السلام طريق إلى الحرية ـ 2
إن السلام الذي تسعى إليه النساء ليس معاهدة لإنهاء الحرب، بل بداية لعالم جديد تحل فيه الحرية والعدالة والمساواة محل الهيمنة والعنف.

أفزم فيان
مركز الأخبار ـ لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط حروباً وصراعات شديدة، ولكن في الوقت نفسه تمكنت المجتمعات من دعم نفسها بطرق مهدت الطريق لانتشار نظام الاتحاد الديمقراطي.
إن مناقشة كيفية تحقيق السلام لها أهمية كبيرة، من يستفيد من السلام ومن يعاني منه؟ يمكن لهذه الأسئلة أن تقدم صورة أكثر وضوحاً للوضع الحالي، فالحرب ليست مدمرة فحسب، بل إنها في كثير من الأحيان مصممة بطريقة أبوية وعنيفة تجعل من الصعب تحقيق الحرية والديمقراطية والمساواة، ولكن الأهم من ذلك هو كيف يمكن الحفاظ على إنجازات عصر المقاومة المسلحة في زمن السلم؟
ويعتبر دور المرأة في هذه العملية أساسياً، فكيف يمكنهم خلق النموذج الاجتماعي الذي يرغبون فيه دون أن يقعوا ضحية لتوازنات القوة السياسية؟ هل يمكن تحقيق السلام مع وجود المرأة في المقدمة؟ كيف يمكن إعطاء قيمة أكبر للنضال الإيديولوجي والجنساني؟ الأمر الأكثر أهمية هو أن نتعلم من تجاربنا ونبحث عن طريق لمستقبل أكثر استدامة وعدالة.
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة نجيبة قره داغ، عضوة أكاديمية الجنولوجيا، "إن هذه الحركة التي وصلت إلى مستوى النظام الكونفدرالي العام والنسائي في كل المجالات، تحتاج إلى استكمال المسيرة التي بدأت منذ عشرين عاماً على الأقل، والتي مُنعت للأسباب نفسها، ورغم أن الحركة لم تقتصر على هذا الخيار كضرورة وقائية، إلا أن الحرب تشكل جواً يؤثر على كافة مجالات الحياة الأخرى، إلى الحد الذي يحد من الفرص الأخرى لخدمة المجتمع، حيث قال القائد أوجلان "إن ما تم تحقيقه من خلال الحرب وصل إلى مرحلة يجب فيها نقله إلى أرض الفكر والسياسة الديمقراطية التي تتوافق مع روح السلام".
"ماذا يمكنني أن أفعل من أجل السلام وتنمية مجتمع ديمقراطي"
وأشارت نجيبة قره داغ إلى أن "لدى الكثيرين رأيٌ في هذه العملية، لكن الحديث عن هذه الحركة ينبغي أن يكون بقدر ما هو مُهمٌّ لي، إذا كان هناك نقدٌ ورأيٌ، فعلينا أن نسأل أيضاً عن الدور الذي ينبغي أن ألعبه، وكجزء من فلسفة الحركة في الحياة والنضال، كان القائد أوجلان يقول في كثير من الأحيان "إذا كانت هناك مشكلة، فاسأل نفسك أولاً، ثم من حولك، ثم عدوك"، و "إن المعيار الذي يجب أن نسأل أنفسنا عنه هو ما الذي يمكننا فعله من أجل السلام وتنمية مجتمع ديمقراطي".
وأضافت أن "هناك من يتحدث فقط عن الحل ونزع السلاح، عن قصد أو بغير قصد، مستبعداً كل النقاشات الأخرى حول الانتقال من ميدان النضال إلى ميدان نضال آخر تشكل بالفعل تحت تأثير حقبة الحرب الباردة، الاشتراكية الحقيقية".
