هشاشة اقتصادية وانتهاكات... حرية الصحافة في تونس في أضعف حالتها
ظلت تونس لسنوات منارة لحرية الصحافة في المنطقة وشمال أفريقيا، كما حققت تقدماً على دول أوروبية، لكن الاحصائيات اليوم والتصنيف يدق ناقوس الخطر في خسارة لهذا المكسب الوحيد الذي ظل من الثورة.

زهور المشرقي
تونس ـ قدمت منظمة مراسلون بلا حدود تقريرها السنوي بخصوص واقع حرية الصحافة في شمال أفريقيا والمنطقة والذي يأتي تزامناً مع اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق للثالث من أيار/مايو، وعنونته بـ "الإضعاف الاقتصادي لوسائل الإعلام أحد التحديات الرئيسية لحرية الصحافة".
وصفت منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي حول حرية الصحافة، الوضع في الشرق الأوسط بالمنهك وسط انتهاكات كثيرة للصحفيين والصحفيات، حيث لا تزال الضغوط الاقتصادية تقوضُ الصحافة المنهكة أصلاً جراء أعمال العنف التي ترتكبها قوات الأمن أو الجماعات المسلحة أمام إفلات تام من العقاب.
ووفق الندوة التي نظمتها اليوم الجمعة الثاني من أيار/مايو، جاءت تونس في المرتبة 129عالمياً من بين 180دولة مُسجلة تراجع بـ 11 نقطة مقارنة بالعام الماضي في تقهقر قاس والوحيد مقارنة بدول المنطقة وشمال أفريقيا.
وأوردت المنظمة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأخطر على سلامة الصحفيين والصحفيات من بين جميع دول العالم، وجاءت سوريا في المرتبة 177 في انتظار الإصلاحات العميقة على المشهد الإعلامي في مرحل ما سقوط نظام البعث.
بينما احتلت إيران المرتبة 176 في نهاية التصنيف، حيث لايزال تكميم الأفواه وقمع الأصوات الناقلة مستمراً وهو مشهد مألوف في العاصمة طهران وفق المنظمة.
ولايزال واقع حرية الصحافة في الدول الأفريقية صعباً حيث تتواجد أغلبها في نهاية التصنيف باستثناء السنغال التي ارتقت 74 بما لا يقل عن 20 مرتبة حيث أطلقت السلطات مشاريع إصلاح اقتصادية لتنفيذها بالتشاور مع مختلف الجهات الفاعلة.
ولاتزال مصر ضمن العشر الأواخر في الترتيب حيث تدفع البلاد ثمن المحاولات المستمرة لقمع تغطية الأزمة المالية وغيرها من المظاهر السالفة للحرية التي تطال الصحفيين والصحفيات ووسائل الإعلام.
وبالعودة لتونس، قالت المنظمة في ندوتها إن الضغوط المالية تؤثر على وسائل الإعلام بشكل كبير حيث فقدت أحد عشر مركز مسجل، في الوقت ذاته يعد أكبر تراجع في المنطقة على مستوى المؤشر الاقتصادي بـ 30 مرتبة حيث تشهد البلاد أزمة سياسية تدفع الصحافة المستقلة ثمنها غالياً.
وحقق المغرب وليبيا ارتفاعاً طفيفاً في التصنيف وإن كان البلدان معاً يراوحان مكانهما في الثلث الأخير من جدول التصنيف حيث تواجه وسائل الإعلام المغربية والليبية هجمات متكررة تهدد استقلاليتهما، كما يستمر القمع القضائي للفاعلين الإعلاميين في الجزائر رغم تحقيقها تقدم طفيف في التصنيف.
وتعليقاً على تراجع تونس في التصنيف بعد أن كانت منارة أفريقية عربية في حرية الصحافة منذ 2011، بل نافست دولاً أوروبية، أفادت الصحفية سيدة الهمامي "بعد 14 كانون الثاني 2011، كان المبدأ الأساسي رغم الاختلافات أنه لا يمكن الحديث عن حرية التعبير في ظل وضع اجتماعي واقتصادي هش يعيشه الصحفيون والصحفيات، كون المؤسسة الإعلامية مؤسسة اقتصادية بالأساس خاصة في الإعلام الخاص، واليوم بان أنه إن كانت المؤسسة مرتبطة بجهة معينة هناك ضوابط وضغوطات حتى خط التحرير يتحدد وهو ما نحصد اليوم نتائجه".
وأضافت "رفعنا مطالب تؤكد أن هذا القطاع يجب أن يحدد كونها مهنة ولها متطلبات وقوانين ويجب تنظيمها، لكن حينها كانت الموجة نحو تحرير القطاع وتم إسقاط تجارب من الخارج على تونس وهي حينها لازالت في أول مراحل التخلص من ديكتاتورية واضحة المعالم لا تعترف بحرية الصحافة والتعبير".
وأكدت أن تونس لم تضع الأسس بالشكل الصحيح وها هي اليوم تجني النتائج، حيث أبرزت منظمة مراسلون بلا حدود أن تراجع الوضع الاقتصادي للمؤسسة الإعلامية أهم آلية لتقويض حرية الصحافة حتى في علاقتها بالمواطنين فكيف بالممارسة الصحفية، بحسب تعبيرها.
وتابعت "هناك انحدار كبير للصحافة في تونس على مستوى الشكل والمضمون والممارسين والممارسات للمهنة، حيث لم يعد لنا قنوات تلفزيونية اليوم، وحتى تلك الموجودة لديها بعض البرامج الترفيهية والحوارية التي لا يمارسها الصحفيون".
وأفادت سيدة الهمامي بأن "الصحافة في تونس أصبحت بلا صحفيين، خاصة مع موجات الطرد التعسفي الواسعة وإغلاق بعض المؤسسات، حيث تغلق أخرى مقابل ظهور قنوات على مواقع التواصل لديها جماهير أكثر وانتشار واسع وليس لديها أي علاقة بأخلاقيات المهنة والصحافة".
ولفتت إلى الوضع العام الصعب الذي مس حرية الصحافة حيث يقبع صحفيون وراء القضبان في قضايا غامضة على غرار الصحفية شذى بلحاج مبارك.
وعن إمكانيات الإصلاح في هذا المجال، ردت سيدة الهمامي "هناك محاولات من قبل بعض هياكل المهنة أو تشريعياً على غرار المبادر الذاتي لإيجاد مؤسسات إعلامية تستوعب الصحفيين وتوفر لهم الاستقلالية"، مضيفةً أن قطاع الإعلام في تونس تقريباً مؤنث حسب الاحصائيات لكنهن لا يتواجدن بالشكل اللازم في مواقع صنع القرار وأن التعيين يكون من الدولة التي قد تنهي مهامهن بأي وقت.