الشعب الكردي وعيد نوروز لوحة مرسومة بنيران النصر
عيد نوروز أو عيد النصر لم يخلوا من المجازر أو العراقيل الرامية لإطفاء شعلته المتقدمة منذ 2636، وبهذه المناسبة تؤكد نساء إقليم شمال وشرق سوريا على نضالهن المستمر في الحفاظ عليها.
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ نوروز أحد أقدم الأعياد المرتبطة بالقوميات في العالم، تحرص شعوب من خلفيات دينية وثقافية وعرقية مختلفة على إحياء طقوسه في كل عام للحفاظ على شعلة الحرية متقدة على الرغم من كل المجازر التي طالت هذه الشعوب.
حل عيد نوروز بعد عدة مجازر ارتكبت بحق الشعب الآري قبل 2636 عاماً في جغرافية ميزوبوتامية المعروفة بمنقطة هلال الخصيب، إذ كان الملك الظالم دهاك (ازدهاك) يقوم بقتل الأطفال الآريين ليصنع من أدمغتهم مراهم يعالج بها مرضه، ونتيجة لهذا الظلم انتقض كاوا الحداد عليه وتمكن من قتله وإنهاء الظلم، وليعلن عن نصره أضرم النيران على قمم الجبال، وبذلك قررت الشعوب الآرية اتخاذ ذاك اليوم عيداً لهم، وجاء تزامناً مع الانقلاب الربيعي المصادف لتاريخ 21 آذار/مارس، وأطلق عليه عيد نوروز ويعني اليوم الجديد، ومنذ ذلك اليوم يحتفل الكرد بهذا العيد في أجزاء كردستان الأربعة وفي أوروبا وأي مكان يتواجدون فيه.
إلا أنهم منعوا من الاحتفال به كونه عيد وطنياً لهم، وكان لكرد روج آفا بإقليم شمال وشرق سوريا حصتهم من الضغوطات والأحكام التعسفية من قبل حكومة دمشق في حقبة حكمها على المنطقة، حيث أكدت عدة نساء أنهن كن توقدن شعلة نوروز رغم جميع الضغوطات، وهذه الأحكام متواجدة وبشدة في المناطق التي تحتلها الدولة التركية من إقليم شمال وشرق سوريا في الوقت الحاضر، فخلال الأعوام الأخيرة ارتكبت العديد من الجرائم بحلول عيد نوروز.
مولدة حسن إحدى النساء اللواتي ناضلن من أجل القضية الكردية في تلك الحقبة، وقالت "كنا نشعل نيران عيد نوروز بشق الأنفس، كنا مراقبون من قبل حكومة دمشق التي حاولت منعنا من إحياء طقوس هذا العيد كونه يعتبر رمزاً للنصر وعيداً قومياً للشعب الكردي الذي يعتز بهذا اليوم لما له من إرث نضالي ونتاج تضحية ومقاومة تاريخية".
واستذكرت في سياق حديثها تفاصيل تنظيم فعاليات نوروز في ظل حكومة دمشق "كنا من النساء المبادرات في تنظيم الفعاليات وكانت عوائلنا تخاف تعرضنا للاعتقال التعسفي الذي تقوم بها حكومة دمشق آنذاك، ناهيك عن الحرب الخاصة التي كانت تمارس لزرع الخوف في قلوب الأهالي ومنعهم من المشاركة من خلال إشاعة الأخبار الكاذبة".
ولفتت إلى أن والدها كان من الأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال بسبب مشاركته بفعاليات نوروز "إرادتنا كانت تتغلب على كل مخاوفنا، فبإصرار وعزيمة كبيرين كنا نوقد شعلة نوروز في عشيته يوم الـ 21 من آذار ونعقد حلقات الدبك الممزوجة بالزغاريد".
وعن تحضيرات هذ اليوم قالت "كنا نجهز منصة الاحتفال بالأخشاب التي حملناها على أكتفانا، فقد كنا نخاف استخدام وسائل النقل حتى لا يفضح أمرنا، كنا نعمل بسرية تجنباً لأي اصطدام مع الحكومة، فجميع تجهيزاتنا وأعمالنا كانت سيراً على الأقدام لمسافات طويلة بين الأرياف وتلة مشت نور في كوباني سواء في الليل أو النهار"، مضيفةً "في إحدى المرات تعرض مكان الاحتفالية لتطويق أمني من قبل الشرطة التي حاولت منعنا من الاحتفال من خلال تدمير المنصة وما احضرناه ولكن إصرارانا في مواصلة احتفاليتنا جعلت محاولاتها تبوء بالفشل"، موضحةً "كان الكرد في مدينة منبج عندما يُمنعون من المشاركة في الاحتفالات التي تقام في كوباني كانوا يتوجهوا إلى مدينة حلب".
من جانبها قالت النازحة من مدينة سري كانيه/رأس العين آسيا حسين "بهذا اليوم تمتزج مشاعر الحزن والسعادة، فنحن سعداء بقدوم نوروز ولكن جاء العيد ونحن بعيدون عن أرضنا وذكرياتنا، هذا ما يثير مشاعر الحزن في قلوبنا، وأهنئ نساء سري كانيه المهجرات في الخيام بهذا العيد".