وعن أسباب دعوة القائد أوجلان إلى مجتمع ديمقراطي، قالت نجيبة قره داغ إنه "منذ عام 1993 حاول فتح الطريق أمام السياسة الديمقراطية التي يشارك فيها المجتمع بأكمله في السياسة، وفي أعوام 1993، 1998، 2005، 2009 و2014، ورغم وقف إطلاق النار، تعرضت البلاد للهجوم والتدمير من خلال الإبادة السياسية والعمليات العسكرية، ومنذ عام 2014، يحاول القائد أوجلان إرساء تحول النظام من حربي إلى نظام ديمقراطي يرتكز على نموذج الحداثة الديمقراطية ويتطور على نموذج المجالس الشعبية والبلديات والأكاديميات والمجتمعات المحلية"، كما أن دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" أبطلت تماماً الذرائع التي استخدمت لجعل حركة التحرر الكردستانية إرهابية، حيث تمنح هذه العملية الأمم والنساء الفرصة لتطوير وتنظيم نظامهم الفيدرالي الديمقراطي الخاص في كافة المجالات، الذي يجب أن ينظم نفسه من الأسفل إلى الأعلى، ويملأ المحتوى، ويستعرض نقائص العشرين سنة الماضية، وينتقدها، ويتخذ خطوات لممارسة نموذج الحداثة الديمقراطية، الذي يعزز نموذج المجتمع الديمقراطي والحياة الحرة، وبالتالي التغلب على العقلية التي تتوقع دائماً من الدولة ولا ترى نفسها مسؤولة عن خلق نموذجها الديمقراطي الخاص، فالعقلية التي لا تربط احتلال الأرض والمجتمع بالعقلية الذكورية لا ترى حرية المرأة في تغيير العقلية الذكورية".
"وجود حركة التحرر الكردستانية منعت الاحتلال"
وعن تأثير رسالة القائد أوجلان في قضايا المنطقة، قالت نجيبة قره داغ، "الرسالة تشكل ضغطاً على حركة التحرر الكردستانية والدولة لاتخاذ خطوات للتغلب على التوازن الذي يمكن أن يكون خطيراً ومتكرراً بالنسبة للشعب الكردي والحركة التي لم تتخذ بعد خطوات مهمة للغاية في إقامة مجتمع ديمقراطي، ولكن الوضع المحلي والإقليمي والعالمي للشعب الكردي يخلق فرصة لرؤية المخاطر ووضعها جانباً وتحويل الفرص إلى نضال سياسي وديمقراطي، وإن تواجد حركة التحرر الكردستانية في جبال كردستان لمنع الاحتلال حققت هدفها وحولته إلى صراع دفاعي ذاتي بأدوات وأفكار وتنظيمات أخرى، وليس بالحرب المسلحة، بل بتنظيم المجتمع على أساس الدفاع عن النفس، مسلحاً كان أم غير مسلح، وقد طوّرت الحركة هذا الفهم وهذه الثقافة في المجتمع".
"حركة تحرير المرأة الكردستانية قوة جدية على المستوى العالمي"
وحول سياسات الدول الاستعمارية في الشرق الأوسط، قالت نجيبة قره داغ، "لطالما تحدث القائد أوجلان مراراً وتكراراً عن المؤامرات والانتهاكات التي تمارس على شعوب الشرق الأوسط وتصعيد الصراعات التي كانت دائماً على أجندة الدول المحتلة والقوى الاستعمارية في العالم، كما استخدموا التعدد الديني والتعدد اللوني ضد بعضهم البعض، وإن دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" سوف تضع نهاية لهذا الوضع المستمر منذ عقود، وأفضل مثال على ذلك يمكن أن نجده في الغرب، حيث حذر من أنه إذا لم تتوصل الشعوب إلى حل ديمقراطي يرتكز على السلام والتعايش فإن خمسين غزة سوف تحدث".
