القائد أوجلان يطرح صيغة للتعايش بين الكرد وباقي شعوب المنطقة
حمل اللقاء الذي جمع القائد عبد الله أوجلان بعائلته، والذي يعد الخامس خلال عام؛ في طياته رسائل سياسية واجتماعية مهمة من بينها وضع القائد أوجلان وشروط احتجازه، ومواقف استراتيجية من قضايا داخلية وإقليمية، أبرزها الملف السوري والتنظيم المجتمعي.
مركز الأخبار ـ أجرى النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي (DEM) في أورفا بشمال كردستان، عمر أوجلان، زيارة إلى سجن إمرالي حيث التقى بالقائد عبد الله أوجلان، برفقة عدد من أفراد العائلة، بينهم فاطمة أوجلان التي شاركت في اللقاء لأول مرة منذ سنوات.
خلال اللقاء تحدث القائد أوجلان عن ذكريات طفولته وشبابه، وطلب من شقيقته فاطمة أوجلان أن تستعيد وتروي ذكرياتها أيضاً، بحسب ما أوضحه عمر أوجلان في تصريح له لوكالة ميزوبوتاميا، لافتاً إلى أن القائد أوجلان بدا أكثر حيوية وصحة مقارنة بالزيارات السابقة، حيث وصف حالته الجسدية بأنها جيدة ونشطة، وقال إن اللقاء الذي جرى في 31 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أظهر تحسناً ملحوظاً في وضعه.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، أكد عمر أوجلان أن العزلة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان لا تزال مستمرة من بعض الجهات، مشيراً إلى أنه لا يولي اهتماماً كبيراً لوضعه الشخصي، بل يركز على استمرارية المسار السياسي.
وانتقد عمر أوجلان تطبيق قوانين التنفيذ في سجن إمرالي، واصفاً إياها بأنها الأكثر تقييداً في القرن، وقال إن اللقاءات التي جرت تأتي في إطار عملية سياسية، وإن الوضع القانوني في إمرالي لا يتماشى مع المعايير المعمول بها في باقي السجون التركية، وأن العزلة لم تُرفع بالكامل رغم وجود بعض التخفيفات، مثل السماح بزيارات من قبل المحامين والعائلة، إلا أنها لا تزال غير كافية من وجهة نظرهم، مشدداً على أن الوضع يتطلب مراجعة قانونية وسياسية شاملة.
"يجب على الحكومة أن تهيئ الظروف"
ودعا عمر أوجلان، الحكومة التركية إلى تحسين وتغيير شروط وظروف احتجاز القائد عبد الله أوجلان في سجن إمرالي، مشدداً على ضرورة تهيئة بيئة مناسبة لتمكينه من أداء دوره كطرف رئيسي في القضية الكردية.
وفي تصريحاته، أشار إلى أن الدولة التركية تعلن سعيها لحل القضية الكردية، إلا أن ذلك يتطلب خطوات عملية تبدأ بتوفير شروط عمل مناسبة للقائد أوجلان، الذي يعد أحد أبرز الفاعلين في هذا الملف، مؤكداً أن الرأي العام يدرك أهمية دور القائد أوجلان في أي مسار سياسي لحل القضية، داعياً إلى موقف شعبي أكثر دعماً في هذا السياق.
كما لفت عمر أوجلان إلى أن القضية الكردية تمتد لأكثر من قرن، بينما يستمر نضال القائد عبد الله أوجلان منذ 52 عاماً، وهو ما يستوجب بحسب تعبيره اعتراف الدولة بهذه الحقيقة، منوهاً إلى أن استمرار الأزمة التاريخية بين الكرد والترك يتطلب إرادة سياسية ناضجة، تبدأ بتحسين ظروف الاحتجاز في إمرالي، ثم فتح المجال أمام القائد أوجلان للمساهمة في الحل عبر آليات وأساليب جديدة، معتبراً أن هذه الخطوات تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للشعب الكردي وحزبه.
وأكد على أن أي عملية سياسية مستقبلية تستوجب إعادة تقييم هذه القضية من جديد، وكشف أن القائد عبد الله أوجلان أُبلغ بقرار انسحاب مقاتلي حركة حرية كردستان، واعتبر أن هذه التطورات تمثل فرصة جديدة لتنظيم العمل السياسي، ونقل عن القائد أوجلان دعوته إلى تنظيم هذه المرحلة بمشاركة شعبية واسعة، من خلال التواصل المباشر مع المواطنين في المدن والقرى والأحياء، بهدف عرض النموذج السياسي المنشود أمام المجتمع.
