بازار منتجات نساء غزة يؤكد حفاظهن على الهوية الفلسطينية

أقيم البازار النسوي الأول بعد الحرب ليجسد صمود الفلسطينيات، حيث عرضت النساء منتجات تراثية وأعمالاً معاد تدويرها، مؤكّدات أن الهوية باقية وأن العمل والإبداع سبيلهن للنهوض من تحت الركام.

رفيف اسليم

غزة ـ عبرت مشاركات في بازار نسوي، من خلال 40 زاوية امتلأت بالمشغولات المطرزة، المأكولات التراثية، الأعمال المعاد تدويرها، ومنتجات التجميل، عن إرادة لا تنكسر، وعن رغبة في إعادة بناء الذات والمجتمع رغم الحصار وفقدان المواد الخام.

أطلق طاقم شؤون المرأة في قطاع غزة، أمس الأربعاء 10 كانون الأول/ديسمبر، البازار الأول لمنتجات النساء بعد الحرب، ليكون مساحة لدعم وتمكين النازحات اقتصادياً وتعزيز مشاريعهن الصغيرة التي تضررت بفعل الخسائر، وجاء الحدث تحت شعار "تحدينا.. فأنتجنا.. فأبدعنا معاً نقوى".

 

عنقاوات خرجت منتجاتهن من بين الركام

وأوضحت مديرة طاقم شؤون المرأة بيسان أبو جياب، أن البازار أقيم ليوصل رسالة مفادها أن النساء الفلسطينيات نجون من تحت الركام لينتجن أعمال فلسطينية بأيدي نسوية يحافظن من خلالها على التراث والهوية "هنا جاء دور المركز ليدعم تلك النساء ويأخذ بيدهن للنهوض كالعنقاء من جديد".

وأكدت على أن تنظيم المعرض في هذا التوقيت يحمل تحدياً خاصاً، إذ تسعى النساء من خلاله إلى إثبات عمق انتمائهن وتجذرهن في أرضهن، مؤكدات أن لا قوة قادرة على اقتلاعهن منها. لذلك جاءت معظم المنتجات المعروضة بطابع تراثي يعبّر عن رسالة الجدات، فيما استُخرجت مواد هذه الأعمال من تحت أنقاض المنازل ومن قلب المخيم، وسط ظروف معيشية ومناخية قاسية تحرم المرأة من أبسط حقوق الراحة، لكنها لم تمنعها من مواصلة العمل والإنتاج.

 

 

زوايا ركزت على الهوية الفلسطينية التراثية

وقد شمل المعرض 40 زاوية للنساء وجدن بها فرصة جديدة للحياة لهن ولعائلاتهن، مشددة على ضرورة إيجاد المزيد من مشاريع التمكين الاقتصادي الخاصة بالنساء وخاصة النازحات اللواتي عايشن ظروف القهر والتجويع والحصار المطبق الذي يمنع دخول أي مواد خام خاصة بإنتاج البضائع.

أشارت ياسمين المبيض إحدى المشاركات في المعرض، إلى أن حضورها اليوم يهدف إلى إحياء تراث الجدات، حيث كان فرن الطابون جزءاً أساسياً من حياتهن في الحقول، لا يُستغنى عنه في إعداد الأكلات التراثية مثل المسخن والمفتول، إضافة إلى خبز الصاج الذي عاد ليشكل حضوراً بارزاً في غزة خلال المجاعة الأخيرة، موضحة أن النساء قمن بإعادة إحياء هذا الموروث وتعليمه للفتيات والشابات، إذ ساعدت الظروف القاسية على خلق بيئة داعمة لإحياء هذا التقليد ونقله إلى الأجيال الجديدة.

ولفتت إلى أن "لكل بلدة ومدينة فلسطينية بصمتها الخاصة في المطبخ، حيث ارتبطت بعض المأكولات بالمناسبات السعيدة وأخرى بالأحزان، وهو الإرث الذي تحاول إسرائيل الاستحواذ عليه ونسبه لنفسها"، ولم يتوقف الأمر عند الطعام، بل امتد إلى تقليد أجواء الخيمة وبيت الشعر والغُرزة التراثية، غير أن المرأة الفلسطينية، بصفتها الحارسة الأمينة للتراث، تظل يقظة لهذه المحاولات، وتتصدى لها بإصرار من خلال حضورها القوي في جميع المناسبات الفلسطينية والمعارض المحلية والدولية، لتؤكد أن الهوية الثقافية باقية ومتجذرة.

