بين اللوعة والأمل رحلة طويلة لأمهات تنتظرن أبنائهن المختطفين

ثماني سنوات لم تكن كافية لتضميد جراح لا زالت تنزف ودموع لم تجف من أعين أمهات فقدن فلذات أكبادهن، على يد إرهاب داعش ولا زال العديد منهم مجهولي المصير.

براءة جالي

الرقة ـ لو أنها دفنته بيديها كانت ستبرد نار قلبها بدلاً من الانتظار المميت، هذا ما تشعر به الأمهات اللواتي سلبت منهن فرحة الانتصار على داعش في مدينة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا لأن أبنائهن الذين اختطفهم "داعش" لم يظهروا حتى اليوم.

شكاوى الأمهات من لوعة الانتظار ليست إلا شهادات حية على أن ما تركه داعش من ألم لم تمحوه السنين، فرغم مرور ثماني سنوات على تحرير المقاطعة والخلاص من إرهاب داعش وانتهاكاته الوحشية التي ارتكبها بحق الأهالي والنساء على وجه الخصوص، ما يزال مصير العشرات مجهولاً.

ويصادف 20تشرين الأول/أكتوبر الذكرى الثامنة على تحرير مقاطعة الرقة من إرهاب داعش الذي شكلت سيطرته علامة سوداء في تاريخ وحياة الناس هناك، وتحرير المقاطعة نقطة مفصلية وتاريخية في واقع المدينة ونسائها، لكنها فرحة مطعونة بالخاصرة لم تكتمل، لأن هناك أشخاص ما يزالوا مفقودين، وعيون أمهاتهم تنظر إلى الطريق لعلهم يعودون.

 

نصف ساعة استمرت لأعوام

الستينية فاطمة سراج الصميل فقدت ابنها عندما أراد الهرب من داعش "فقدت ابني عندما كان يسعى لترك المدينة مع زوجته وأطفاله، تحضرت العائلة وانتظرناه وقال أنه سيمر ليعزي بجارنا، ثم سيتجه إلى الميكانيكي لإصلاح السيارة، واتصل بي من هاتف الرجل، وقال أنه لن يتأخر أكثر من نصف ساعة، لكن عندما تأخر بالعودة تسلل الخوف والقلق إلى قلبي، فاتصلت بالميكانيكي الذي قال أن ابني ذهب إلى صديق له من أجل قطع غيار تحتاجها السيارة".

هناك أتت دورية لداعش واعتقلته مع صديقه "بعد مرور الوقت أخبرني الميكانيكي أن مرتزقة من داعش أطلقوا النار عليه وهو ينزف، وتم الحجز على سيارته، وأنه لا يعرف معلومات أكثر من هذه"، وتعتقد الأم أن السبب يعود لكونه كان عنصراً في الجيش النظامي "عندما قمنا بالبحث عنه لدى الدواعش أخبرونا أنه معتقل لديهم لأنه عنصر سابق لدى النظام وأنه سيفرج عنه خلال أيام، وبقينا في حالة انتظار طوال تلك الفترة، عندها التقيت بأحدهم وأخبرني أنه رآه في السجن، وهذا آخر ما سمعته عنه".

 

انتهاكات واستخدام العنف بحق المرأة

من المؤكد أنها لم تتوقف عن السؤال ولم تترك مقراً للمرتزقة إلا وقصدته لعلها تجد خبراً يريح عذاباتها، ولكن المرتزقة الذين لم يتعلموا احترام المرأة والأم، تعاملوا معها بالعنف، تقول "قصدت نقطة لهم  في شارع الأماسي ومعي طفله الصغير، وقام أحد المرتزقة باستخدام سلاحه ضدي، لقد وجه البندقية إلى صدري ودفعني أرضاً وهو يقول ابنك إرهابي مع نظام بشار، وأخبرته أن لا ذنب لولدي بهذا الشيء لكنه لم يسمعني، وأتى مرتزق آخر، وسألني عن اسم ابني فأخبرته علي عبد المرعي، وذهب للسجن الذي في الخندق لديهم ونادى باسمه، لقد سمعت صوته وهو يرد عليه عندها اشتعل قلبي ناراً، لكن لم يسمحوا لي أن أراه حتى لو لمرة واحدة، فعدت إلى المنزل خائبة الأمل، مر الوقت إلى أن أتى الينا رجل قال أن ابنك موجود في المشفى الوطني، لأنه أصيب. كانوا قد جعلوا من المشفى سجناً، في ذلك الوقت بدأت حملة التحرير وزاد القصف والعمليات العسكرية فأجبرنا على النزوح".

