جيلان أكجه: من السلاح إلى الحوار مسار جديد في القضية الكردية

قيّمت النائبة عن حزب " "DEMفي آمد بشمال كردستان، جيلان أكجه، آخر تطورات العملية المتعلقة بحل القضية الكردية، التي وضع أسسها القائد عبد الله أوجلان.

أرجين ديليك أونجل

آمد ـ أطلق القائد عبد الله أوجلان نداءً تاريخياً جديداً في إطار دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي"، وقد كرر مجدداً دعوته "أؤمن بقوة السياسة والسلام المجتمعي لا السلاح، وأدعوكم جميعاً لتطبيق هذا المبدأ".

في حين يتابع العالم بأسره العملية المتسارعة في تركيا منذ تشرين الأول/أكتوبر، يُتوقع أن تتسارع عملية إلقاء حركة التحرر الكردستانية السلاح التي يجري الحديث عنها منذ أشهر، ويُنتظر اليوم الذي ستُقام فيه مراسم إعلان الحركة عن إلقاء سلاحها.

 

"مرحلة فريدة من نوعها"

النائبة عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب DEM في آمد، جيلان أكجه قالت "نحن أمام مثال فريد لا يُصدَّق مقارنة بالأمثلة الأخرى في العالم لحل النزاعات"، موضحةً أن مراحل الصراع عادةً ما تبدأ بالحوار، وبعد تطور الحوار يتم اتخاذ خطوات، مشيرةً إلى أن هذه العملية تسير بشكل مختلف هذه المرة.

وبينت أن "كل الانتفاضات السابقة انتهت بالعنف وقتل قادتها، أما هذه المرة، سيتم إلقاء السلاح يتبعها تأسيس لأرضية حوار، ومن هذا المنطلق، نعتبر هذه العملية مثالاً فريداً من نوعه، وربما ستشكل سابقة جديدة ومصدراً لأدبيات جديدة في أماكن أخرى من العالم تشهد صراعات مستمرة".

وأشارت إلى كثرة الانتقادات الموجهة لمسار العملية "من الجيد أن نرى أن الخطوط الحمراء لم تعرقل الحوار في أي مرحلة من مراحل العملية، وهذا يعد إيجابياً، لكن في الوقت نفسه تُنفَّذ عمليات معينة، مثل العمليات التي تستهدف بلديات تابعة لحزب الشعب الجمهوري، ففي حين تستمر حملة الاعتقالات، فإن مسار الحوار يتقدم في ذات الوقت".

 

"سيصبح أكثر وضوحاً مع المراسم"

وأعربت جيلان أكجه عن أملها في أن يتحول مسار دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي"، إلى شكل أكثر إيجابية بعيداً عن الاستقطاب الثنائي التقليدي بين الأسود والأبيض "إذا أصبحت تركيا أكثر ديمقراطية، فلن يُعتقل رؤساء البلديات، ولن تُنفذ عمليات بدوافع سياسية تحت مسميات مثل الفساد، ستنشأ مساحة للحرية السياسية، لدينا بالتأكيد الكثير من التطلعات، نريد أن نرى هذه العملية تتقدم بخطوات أكبر وأكثر وضوحاً".

وأكدت أنه "من خلال التصريحات الصادرة عن وفد إمرالي، نفهم أن العملية تدخل مرحلة جديدة، ومن المحتمل أن تشهد مزيداً من الخطوات الملموسة مع مراسم إلقاء السلاح التي يُخطط لإقامتها في السليمانية، مما سيجعلها أكثر وضوحاً".

 

"يجب توفير بيئة آمنة"

وأوضحت جيلان أكجه أن حديثاً يدور باستمرار حول الخطوات التي يجب على الأطراف اتخاذها في هذه العملية، وأن حذر الناس تجاه هذه المرحلة يعود إلى عدة أسباب "منذ تسعينيات القرن الماضي، كان هناك ست محاولات لحل القضية الكردية، انتهت خمس منها بنتائج سلبية، لذلك، لا تزال لدى الناس آليات دفاع ذاتي قوية لحماية أرضهم، وهويتهم، وثقافتهم، ولكي تتمكن هذه الآليات من الانفتاح أكثر وتشعر بالأمان، ينبغي على الدولة أن توفّر للناس بيئة آمنة، نحن نؤمن أن شعور الناس بالأمان يمكن أن يصبح ملموساً من خلال خطوات واضحة".

وقالت جيلان أكجه "هناك حاجة إلى خطوات تدفع الناس للقول إن الدولة تخلّت عن وجهها القاسي، كما يجب توفير ظروف تُمكّن الكرد من رؤية من انتخبوهم طيلة خمس سنوات، ويجب أن يتمكن هؤلاء الممثلون من الاستفادة من جميع الموارد والوصول إليها على قدم المساواة خلال مدة تولّيهم مناصبهم، حيث يحتاج الناس إلى رؤية خطوات ملموسة، وهذه بعض من الخطوات الملموسة التي نتحدث عنها".

