش "ثورة 19 تموز في إقليم شمال وشرق سوريا حظيت باعتراف عالمي، مستندةً إلى أيديولوجية القائد أوجلان، وعلى وجه الخصوص مشروع الأمة الديمقراطية ضد أذرع الحداثة الرأسمالية والدولة القومية والصناعية، وقد قدم القائد أوجلان هذا المشروع للبشرية جمعاء، وهو يطبق اليوم في إقليم شمال وشرق سوريا، والأمة الديمقراطية تتبنى في جوهرها الديمقراطية وحرية المرأة والبيئة، وقد بنت شعوب المنطقة نظاماً لأنفسها ونظمت نفسها على هذا الأساس".
وقالت "طوّر القائد أوجلان هذا المشروع عبر مراحل عديدة، لا سيما في ثمانينيات القرن الماضي عندما طرح وقدم مبادئ أيديولوجية تحرير المرأة إلى جميع النساء، وأظهر من خلالها كيفية النضال ضد عقلية الدولة الأبوية والقومية، وكيفية تحقيق الحرية الكاملة، ففي أحدث تقييماته سلّط الضوء مرة أخرى على تاريخ عبودية المرأة، وحقيقتها، وتشويه كيانها، ويذكر تحديداً ثقافة نساء القصر، حيث قيّدت النساء في المنزل بسبب العقلية الإقطاعية والتقليدية، وعلى نفس الغرار ثقافة ساتي التي تربط مصير المرأة بمصير الرجل، ومؤخراً، طرح القائد أوجلان أيديولوجية تحرير المرأة رداً على هذه الثقافة، والهجمات الجنسية، والعقلية المهيمنة على المرأة، وكنساء نناضل اليوم من أجل ترسيخ هذه الأيديولوجية".
"كون مصدر التحديات والعراقيل واحد فالحل واحد"
وأكدت بيمان علوش أن بإمكانهن من خلال نضال جادّ، بناء حياة حرة وكريمة للنساء والعالم "النظام أو الثورة التي بدأناها ضمن هذا الإطار لكي نستطيع أن نبني عالماً حراً وكريماً لكل النساء. هدفنا أن تنخرط جميع نساء شمال وشرق سوريا في هذا المشروع وتصبحن جزءاً أساسياً في بناء هذا النظام. وبهذا، تم توحيد الوعي ذاته بين النساء، مما يعني أن النظام السلطوي القومي لا يؤثر، فالمهم هو ألّا تقع المرأة والمجتمع تحت هيمنة ذلك النظام. لذا، فإن مشكلة جميع نساء شمال وشرق سوريا واحدة، ولهذا السبب من الطبيعي أن يقمن ببناء وحدتهن أثناء بناء هذا النظام وإيجاد حلّ له. على هذا الأساس وبقوة وإرادة عظيمة، تتصدر النساء النضال في جميع المجالات".
"مشروعين أساسيين"
وأوضحت أن "النساء اللواتي حُرمن لسنوات من إرادة التفكير واتخاذ القرار وبناء الذات، وما إلى ذلك، يتحدثن الآن عن الحقوق والتعايش الحر والحياة المشتركة في أسرهن ومجتمعاتهن وعملهن وجهودهن، بالطبع، هذه النقاط التي ذكرناها هي قضايا نضالية، وعلى وجه الخصوص، يُعد النضال من أجل تغيير وعي الأهالي ومواقفهم وأفكارهم أمراً بالغ الصعوبة، ولهذا السبب تخوض النساء نضالاً حقيقياً ومتكاملاً وعلى مستوى الذروة، دعونا لا ننسى أننا نواجه وعياً ونظاماً عمره أكثر من 5 آلاف عام".
وقالت "كنساء نعيش ونناضل في إقليم شمال وشرق سوريا، وقد نظمنا أنفسنا وعززنا دعمنا في جميع مجالات الحياة من التعليم والقانون والسياسة والاقتصاد والثقافة والفنون والإعلام والمجتمع والدفاع عن النفس، وعشرات المجالات الأخرى ويمكنني أيضاً أن أذكر مثالاً واضحاً في هذا الصدد حيث أنه لسنوات، رُبيت النساء وتم تنشأتهن بعقلية ذكورية، إلا أننا قضينا عليها من خلال تعليمنا ودوراتنا التثقيفية، والآن تتلقى النساء تعليمهن من خلال وجهات نظر المرأة وآراءها وتقييماتها وأبحاثها وعلمها".
ولفتت بيمان علوش الانتباه إلى أن نقطة مهمة "نحن نُثقّف كلا الجنسين بهذه الطريقة، الرجال الذين أنكروا إرادة المرأة ووجودها واعتبروها ملكية، قد تغيّروا إلى حد كبير من خلال الدورات التثقيفية والفكر الذي قدمه القائد أوجلان لنا، الآن، أصبح الرجال رؤساء مشتركين جنباً إلى جنب مع النساء اللواتي تتولين دوراً قيادياً ورئيسياً في كافة المجالات، بعبارة أخرى، يمكننا القول إنه حدث تغيير في مفاهيم ووعي الرجال في إقليم شمال وشرق سوريا".
وأكدت أنه "بعد النضال والجهود والتضحيات التي قُدّمت، يُمكننا أن نؤكد ونوضح أن المرأة أيضاً جنس لها حقوق وحريات، وأن الرجال أيضاً مستعبدون بقدر استعباد النساء من قبل الأنظمة، والحقيقة هي أنه إذا لم يتم تحرير الرجال والنساء، فلا يُمكننا الحديث عن مجتمع حر وديمقراطي، لذلك، نحن بحاجة إلى تحرير كلا الجنسين".
"مشروعنا السبيل الأقرب والأصح لتحقيق الحرية الكاملة"
وأعربت بيمان علوش عن فخرها الشديد بمشرع الأمة الديمقراطية وإنجازاته "لقد أصبحت التجربة والنموذج الذي نطبقه حالياً مثالاً يُحتذى به، فمن جهة، أنشأت النساء نظاماً مستقلاً لأنفسهن، وفي الوقت نفسه، تلعبن دوراً رائداً في بناء وإنجاح مشروع الأمة الديمقراطية، فنحن نرى اليوم آلاف النساء تشاركن وتعملن في أهم المؤسسات والمنظمات والهيئات الإدارية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية وغيرها، وهو إنجاز لا مثيل له بالنسبة لنا، لهذا السبب، نقول بثقة كبيرة إن نظامنا ديمقراطي، ويضمن حرية وحقوق جميع النساء في إطار اجتماعي وقانوني ودستوري".
وفي ختام حديثها قالت عضوة منسقية مؤتمر ستار في مقاطعة الفرات بإقليم شمال وشرق سوريا بيمان علوش "النموذج والنظام الذي بنيناه لأنفسنا هو أقرب وأصح طريق لتحرير جميع المجتمعات والنساء الساعيات للحرية، وعلى هذا الأساس، نأمل أن يُطبق نموذج الإدارة الذاتية والأمة الديمقراطية في جميع أنحاء سوريا، ونؤكد أن جهودنا ونضالنا مستمر حتى تأخذ جميع السوريات مكانهن".