المؤامرة الدولية استهداف قائد أم محاولة لتهميش قضية شعب؟
أكدت الناشطة السياسية روناك مجيد أن اعتقال القائد أوجلان كان استهدافاً لإرادة الشعب الكردي بأكمله، والمؤامرة الدولية ضده تمثل وصمة عار تاريخية "نؤمن أن طريق السلام هو السبيل لتحريره، ولتوحيد الموقف الكردي وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط".

هيلين أحمد
السليمانية ـ على مدار 27 عاماً، لا تزال المؤامرة الدولية التي استهدفت قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان مستمرة، وهي مؤامرة وصفها بنفسه بقوله "أنا لست في قبضة تركيا، بل في قبضة منظومة دولية. لقد بدأت العملية من سوريا وانتهت في إمرالي، وكانت أكبر مؤامرة نفذها جهاز غلاديو التابع لحلف الناتو في التاريخ، وبداية لحرب عالمية ثالثة".
في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عام 1998، تم تنفيذ أول خطوة في هذه المؤامرة الكبرى التي استهدفت القائد أوجلان، والشعب الكردي، وحركته التحررية، وقد شاركت فيها الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف تدمير العراق وترسيخ هيمنتهما في الشرق الأوسط، ومن خلال هذه المؤامرة سعتا إلى إخضاع تركيا لسيطرتهما واستخدامها كأداة لتوسيع نفوذهما الإقليمي.
ومع تطور حركة حرية كردستان، استمرت المؤامرات ضد القائد أوجلان وضد المشروع التحرري الكردي، عبر تنسيق بين قوى دولية تشمل إسرائيل، الولايات المتحدة، الدولة التركية، وقوات الناتو، يعيش الشعب الكردي في شمال كردستان تحت وطأة الموت والتهميش، وقد تم تأسيس قيادة من أجل إعادة الحياة لهذا الشعب وسط واقع الإبادة، في مواجهة سياسة تهدف إلى إذلال الكرد وإنكار وجودهم، وتنفيذ مخططات لمحوهم من المنطقة.
اعتبرت الدول التركية أن القائد أوجلان يُشكل تهديداً وجودياً لها، ولهذا استمرت المؤامرة منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وأسفرت عن محاولات ممنهجة لمحو الهوية والثقافة واللغة الكردية في الشرق الأوسط، ضمن إطار مشروع قمعي واسع يستهدف وجود الكرد وحقوقهم الأساسية.
"ردّ الشعب الكردي بتضحيات جسدت إرادة جماعية لا تُقهر"
تحدثت الناشطة السياسية روناك مجيد عن المؤامرة الدولية التي استهدفت الشعب الكردي عام 1998، مشيرة إلى أن القوى المهيمنة في حلف الناتو تمثل تهديداً دائماً من خلال منظومة مستمرة من التربية والسيطرة الذاتية.
وأضافت أن "تأسيس قوة نسائية بقيادة القائد عبد الله أوجلان، وتكليفها بإدارة شؤون المرأة في المنطقة، كان خطوة استراتيجية، حيث استُخرج مفهوم حرية المرأة من الجنولوجيا "علم المرأة"، وقد شكّلت هذه التحولات الفكرية والتنظيمية دافعاً أساسياً لتنفيذ المؤامرة ضد الشعب الكردي وقائده".
وقالت إنه "بعد مغادرته سوريا توجه القائد أوجلان إلى عدة دول منها إيطاليا، روسيا، واليونان، لكنه لم يُقبل في أي منها، كما طلب اللجوء إلى هولندا، إلا أن طائرته بقيت تحلق لساعات طويلة في أجواء المنطقة دون إذن بالهبوط، نتيجة الضغوط السياسية، وفي نهاية المطاف، نُقل إلى كينيا، حيث تم اعتقاله بطريقة مدروسة، ليُسلّم لاحقاً إلى الاحتلال التركي، في عملية نفذتها قوى دولية متحالفة ضمن إطار المؤامرة".
وتابعت "بعد تنفيذ هذه العملية نُقل القائد أوجلان إلى جزيرة إيمرالي ذات المناخ القاسي والظروف المعيشية الصعبة، بهدف عزله تماماً، ورغم ذلك قال "كانوا يريدون أن تكون نتيجة سجني هي تسليمي إلى الدول المحتلة، أو دفعي نحو الانتحار، لكنني رفضت كل تلك المخططات، ومن خلال رسائلي حاكمت جميع الدول المتورطة في المؤامرة".
ولفتت إلى أنه بعد اعتقال القائد أوجلان، شهد العالم ولأول مرة انتفاضة جماهيرية كردية غير مسبوقة، حيث تحرك الشعب الكردي في جميع أنحاء كردستان، من الأطفال بعمر سبع سنوات إلى كبار السن في السبعين، في مظاهرات وفعاليات، ليُسمعوا صوتهم بقوة دفاعاً عن قائدهم "لقد جسّد الشعب الكردي من خلال تضحياته إرادة جماعية عالمية تطالب بحرية القائد أوجلان، مما شكّل دعماً شعبياً واسعاً له، ورسّخ مكانته كرمز وطني".
وذكرت أنه "داخل السجن، أطلق القائد أوجلان مشروعاً فكرياً يُعد بمثابة خارطة طريق جديدة للشعب الكردي، حيث قدّم رؤية استراتيجية تهدف إلى إخراج الكرد من حالة الإنكار والتهميش، وقيادتهم على مسار تحرري قائم على الفكر والفلسفة، هذا المشروع، الذي عُرف بـ "الضمانة التاريخية"، مكّن الشعب الكردي من تجاوز مرحلة الإبادة الثقافية، وأسس لنهج نضالي مستمر يستند إلى الوعي والكرامة".