كما أشار عمر أوجلان إلى أن القائد عبد الله أوجلان شدد خلال اللقاء على أهمية التنظيم المجتمعي، منتقداً تباطؤ الدولة التركية في اتخاذ الخطوات اللازمة مقابل تقدم الحركة السياسية الكردية. وأوضح أن القائد أوجلان يرى في التنظيم الجوهري والمجتمعي أساساً لأي عملية سياسية ناجحة، مؤكداً أن الفرص المتاحة اليوم أكبر بكثير من الماضي، وأن الشعب يمتلك القدرة على المشاركة الفاعلة في مختلف المجالات السياسية.
وأضاف أن حل القضية لا يمكن أن يتم عبر مؤسسة واحدة فقط، بل يتطلب مشاركة جماهيرية واسعة لبناء نظام مجتمعي فعّال يخدم الجميع.
"التطبيق أهم من الكلام"
ودعا عمر أوجلان إلى اتخاذ خطوات عملية وجادة لحل القضية الكردية، مشدداً على أهمية المبادرات الواقعية بعيداً عن الخطابات النظرية، مؤكداً أن القائد عبد الله أوجلان يرى أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا بين الأطراف المتحاربة، وأنه يحمل مبادرة كبيرة لإنهاء الصراع، داعياً الدولة التركية إلى التفاعل مع هذه المبادرة بجدية.
وفي سياق حديثه، أشار إلى أن القائد أوجلان يعتبر أن الشعب الكردي يمتلك إمكانيات ديمقراطية وحكمة لبناء نظام سياسي، ويولي أهمية كبيرة لوعي الشعب وتجربته، مؤكداً أن "التطبيق أهم من الكلام" في هذا المسار.
وحول مفهوم "الاندماج الديمقراطي"، أوضح عمر أوجلان أن القائد عبد الله أوجلان يطالب بأن تقبل الدولة المواطنين الكرد بهويتهم وثقافتهم وأفكارهم وانتمائهم، دون أن يُطلب منهم التخلي عن لغتهم أو معتقداتهم. وأضاف أن هذا المفهوم يجب أن يكون أساس انضمام الكرد إلى الجمهورية التركية، مشيراً إلى أن القيادة الكردية أحيت القضية من جديد وطرحت صيغة للتعايش بين الكرد وباقي شعوب المنطقة.
وفيما يتعلق بالملف السوري، نقل عمر أوجلان عن القائد عبد الله أوجلان دعوته إلى بناء نظام كردي في إقليم شمال وشرق سوريا يكون له تأثير في دمشق، مؤكداً أن هذا النظام يمكن أن يسهم في تحويل سوريا إلى دولة قابلة للحياة، كما شدد على ضرورة حل القضية السورية مع السوريين أنفسهم، داعياً تركيا إلى احترام سيادة سوريا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتواصل مع ممثلي قوات سوريا الديمقراطية لتحقيق الاستقرار.
وأكد أن القائد عبد الله أوجلان يرى أن السلام يجب أن يشمل الكرد في جميع الأجزاء الأربعة، داعياً تركيا إلى إنهاء تجاهلها للقضايا الكردية الداخلية، بما في ذلك اللغة والهوية، والعمل على مسار موحد للسلام.
وفي الشأن السياسي الداخلي، شدد عمر أوجلان على أهمية مشاركة حزب الشعب الجمهوري (CHP) في العملية السياسية، مؤكداً أن القضية الكردية لا تخص حزب العدالة والتنمية أو حزب الحركة القومية فقط، بل هي قضية وطنية تتطلب مشاركة جميع الأطراف. وأشار إلى وجود شخصيات ديمقراطية داخل حزب الشعب الجمهوري يمكنها المساهمة في إنهاء الصراع.
كما شدد على أن أحد أبرز مطالب القائد عبد الله أوجلان هو تشكيل لجنة داخل البرلمان التركي لبحث القضايا العالقة منذ أكثر من خمسين عاماً، بهدف بناء ثقافة ديمقراطية شاملة، وختم حديثه بالتأكيد على ضرورة أن تتخذ الدولة خطوات جدية، وتفتح المجال للحوار مع القائد أوجلان، وتبدأ عملية سياسية جديدة تشمل تجديد النظام واللغة والرؤية المستقبلية.