 

"يتم التعتيم على جوهر القضية"

"في حين يقتصر دور الحزب الحاكم على أداء مهامه البرلمانية فقط، يعمل نائب من المعارضة ميدانياً، في الساحات، في المحاكم، وفي مراكز الشرطة، في كل مكان، لذلك، قد لا يظهر دائماً في البرلمان"، بحسب جيلان أكجه.

وأوضحت أن "تحميل المعارضة، أو الأشخاص غير المعنيين بالقرار، مسؤولية تمرير القانون هو تلاعب كبير، وتحميل المسؤولية لأشخاص لا علاقة لهم بصنع القانون أو تمريره يعني الانحراف عن الهدف الأساسي، أي المحاسبة الفعلية لصاحب القرار والمشرّع الحقيقي، واستمرار العمليات الحالية يُعيد تكرار هذا الانحراف، وهذه الدعوة وهذا الحوار للأسف يفقدان تركيزهما الأساسي، ويُصبح من غير الممكن رؤية الجهد الهادف إلى خلق عالم أفضل للجميع".

 

"يأخذون من النساء ويمنحون للحرب"

في جميع أنحاء العالم، عادةً ما تتبنى النساء عمليات السلام أكثر من غيرهن، وعن هذا الجانب، قالت جيلان أكجه "في ميزانيات الحرب، غالباً ما يكون أول ما يُستغنى عنه هو مجالات المرأة والطفل، يُقتطع منها لصالح التسلح، فقد بدأنا نرى هذا المثال حديثاً في أوروبا، ففي السابق، كانت الدول الأوروبية العضوة في الناتو تخصص حوالي 1% فقط من ميزانياتها للدفاع، والآن، وبتأثير من الولايات المتحدة، يُتوقع رفع هذه النسبة إلى 5%، وهذا يعني التخلّي عن بعض السياسات الاجتماعية، يعني إلغاء كافة المبادرات التي كانت تُمكّن النساء من المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والسياسية، الميزانية المُقتطعة من هنا ستُحوّل إلى السلاح".

وأضافت "النساء يدركن تماماً كيف أن ما يُؤخذ منهن يتحوّل إلى رصاص ودبابات وصواريخ، ولهذا السبب نشأت مبادرة "أحتاج إلى السلام" للنساء، وقد كنّ في أنقرة مؤخراً، وعبّرن عن مطالبهن، ودعون إلى إنشاء آليات داخل البرلمان لتحقيق ذلك، إنهن ينظرن إلى المسألة من هذا المنظور، ولا يردن لما يُؤخذ منهن أن يذهب للحرب".

وأضافت "أثناء وجودنا في أمريكا، في الطاولات المستديرة التي شاركنا بها، كان السؤال الرئيسي هو ما الذي قامت به الدولة حتى يسير هذا المسار بهذا الشكل؟ صحيح أنه تم إصدار نداء في شباط، وتم إعلان حلّ الهيكلية التنظيمية في أيار، لكن الجميع يتساءل عما إذا كانت الدولة قد قامت فعلياً بأي خطوة ملموسة حتى الآن".

ولفتت إلى أن "الترقب لا يقتصر على الداخل فقط، بل هناك اهتمام دولي أيضاً، فإذا كانت حرب دامت 40 عاماً ستنتهي، ينبغي أن تقدم الدولة خطوة فعلية، من المهم أن يرتفع مستوى هذا الترقب في كل الساحات، ليس فقط في كوجاكوي، بل في واشنطن ومدن أمريكية أخرى كذلك، ومن اللافت أن هذا الفضول وتلك التطلعات باتت تُعبَّر عنها عالمياً، وهذا شيء بالغ الأهمية، الدعم العام كبير، وآمل أن يكون هذا الدعم محفزاً لتركيا، لا نعتبر ذلك تدخلاً أو وصاية، بل نراه خطوة تساعد تركيا على الوصول إلى الإمكانات التي تطمح لتحقيقها".

 

"نحن نبني السلام"

وأكدت جيلان أكجه على أهمية أن تطرح الأسئلة بشأن الخطوات المتوقعة من مختلف الدول والجهات "السلام الذي يشترك فيه العديد من الأطراف ويشارك في بنائه عدد كبير من الفاعلين سيكون أكثر ديمومة واستقراراً".

وفي ختام حديثها، استشهدت جيلان أكجه اقتباساً من رواية "وداعاً للسلاح" للكاتب إرنست همنغواي "في الكتاب، يروي الكاتب ذكرياته في إيطاليا خلال الحرب العالمية الأولى، ويشير إلى أن عملية وقف إطلاق النار لم تحدث بانفجار كبير كما توقع الجميع، بل حدثت بهدوء تام، وهذا هو الدرس الذي استخلصته إن السلام لا يُبنى بالصخب بل بالتأني والعمل الهادئ، فقد لا يكون الصوت مرتفعاً، لكنه قائم في كل مكان، في الاجتماعات الشعبية، في الميدان، نحن نتحدث، وهم يتحدثون، ونتوصل إلى توافقات، نحن نبني السلام بهدوء".