وأكدت أنه من خلال هذا المسار، استطاع القائد أوجلان أن يضع أسساً جديدة لفهم القضية الكردية، وأن يقدّم نموذجاً فكرياً فريداً يُعزز من حضور الكرد في الساحة السياسية والثقافية، ويمنحهم أدوات المقاومة السلمية والتنظيم الديمقراطي، ليكونوا فاعلين في تقرير مصيرهم وبناء مستقبلهم.
"يواصل الشعب نضاله لكسر القيود المفروضة على قائده"
وأشارت روناك مجيد إلى أن القائد عبد الله أوجلان، إلى جانب رفاقه في السجن، يخوضون مقاومة فكرية وفلسفية عميقة، حيث يواصلون ترسيخ نهجهم التحرري المستند إلى فكره وفلسفته، ورغم استمرار اعتقال العديد من المنتمين إلى هذه الحركة، من زوجاتهم إلى أعضاء الإعلام، فإنهم يواصلون التأثير في المجتمع والبرلمان، ويحققون حضوراً لافتاً في الساحة السياسية.
وأضافت "رغم استمرار اعتقال القائد أوجلان والمؤامرات التي تستهدفه، فإن قضية "حق الأمل" تعود إلى الواجهة من جديد، فبعد أن تم تحويل الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد، بات من الضروري إعادة النظر فيه من خلال مبدأ "حق الأمل"، الذي يضمن إمكانية الإفراج في إطار قانوني وإنساني".
وأوضحت أن السلطات التركية، رغم التزاماتها القانونية، تواصل فرض عزلة قاسية على القائد أوجلان، وتمنع تطبيق حق الأمل، مما أدى إلى عزلة طويلة امتدت لسنوات، ومع ذلك، فإن الشعب الكردي، من خلال نضاله ومقاومته، يسعى لكسر هذه العزلة، ويواصل جهوده من أجل إعادة التواصل مع قائده، وتجاوز الحصار المفروض عليه.
"الدولة التركية تتخبط في مرحلة الانحدار السياسي"
وقالت روناك مجيد إن الدولة التركية تعيش اليوم في مرحلة الانحدار السياسي، حيث باتت تتنفس من هوامش الموت، تماماً كما هو حال العراق وسوريا وإيران من حيث الانسداد السياسي، وفي ظل هذا الواقع، تجد تركيا نفسها مضطرة للجوء إلى سياسة القائد عبد الله أوجلان، وتعيد طرح قضية السلام كخيار استراتيجي، بعدما أثبتت التجربة أن وجود مشروع للسلام في الشرق الأوسط هو السبيل الوحيد لكبح جماح الحروب والفوضى المجتمعية.
وأضافت "لقد دخلت إسرائيل مجدداً في قلب الصراعات، وتسعى من خلال تدخلاتها إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها، ولهذا تُعاد هندسة المسارات السياسية في المنطقة، أما تركيا، فرغم كل الحروب التي خاضتها ضد حزب العمال الكردستاني، لم تحقق أي نتائج ملموسة، بل تكبدت خسائر جسيمة على المستويين البشري والمادي، وانتهى بها الأمر إلى طريق مسدود سياسياً ودبلوماسياً".
وتتابع "من خلال الدولة العميقة التي يمثلها دولت بهجلي، تحاول تركيا اليوم أن تخرج من مأزقها عبر العودة إلى عملية السلام، لكن هذه العودة تتطلب تغييرات دستورية جوهرية، وهو ما لا ترغب به حكومة العدالة والتنمية وأردوغان، إلى جانب مجموعة من القوى السلطوية المحافظة التي لا تضع السلام ضمن أولوياتها، بل تستخدم ملفات أخرى لعرقلة تقدمه".
وأكدت أن القائد عبد الله أوجلان لا يزال مصراً على دفع قضية السلام إلى الأمام، من خلال الوفود التي تزوره وتستمع إلى رؤيته، ورغم وجود القضية، فإن الدولة التركية لم تتخذ حتى الآن أي خطوة جدية نحو العملية، بل تواصل استخدام مرتزقتها لمنع تطور إقليم شمال وشرق سوريا، وتستمر في شن الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في محاولة لإبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار.
وشددت الناشطة السياسية روناك مجيد على إدانة المؤامرة التي استهدفت القائد عبد الله أوجلان "نعتبر تلك المؤامرة وصمة عار تاريخية، فاعتقاله لم يكن استهدافاً لشخصه فحسب، بل كان اعتقالاً لقضية شعب بأكمله، واحتجازاً لإرادة الأمة الكردية، لقد نُفذت تلك المؤامرة في مواجهة مشروع تحرري، ولذلك فإننا نرفضها وندينها بكل وضوح".
وقالت في ختام حديثها "نأمل أن تكون عملية السلام بوابة نحو الحرية الجسدية لقائدنا، ليتمكن من إطلاق مشروع الاشتراكية الديمقراطية من داخل الكومين، بما يتيح للمجتمع الكردي أن يرى ذاته من جديد، ويعيد بناء كيانه على أسس العدالة والمساواة، ففي ظل إعادة تصميم خارطة الشرق الأوسط، فإن غياب الموقف الموحد للشعب الكردي سيؤدي إلى فرض اتفاقية لوزان جديدة عليه، لذلك فإن وحدة الصوت والموقف بين الكرد في جميع أجزاء كردستان باتت ضرورة تاريخية، فمواقفنا يجب أن تتوحد، كي نضع حداً نهائياً للمؤامرات التي تُحاك ضد شعبنا".