بين البطالة والاستغلال... العاملات في الرعاية المنزلية تحت وطأة الظروف القاسية
في ظل الإهمال الهيكلي، ترتبط أزمة الشيخوخة الصامتة في إيران بالبطالة الخفية واستغلال مقدمي الرعاية المنزلية، أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم.

شيلان كردستاني
طهران ـ تقف إيران على أعتاب تحول ديموغرافي غير مسبوق، يتمثل في شيخوخة المجتمع، وبالتالي شيخوخة القوى العاملة النشطة، وهذا ليس مجرد تغيير ديموغرافي بسيط، بل هو بداية لسلسلة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التي تتجلى بوضوح في ثلاثة مجالات (نمو السكان المسنين، وزيادة البطالة، واستغلال مقدمي الرعاية المنزلية).
حتى عام 2011، كان التركيب العمري للسكان في إيران شاباً ومتزايداً، ولكن الآن، ومع انخفاض معدل الخصوبة إلى أقل من 2.1 وزيادة متوسط العمر المتوقع، فإن حصة كبار السن (60 عاماً فأكثر) آخذة في الازدياد، وبحسب تقرير المركز الإحصائي الإيراني لعام 2024، فإن عدد كبار السن في البلاد وصل إلى أكثر من 10 ملايين نسمة، وهو ما يمثل نحو 12 في المائة من إجمالي سكان البلاد.
وتشير التوقعات إلى أن هذا الرقم سيصل إلى أكثر من 30% بحلول عام 2050، والنقطة المهمة هنا هي أن الشيخوخة في إيران ليست تدريجية بل متفجرة، إن العملية التي كانت تستغرق ما بين 50 إلى 70 عاماً في الدول المتقدمة تحدث في إيران في أقل من 30 عاماً، ويعود هذا التسونامي في حد ذاته إلى السياسات المفرطة في تشجيع النمو السكاني في ستينيات القرن العشرين، والتي تأثرت بدورها بالحرب المدمرة بين إيران والعراق، سياسة أظهرت أبعادها المسببة للأزمات في جوانب مختلفة مثل الصحة والتعليم والتوظيف، وخاصة لمن ولدوا في ستينيات القرن الماضي، بأشد مرارة ممكنة، وسوف يؤثر هذا التحول بشدة على أنظمة الضمان الاجتماعي والصحة والتوظيف، وتشمل العواقب الاجتماعية لهذه الظاهرة زيادة حادة في الطلب على خدمات الرعاية المنزلية، وتآكل صناديق التقاعد بسبب عدم المساواة في النسبة بين السكان العاملين والمتقاعدين، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.
البطالة...أزمة مزمنة في إيران
وتشكل البطالة الهيكلية وعدم القدرة على خلق فرص عمل مستدامة، إلى جانب الشيخوخة، أزمة مزمنة أخرى اجتاحت البلاد، وبحسب تقرير مركز الإحصاء الذي صدر في خريف عام 2024، فإن معدل البطالة الرسمي يبلغ حوالي 8.5 في المائة، لكن هذا الرقم يخفي الواقع، وإذا أضفنا مؤشر البطالة المخفية (الأشخاص الذين يعملون في وظائف غير رسمية أو غير مستقرة أو منخفضة الدخل) وأولئك الذين توقفوا عن البحث عن عمل، فإن العدد الحقيقي ربما يكون ضعف هذا العدد، وفي هذه الحالة، يمكن تصنيف المجموعات الأكثر ضعفاً.
معدل البطالة بين النساء يصل إلى حوالي 15 في المائة ومعدل مشاركتهن الاقتصادية أقل من 13 في المائة، بينما يصل معدل البطالة بين الخريجين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 35 عاماً يتجاوز الـ 20%، وتشهد المناطق الهامشية والنائية، مثل محافظات كرماشان، وسيستان وبلوشستان، وكوهكيلويه، وبوير أحمد، معدلات بطالة أعلى، لقد دفعت هذه البطالة الهيكلية العديد من النساء إلى العمل في وظائف محفوفة بالمخاطر ومنخفضة الأجر وغير محمية، مثل التمريض المنزلي.
يُشار إلى الممرضات المنزليات عموماً على أنهن نساء وفتيات لم يتلقين تدريباً متخصصاً في التمريض ويعملن في تقديم الرعاية والطهي والأعمال المنزلية في السوق غير الرسمية، وخاصة في المناطق الثرية كشمال طهران، إن جيش الممرضات المنزليات غير المرئي والمنسي في إيران، على الرغم من أنهن يتحملن عبء رعاية كبار السن والمعاقين والمرضى، فإنهن غالباً ما يعشن في ظروف أشبه بالعمل القسري، ليس لهم مكان في الإحصائيات الرسمية، هم غير مؤمنين، ليس لديهم عقد، أجورهم ليست ثابتة، ولا يحق لهم الحصول على الهدايا أو المكافآت أو العطلات، وإذا اعترضوا يتم فصلهم دون أي وسيلة للشكوى، وهذا يعني أنهم مستثنون من كافة القوانين، حتى تلك الخاصة بالعمال، إنهم عاطلون عن العمل وليس لديهم حقوق، وبطبيعة الحال، في المجتمع الإيراني غير المنظم لا توجد مؤسسة مسؤولة عن حماية حقوقهم، من حيث التركيبة الديموغرافية، حوالي 90% من الممرضات المنزليات هن من النساء، أغلبية ربات الأسر من النساء مطلقات أو عازبات، وبسبب عدم توفر سكن مستقل فإنهن يضطررن إلى البقاء في منزل صاحب العمل ليلاً ونهاراً، وهو نوع من السجن الذاتي أو الإقامة الجبرية القسرية، وقد جاء الكثير منهم إلى المدن الكبرى من المناطق المحرومة والصديقة للمهاجرين (إيلام، وخوزستان، وكرماشان، وأطراف مشهد، وطهران).