وأوضحت أنه "بطبيعة الحال، تم الكشف عن مؤامرات وسياسات وعقلية الدولة التركية خلال 52 عاماً. من عضوية الناتو إلى حماية مصالح النظام الدولي، استخدم كل فرصة ضد حركة التحرر الكردستانية، وبطبيعة الحال، فإنهم يعترفون بأنفسهم بأنهم أنفقوا تريليونات الدولارات على الحرب دون أية نتائج، واليوم، تعتبر حركة تحرير المرأة الكردستانية قوة جادة وتلهم الحركات الثورية والاجتماعية والبديلة".
"حركات تحرر ضحت بالقضايا الاجتماعية من أجل العملية السياسية"
وبحسب نجيبة قره داغ، فإن "نضال المرأة الكردية، الذي يشكل جوهر حركة التحرر الكردستانية، يكافح ضد الاحتلال والذكورة لسنوات طويلة، وعلى أساس أن الحل الوحيد للشرق الأوسط هو الاتحاد الديمقراطي وحل قضية المرأة باعتبارها قضية القرن، فإنها تقدم بياناً جديداً للنضال ومعايير الاشتراكية، ومن الواضح أن دور المرأة في السلام والمجتمع الديمقراطي هو دور محوري، في حين تم التضحية بالقضايا الاجتماعية في معظم حركات التحرر حول العالم من أجل العملية السياسية، إلا أن حركة التحرر الكردستانية لم تكرر نفس الخطأ، وبدلاً من ذلك، قامت بتطوير نظامها الخاص في جميع مجالات النضال، وقراءة المخاطر والفرص على حد سواء، وبناءً على ذلك قامت بتطوير أنشطتها ونظامها التعليمي وتنظيمها".
وأشارت إلى أن "القائد أوجلان ينتقد تجمع القوات في مكان يراه تهديداً للعملية الديمقراطية، لكن من المهم أن نعرف ما هو المطلوب للقضاء على هذا التهديد، وكيفية انتقاده، وكيفية التغلب عليه، فهي ليست عملية مرتبطة فقط بما يسمى بالحركة، بل من المهم أيضاً معرفة العقلية التي يتم توجيه الانتقادات إليها وكيفية التغلب على أوجه القصور فيها، وأن المشاركة المباشرة والجذرية العميقة في هذه العملية تفتح آفاق النظام الديمقراطي والتعايش المشترك، ففي الوضع الحالي الحلم ليس الحرية، بل ممارسة الحرية نفسها".
ولفتت نجيبة قره داغ إلى أنه "كانت هناك حروب وصراعات كثيرة في الشرق الأوسط، لكن المجتمع طور حمايته ونظامه بطريقة خلقت المزيد من الأرضية للاتحاد الديمقراطي، ومن المهم أن نركز المناقشات على نوع السلام الذي نريده ومن المستفيد من السلام؟ من سيتضرر من السلام؟ ويمكن تفسير ذلك بشكل أفضل من خلال حقيقة أن الحماية المشروعة ليست فقط ذات طابع ذكوري وعنيف، بل إن الحرب نفسها لها طابعها الذكوري والعنيف، ومن الصعب تحقيق الحرية والديمقراطية والمساواة في سياق الحرب هذا، ولكن الأهم من ذلك هو ما هي الأساليب والوسائل التي سيتم من خلالها حماية إنجازات الكفاح المسلح في فترة السلم؟ كيف يمكن للمرأة أن تطور نموذجها الاجتماعي دون أن تصبح ضحية لتوازنات القوة السياسية؟ ماذا يعني السلام بقيادة المرأة؟ كيف يمكن تعزيز النضال الأيديولوجي والعرقي؟ هذه بعض العناوين المهمة جداً لتكون المواضيع الرئيسية في المرحلة المقبلة، وإن تجارب الحركات النسائية في فترات ما بعد الصراع في أماكن مثل أيرلندا الشمالية وبلاد الباسك وكاتالونيا وأفريقيا والهند وكولومبيا وسريلانكا والعديد من الأماكن الأخرى ضد الاحتلال ودور المرأة في النضالات الاجتماعية هي تجارب غنية جداً يجب أن نتعلمها".