المؤامرة الدولية نقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط
لفتت المحامية سيدا يلديز إلى أن "حق الأمل" أصبح التزاماً قانونياً على تركيا، وأن ترسيخ العدالة وبناء منظومة قانونية ديمقراطية يُعد من الأهداف الجوهرية للعملية السياسية الجارية، والتحول القانوني يُعبّر عن ضرورة ملحّة فرضها الواقع والتزامات الدولة.

ساريا دنيز
مركز الأخبار ـ في ظل استمرار المرحلة التي أعقبت دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان، لا تزال طبيعة الخطوات المقبلة واتجاهها غير محسومة وتشكل محوراً للنقاش، ومن بين أبرز القضايا المطروحة في هذه الفترة، يبرز "حق الأمل" كموضوع أساسي.
في الذكرى السنوية للمؤامرة التي وقعت في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1998، يتلاقى تصور القائد أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي مع الجهود الرامية إلى تجاوز آثار تلك المؤامرة، وفي هذا السياق، يؤكد القانونيون والمدافعون عن حقوق الإنسان على ضرورة ترسيخ "حق الأمل" ضمن إطار قانوني واضح.
وقد تمثل قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن نظام تنفيذ عقوبة السجن المؤبد المشدد نقطة تحول مهمة، إذ تفتح الباب أمام مرحلة جديدة بالنسبة للمعتقلين السياسيين في تركيا، وتدفع باتجاه مراجعة السياسات العقابية بما يتماشى مع المعايير الحقوقية الدولية.
"سقطت المؤامرة في مهدها"
في حديثنا مع سيدا يلديز، عضو جمعية المحامين من أجل الحرية (ÖHD)، تناولنا قضية "حق الأمل" والتطورات الأخيرة المرتبطة بها، مشيرةً إلى خطورة المؤامرة الدولية التي استهدفت القائد أوجلان "شكلت نقطة تحول حاسمة بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط وتركيا، وأن التاسع من تشرين الأول يحمل أهمية بالغة لفهم ما جرى حتى اليوم، وما تم دفعه من أثمان في سبيل القضية".
وأوضحت أن "دعوة السلام والمجتمع ديمقراطي، وما تبعها من جهود لتجذير السلام في المجتمع، قد أفرغت تلك المؤامرة من مضمونها بالكامل، وفي ذكرى هذه المؤامرة، نجتمع لإسقاطها مجدداً، ونسعى لإيصال صوتنا إلى الجميع".
وشددت على أن جهود القائد أوجلان المستمرة منذ عقود لحل القضية الكردية بطريقة ديمقراطية لم تقتصر على إفشال المؤامرة، بل فتحت أيضاً آفاقاً جديدة وفرصاً كبيرة، ليس فقط لتركيا، بل للمنطقة بأسرها.
"ينبغي الشروع في تفعيل حق الأمل"
وعن أهمية "حق الأمل"، أشارت سيدا يلديز إلى أن هذا المفهوم بدأ يبرز بشكل متكرر خلال العام الأخير، خاصة بعد تصريحات دولت بهجلي التي أدخلت القضية إلى صلب النقاش العام في تركيا "في السابق، كان هذا الموضوع يُطرح بشكل أساسي من قبل الشعب الكردي، لكنه اليوم أصبح محل اهتمام واسع في الأوساط القانونية والسياسية".
وأوضحت أن "وكلاء السيد عبد الله أوجلان تقدموا بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، استناداً إلى أن الحكم الصادر بحقه يتعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وقد أصدرت المحكمة قراراً مهماً اعتبرت فيه أن نظام تنفيذ عقوبة السجن المؤبد المشدد تشكل انتهاكاً لحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية".
وتابعت "هذا القرار أكد أن حرمان الشخص من حقه في الأمل، أي من إمكانية الخروج من السجن يوماً ما والاندماج مجدداً في المجتمع، يُعد انتهاكاً صارخاً، ومن هنا، أصبح هذا المفهوم يُعرف باسم "حق الأمل"، وهو اليوم يشكل محوراً أساسياً في النقاشات الحقوقية المتعلقة بالمعتقلين السياسيين".
وأكدت أن "نظام تنفيذ العقوبات في تركيا قد تطور إلى درجة يُترك فيها السجناء السياسيون للموت الكامل، مشيرةً إلى أن هذا النظام يُعرف باسم "عقوبة السجن المؤبد المشدد".
وذكّرت بأن "تركيا طرف في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لقد حان الوقت لأن يُدرج موضوع حق الأمل على جدول الأعمال الرئيسي، وأن يُتخذ بشأنه خطوة عملية ملموسة، فهناك حقيقة قائمة أمامنا لا يمكن تجاهلها".
وأوضحت سيدا يلديز أن "حق الأمل" لا يقتصر على قضية القائد عبد الله أوجلان فحسب، بل يشمل أكثر من أربعة آلاف محكوم يخضعون لنظام السجن المؤبد المشدد في تركيا "إن أول قرار صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن هذا الحق كان متعلقاً بالسيد أوجلان، وتلاه قرارات أخرى مثل تلك الصادرة في قضايا أمين غوربان، جيفان بولتان، وحياتي كايتان، والتي تُعد نماذج مهمة في هذا السياق".