تصنيف القضايا الرئيسية التي تواجه الممرضات
يمكن تصنيف القضايا الرئيسية التي تواجه الممرضات المنزليات إلى أربع فئات، عدم وجود التأمين والأمان الوظيفي: أي العمل بدون عقد مكتوب، وبدون تأمين صحي أو حوادث أو تقاعد، في كثير من الحالات، حتى راتب الشهر الأخير لا يتم دفعه عند انتهاء الخدمة، وفي أغلب الأحوال يكون الاتفاق شفهياً وليس لديهم أي وسيلة للاحتجاج أو الشكوى في حالة الإخلال بالوعد.
إساءة استخدام شركات الوساطة: تأخذ وكالات التمريض ما بين 30 إلى 50 في المائة من راتب الممرضة كعمولة، وتعمل بعض هذه الشركات بدون ترخيص أو تحت ستار كاذب.
ساعات العمل المرهقة: إن مقدمي الرعاية المنزلية، وخاصة أولئك الذين يعملون على مدار الساعة، مشغولون أحياناً بالعمل لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم دون انقطاع، إن رعاية المرضى مع القيام في نفس الوقت بطهي الطعام والقيام بالأعمال المنزلية تصبح مهمة تستغرق ما يقارب من 24 ساعة دون فترات راحة أو وقت مخصص للذات، لذلك فإن هذه الوظيفة تحتوي على نسبة عالية من الإرهاق البدني والعقلي.
العنف والتحرش: تم الإبلاغ عن حالات من التحرش اللفظي والجسدي وحتى الجنسي من قبل بعض أصحاب العمل؛ لكن عدم وجود هيكل فعال للشكاوى وحقيقة أن أصحاب العمل أغنياء ومؤثرون تجبر الممرضات على الصمت.
مؤسسة "الأسرة" تنهار في إيران أثر الضغوطات الاقتصادية والهجرة
إزالة الطابع السياسي عن الرعاية كثيراً ما تشير الحكومات إلى "الأسرة" باعتبارها المؤسسة الطبيعية لرعاية المسنين، لكن هذه المؤسسة تنهار في إيران تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والهجرة الواسعة النطاق والتغيرات في نمط الحياة، وتكون النتيجة هي نقل واجبات الرعاية إلى السوق بشكل غير منظم، سوق لا يوجد به إطار قانوني لحماية الممرضات أو حتى كبار السن، وفي غياب دور رعاية المسنين ذات الجودة العالية وبأسعار معقولة للطبقات المتوسطة والدنيا، تُركت الرعاية للفئات الأكثر تهميشاً، إن نزع الصفة السياسية عن الرعاية الصحية يعني تسليم مسؤولية الحكومة إلى نساء تابعات لا صوت لهن، ويجب فهم هذا الوضع في حد ذاته ضمن سياسة أكبر، ألا وهي تسليع جميع مجالات الحياة الاجتماعية للمواطنين.
مطالبات بايجاد حلول للأزمات المتعددة في إيران
ولكي نتمكن من إيجاد سياسة عامة بديلة لحل هذه الأزمة المتعددة الأوجه، فإننا في حاجة إلى إعادة التفكير في عملية صنع السياسات الاجتماعية. قد تكون الاقتراحات التالية ممكنة لحل هذه المشكلة، من بينها التشريعات الخاصة بممرضات المنازل؛ أي تعريف مهنة التمريض المنزلي كمهنة رسمية لها شهادة عمل من وزارة العمل، وتشترط عقد رسمي وتأمين ومعاينات دورية، بالإضافة إلى الرقابة على شركات الوساطة، كإصدار تراخيص التشغيل فقط للشركات المعتمدة ومراقبة المبلغ الذي تحصل عليه عن كثب، وإنشاء صندوق رعاية على غرار التأمين ضد البطالة أو التقاعد، لتوفير الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية لمقدمي الرعاية المنزلية، ودعم سبل العيش للممرضات، أي دفع بدل السكن والدعم النفسي والتدريب على الرعاية للممرضات المنزليات، وكذلك إنشاء مراكز رعاية المسنين التي تديرها الحكومة، وبأسعار معقولة وعالية الجودة وخاضعة للمراقبة الدقيقة لتقليل عبء الرعاية على الأسر، توفير خدمات العلاج النفسي المجانية للممرضات العاملات في المنزل اللاتي يعانين من الاكتئاب والقلق والإرهاق النفسي بسبب الضغوط النفسية.
إن زيادة عدد كبار السن، ونمو البطالة، والتوسع غير المنظم في التمريض المنزلي، كلها وجوه للأزمة الاجتماعية في إيران اليوم، تتواجد ممرضات المنازل، هذا الجيش الصامت من الرعاية، في النقطة الأكثر هامشية في هيكل الرعاية الاجتماعية، لقد حان الوقت لكي يعترف صناع القرار بهذه الأزمة، بدلاً من تجاهلها، والبدء في صنع سياسات قائمة على الأخلاق والطبقية والعدالة. لأن المجتمع الذي لا يهتم بأفراده سوف ينهار عاجلاً أم آجلاً.