ولفتت إلى أنه "في كل آذار تُرتكب مجزرة بحق الشعب الكردي لإحباط معنوياته، فالانتفاضة التي شهدتها مدينة قامشلو جاءت في شهر آذار عام 2004، عقب مجزرة ارتكبتها حكومة دمشق بحق الشعب الكردي"، مضيفةً "يذكر أن مجزرة حلبجة والعملية التي نفذها مرتزقة داعش في بلدية قامشلو جميعها ارتكبت بحق الشعب الكردي في أجزائه الأربعة وخلال شهر آذار ولكن في سنوات مختلفة".
واستذكرت آسيا حسين عيد نوروز عام 1999 الذي جاء بعد اعتقال القائد عبد الله أوجلان "مع قدوم شهر آذار ترددت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق عدة مرات إلى منزلي ليحذرنا من الاحتفال بنوروز بعد حادثة اعتقل القائد أوجلان، لكن بصمودنا وإصرارنا احتفلنا وأوقدنا النيران فقائدنا لم يكن بيننا ولكن نهجه موجود في قلوبنا ووجداننا".
ولفتت "في عشية نوروز كانت حكومة دمشق عبر تجوالها بصهاريج المياه تحاول إطفاء نيران نوروز، ولكن إصرارنا أفشل محاولاتها فكلما كانت تطفئها في مكان كنا نوقدها في مكان آخر، ارتباطنا بهذا العيد قوي لأنه لم يأتي من سدى بل هو نتاج تضحيات عظيمة أنه عيد النصر والحرية، ولا يمكن لأي جهة أو حكومة أن تطفئ نار نوروز التي تجسد نضال كاوا الحداد ومظلوم دوغان اللذان رسما هذا اليوم بتضحياتهما".
وأضافت "أردوغان هو دهاك العصر، ولن ننسى الشبان الأربعة الذين قتلوا في عشية نوروز العام المنصرم في مدينة عفرين المحتلة على يد مرتزقة الدولة التركية، كان ذنبهم أنهم أوقدوا النيران للاحتفال بعيدهم، وهذه الجريمة تكررت هذا العام وبشهر آذار أيضاً راح ضحيتها الطفل أحمد معمو الذي قتل بكل وحشية أمام مرأى العالم، ولن نرضخ للظلم هذا ما أوصتنا به والدة أحمد معمو وأن ننتفض بوجه كل ظالم فسكوتنا عن حقنا هي الفسحة التي يستغلها الأعداء لمواصلة مجازرهم بحقنا".
وعن مكانة عيد نوروز بالنسبة للشعب الكردي قالت أمينة درويش "نحتفل بنوروز اليوم بكل طقوسنا وقوميتنا، وتتعالى أصواتنا وشعاراتنا الوطنية التي نرددها باللغة الكردية دون خوف، فقبل أكثر من 13 عاماً كنا نمنع من التحدث بها كما منعنا من ارتداء الزي الكردي الذي تمتزج فيه ألوان الربيع، لقد كنا نتعرض للمساءلة القانونية من قبل حكومة دمشق، إلا أننا كنا نراهن بأرواحنا بإصرار وتصميم في سبيل الاحتفال بهذا اليوم، لأننا شعب متعطش للحرية ومن أراد نيل الحرية لا ينظر لحجم التضحيات التي سيقدمها".
وأوضحت تحضيرات عيد نوروز "كنا نجهز أزيائنا الفلكلورية قبل شهر من بدء الاحتفال، نشارك بألوان الربيع التي كانت تتجسد في ملابسنا التراثية، وكنت موكلة بتأمين الحماية لموقع الاحتفال من التخريب، وأذهب قبل يوم مع عدد من الأصدقاء، ونبقى الليل بكامله نحمي المكان وكذلك نحتفل بنوروز".
وعن الأساليب التي كانت تتبعها حكومة دمشق لمنع الاحتفالية قالت أمينة درويش "كنا نتعرض لضغوطات كثيرة إلا أننا كنساء كنا نشارك بروح ومعنويات وشجاعة منقطعة النظير، على عكس الرجال الذين كانوا يحذرون من أي عملية اعتقال تقوم بها الحكومة، وهذا ما جعل من النساء رياديات في تنظيم احتفاليات نوروز".
وأضافت "عندما نقارن الظروف الحالية في ظل الإدارة الذاتية التي تسمح لكل مكون بممارسة طقوسه القومية والدينية دون أي ضغوط أو تدخل، نمتن لنضالنا الذي وضع حجر الأساس لثورتنا، فسابقاً كان يمنع الكرد من الاحتفال بينما الآن جميع المكونات تشاركنا في إيقاد شعلة نوروز التي باتت رمزاً تعتز به جميع المكونات".
وفي ختام حديثها قالت أمينة درويش "بدورنا كأمهات نسرد لأطفالنا التحديات التي كانت تعترضنا لنصل إلى يومنا هذا، ونعلمهم كيف يحافظون على هذه المكتسبات والاعتزاز بها لأنها كانت نتاج تضحية عظيمة شارك فيها الآلاف".