وشددت على أن "بناء مجتمع ديمقراطي يسوده السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء الممارسات المناهضة للديمقراطية، وصياغة عقد اجتماعي يضمن المساواة والحرية لجميع الأفراد والشعوب"، مؤكدةً أن "ذلك يتطلب إصلاحات قانونية شاملة، إلى جانب إنهاء كافة انتهاكات الحقوق، من أجل ترسيخ أسس العدالة والعيش المشترك".
"السيد أوجلان يتصدر موقع القيادة التفاوضية"
وعن الاجتماع الذي عُقد في البرلمان، أوضحت سيدا يلديز أن جمعية (ÖHD) أولت اهتماماً خاصاً لموضوع "حق الأمل"، مشيرةً إلى أن هذا الحق لا يزال غائباً عن التشريعات التركية، رغم إمكانية اتخاذ خطوات قانونية ملموسة لتفعيله بسهولة.
وأضافت "السيد أوجلان هو المفاوض الرئيسي في هذه العملية، فحين نتحدث عن نظام السجن المؤبد المشدد، فإننا نتحدث عن انتهاك صارخ لكرامة الإنسان، وهو ما يتعارض مع مبدأ حظر التعذيب، هذا النظام لا يتماشى بأي حال من الأحوال مع نماذج حل النزاعات المعترف بها دولياً".
وأكدت "السيد أوجلان لا يزال محتجزاً في ظروف عزلة تامة داخل سجن جزيرة، بعيداً عن المجتمع، ورغم أنه يمثل الطرف الأساسي في عملية التفاوض، وكان من المفترض أن يُستمع إليه داخل اللجنة المختصة، فإننا لا نزال نناقش تطبيق حق الأمل، وننتظر حتى الآن اتخاذ خطوة واحدة فقط نحو تفعيله".
"بلغ الأمر مرحلة الحسم"
وأكدت سيدا يلديز أن قضية "حق الأمل" لا تقتصر على القائد عبد الله أوجلان، بل تشمل أيضاً أكثر من أربعة آلاف سجين سياسي يخضعون لنظام السجن المؤبد المشدد في تركيا، مشيرة إلى أن المرحلة الحالية تفرض ضرورة تطبيق هذا الحق، وأن الواقع القانوني القائم بات يضغط باتجاه إيجاد أرضية تشريعية له.
كما لفتت الانتباه إلى المسيرات والفعاليات التي نُظمت دعماً لهذا المطلب، وأعادت التذكير بمشاركة جمعية (ÖHD) في اجتماع لجنة البرلمان، حيث تم التأكيد على ضرورة تقديم اقتراح رسمي بشأن "حق الأمل" ضمن أعمال اللجنة.
وأضافت "في القرار المؤقت الصادر عن لجنة وزراء مجلس أوروبا، عبّر ممثلو جمعيتنا عن ضرورة اتخاذ خطوة فعلية من قبل لجنة البرلمان التركية بشأن هذا الحق، وهذا يعني أن مجلس أوروبا ينتظر تحركاً واضحاً من البرلمان التركي، وهو ما يُعد ملزماً بشكل قاطع بالنسبة لتركيا".
"بدء مرحلة المعالجة القانونية"
وسلّطت سيدا يلديز الضوء على أهمية الإصلاحات القانونية التي يُنتظر أن تصدر عن لجنة البرلمان، مشيرة إلى أن اللقاء الأخير مع القائد عبد الله أوجلان تضمّن تأكيداً واضحاً على دخول مرحلة قانونية جديدة "في هذا اللقاء، شدد السيد أوجلان على ضرورة بناء قانون ديمقراطي، باعتباره أحد الأسس الجوهرية لدولة القانون، وأحد الأهداف المركزية للعملية الجارية".
وأضافت "بحسب ما جاء في بيان محاميه، فإن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال إلى مستوى الحل القانوني، خاصة بعد مرور قرن من السياسات التي تعرض فيها الشعب الكردي باستمرار لممارسات خارجة عن القانون، ولا يزال يعاني منها حتى اليوم، السيد أوجلان يؤكد أن جوهر ما نسعى لتجاوزه هو حالة انعدام القانون".
كما شددت على تمسك القائد أوجلان بمشروع "الأمة الديمقراطية" وإصراره على بناء حياة مشتركة، إلى جانب دعمه الكامل لمشروع "الجمهورية الديمقراطية".
واختتمت حديثها بالقول "في هذه المرحلة، التي يُعد فيها السيد أوجلان المفاوض الرئيسي وصاحب الدور الأهم، فإن تبني مقاربة قانونية مناسبة يُعد مسؤولية أساسية لكل من يؤمن بدعوة السلام والمجتمع الديمقراطي، ولكل من ساهم في هذا المسار وتحمل فيه دوراً فاعلاً".