 

 

إعادة التدوير هو الحل

وأكدت حياة أبو سعادة، انسجاماً مع ما ذكرته المشاركات الأخريات، على الدور الحيوي للمرأة في صون التراث وحمايته، موضحة أنها شاركت في المعرض بمنتجات أعادت تدويرها نتيجة انقطاع المواد الخام، رافضة أن تفوّت فرصة تجمع النساء.

وأضافت أنها أنجزت مجموعة من المشغولات اليدوية المطرزة، شملت الأوشحة والحقائب، إلى جانب مجسمات فنية تجسد معالم أثرية وتراثية بارزة مثل مسجد قبة الصخرة وغيرها، لتؤكد أن الإبداع يظل حاضراً رغم التحديات.

 

 

البازار جاء ليختبر إمكانيات النساء

وترى رغد سيف إحدى المشاركات، أن هذا البازار جاء ليختبر إمكانيات الفلسطينيات ومدى قدرتهن على المواصلة بعد الظروف الصعبة التي مررن بها، كما أنه يدعمهن اقتصادياً للخروج من المأساة التي تحاصرهن من كافة الاتجاهات، مشددة على أنها خطوة جيدة تعمل على سرعة تعافيهن نفسياً فالمرأة عندما تعمل يصبح لديها طاقة جيدة لمواصلة ضغوطات الحياة القادمة التي فرضها نمط المعيشة ما بعد الحرب.

ونوهت إلى أنه على غرارة العادة كانت الزوايا ومنتجاتها بالمعارض الخاصة بالنساء متنوعة أكثر مما كانت عليها قبل الحرب فجميع المواد الخام متوافرة وبكثرة والعملات النقدية ليست كما اليوم متهالكة فتؤخر بل وتحبط الكثير من عمليات البيع والشراء على حد سواء، لافتة إلى أن يد المرأة مقيدة لكنها تحاول من خلال إعادة التدوير وإمكانيات بسيطة تقديم منتج جميل وراق يحافظ على الهوية الفلسطينية.

 

 

استمرار العمل ضرورة لا رفاهية

آمنة الخروبي، تشير إلى أنها أحبت الأشغال اليدوية منذ الصغر خاصة الصوف على الرغم من حاجته للكثير من الوقت والجهد لكنها تحاول إنتاج بعض القطع متحدية الحصار، فهي تركض من مدينة لمدينة أو تفتش تحت ركام بيتها لتخرج بعض المواد الخام التي قد تستطيع من خلالها تقديم بعض المنتجات كالأوشحة وملابس الأطفال وغيرها جاهدة لدمج الماضي.

 

 

وقد شاركت إسراء الكحلوت، بزاوية خاصة بمنتجات التجميل الخاصة بالنساء، كي توصل رسالة أن النساء قويات ويستطعن الوقوف على أقدامهن من جديد بعد أي تجربة مؤلمة وحزينة من أجل عائلتهن وأطفالهن أولاً ومن ثم من أجل أنفسهن، مشيرةً إلى أن التحدي الأكبر كان في توفير المواد الخام التي تصلح للمنتج فهي لا تستطيع الاستهتار بما يتكون منه المنتج كونها تتعامل مع البشرة أكثر الأجزاء حساسية لدى الفتاة أو المرأة.

وأضافت أنها شعرت بالحرب موجه خصيصاً ضد النساء اللواتي أجبرن على ترك بيوتهن والعيش في خيام مهترئة تغرقها مياه الأمطار في كل منخفض جوي، لذلك كان قرارها واضح هو العودة للتحدي والعمل والحفاظ على الاسم الذي باتت تشتهر به، مؤكدة على شعورها بالفخر تجاه نفسها وكل امرأة استطاعت الوقوف على قدمها والمشاركة من جديد.

 

 

الحرب غيبت الكثير من المشاركات

رسمية العرجة إحدى الزائرات للمعرض، حضرت لدعم النساء ومنتجاتهن، وقد شعرت بسعادة غامرة عندما شاهدت فرحة النساء وطاقتهن للعمل، فالجذور الفلسطينية باقية ولا شيء استطاع محوها حتى الحرب التي استمرت لعامين، مضيفة أنها كانت تعلم من البداية قوة المرأة في محافظتها على التراث لذلك توقعت رؤية ذلك العمل الدؤوب والمنظم في البازار.

ولفتت إلى أن المعرض حمل لها مشاعر إيجابية وأخرى سلبية فقد تذكرت العديد من النساء المبدعات اللواتي قتلن خلال الحرب وتغيبن قسراً عن المعرض، كما تذكرت بيتها والمشغولات التراثية التي كانت تجمعها من المعارض وأصبحت اليوم تحت الركام، مبينة أن النساء يبدأن من الصفر ويعملن من العدم في ظل حاجتهن للحياة.