 

مرحلة داعش انتهت ومرحلة الألم لن تنتهي

مرت السنوات وحررت قوات سوريا الديمقراطية مقاطعتي الرقة والطبقة "كنا لاجئين في مقاطعة الطبقة أصبحنا نبحث عنه في كل مكان قمنا بنشر صوره في كل الطرقات والمواقع، إلى أن سمع أحد المسؤولين، وأتانا من مقاطعة كوباني وأخبرنا أنه موجود في سجن بكوباني، ذهبت مع الرجل إلى مدير السجن الذي أخبرني أن جميع سجناء مقاطعة الرقة تم نقلهم إلى قامشلو".

خيبة الأمل تفقد الإنسان صحته وامرأة ستينية لا يمكنها التحمل أكثر مما تحملت، تقول أنها عادت مكسورة الخاطر "خائبة الأمل بقيت في الفراش حوالي شهرين متتاليين لم استطع القيام لأنني ذهبت أحمل أملاً في العثور عليه لكني لم أجده، وبعد ذلك قصدت مدينة قامشلو، واعطيتهم أوراقه وصورته وتاريخ فقدانه لكنهم أخبروني أنه ليس موجود لديهم، عدت مرة أخرى خائبة الأمل لكن هذه المرة فقدت الأمل من كل النواحي".

تقول الأم الثكلى "خلال 9 سنوات اتعذب بشكل يومي خاصةً عندما أريد أن أنام اتذكره كثيراً واتحسب ربي على كل من فعل ذلك بنا من إرهاب داعش، اتألم عندما أرى ابنتيه التوأم، الآن تدرسان في الصف الخامس. أتمنى من قوات سوريا الديمقراطية أن تحاسب داعش وكل من أوصلنا لهذه المرحلة المليئة بالحزن والهموم، أقول أحياناً إنني فقدت الأمل، لكنني أظنني لم أفقده بعد، وأتمنى أن أتمكن من رؤية ابني قبل أن أموت".

 

قصاص ولديها

ريم الأحمد، البالغة من العمر 65عاماً، فقدت اثنين من أبنائها، تقول إن ابنها الأول عمر، كان نائماً في غرفته عندما داهم مرتزقة داعش في منتصف الليل المنزل، واخدوه إلى جهة مجهولة، اما ابنها الآخر أحمد، فقبضوا عليه عندما كان خارج المنزل، عمر كان يعمل في بيع الفروج، وأحمد كان نجاراً، قبضوا عليهما بتهمة أنهما عميلان للنظام السابق. ترك عمر خلفه ابنتين صغيرتين جداً، قامت الجدة والجد برعايتهما، إلا أن الجد أصيب مؤخراً بالشلل النصفي، مما زاد معاناة الأسرة.

 لم تقف الأم مكتوفة الأيدي سارعت مع زوجها للبحث عنهما "بحثنا عنهما أكثر من مرة، وفي كل مرة كانوا يرفضون إخبارنا بأي شيء، جهزنا أوراق خاصة من المكتب العشائري لدى داعش، من أجل البحث في أحد سجونهم، لكنهم منعونا من الدخول عدة مرات، وكانوا يكتفون بالقول إنهما يخضعان للتحقيق، وبعد فترة طويلة، قيل لنا أنه تم قتلهما باسم القصاص، في البداية أحمد ثم عمر. ذهبنا لنتأكد لكنهم أنكروا، وقالوا إن ما سمعناه غير صحيح، وبعد مرور بعض الوقت، أعلنوا عن جريمتهم واعترفوا بأنهم قتلوا أحمد، وبعد فترة طويلة أخرى، اقرّوا بقتل عمر أيضاً، ومع كل هذا لم يسلمونا جثمانيهما".

تقول الأم وهي تصف ما تعيشه بعد فقدان ابنيها " أصبحت الحياة صعبة وطعمها كالعلقم، انتهت الحياة بالنسبة لي، لكنني أعيش وأصبر على كل شيء من أجل فتيات عمر الصغيرات، كنا نتمنى لأن الخبر كان كاذباً، اتذكرهما الآن أكثر من أي وقت مضى، ولا أنسى شيئاً مهما كان بسيطاً، ما زلت احتفظ بملابس زفاف أحمد، وبين الحين والآخر أخرجها لأشم رائحته، فما تزال رائحة عطره عالقة بها، وهنا قلبي يشتعل ناراً".