"النسوية الشعبية الثورية سلاح في مواجهة الإمبريالية والصهيونية" عنوان ندوة
أكدت المشاركات في ندوة، أن نضال المرأة هو معركة سياسية واجتماعية ضد الاحتلال والاستغلال، وترسّخ ضرورة التضامن النسوي لتحقيق العدالة والتحرر.

نغم كراجة
غزة ـ في أجواء مشحونة بالتحديات التي تواجه النساء في العالم العربي، نظّمت القمة العالمية للشعوب ندوة بعنوان "النسوية الشعبية الثورية سبيلنا لمناهضة الإمبريالية والصهيونية"، وذلك احتفاءً باليوم العالمي للمرأة الذي يُصادف الثامن من آذار.
تناولت ندوة التي نظمت، مساء أمس 22 آذار/مارس، قضايا المرأة في ظل الاحتلال والحروب والنظم الرأسمالية، وكيف يمكن للحركة النسوية أن تكون أداة تحرر سياسي واجتماعي واقتصادي.
المرأة الفلسطينية بين المقاومة والدمار
أكدت خولة عليان، عضو حزب الشعب الفلسطيني، على أن النساء الفلسطينيات يواجهن اليوم أشرس أشكال "العدوان الصهيوني الإمبريالي"، الذي لم يقتصر على القتل والتدمير بل امتد ليشمل التهجير القسري، الاعتقال، والاستهداف الممنهج بحق النساء والأطفال، مضيفةً "إن اليوم العالمي للمرأة ليس مجرد احتفالية، بل هو استذكار لنضالات النساء عبر القرون في سبيل العدالة والمساواة، ونحن كفلسطينيات نخوض هذه المعركة يومياً، حيث تُحرم آلاف النساء حول العالم من حقهن في رفع شعار واحد موحّد: وقف حرب الإبادة وفتح الممرات الإنسانية".
وأشارت إلى أن المشهد في فلسطين يمثل وصمة عار على جبين المنظومة الدولية، حيث تدفع النساء فاتورة الدم عن الجميع، وهنّ يُقتلن، يجرحن، يُهجرن، ويُعتقلن في ظل صمت عالمي مخزٍ، مؤكدة أن المظاهرات والاعتصامات التي تجتاح العالم في الثامن من آذار ليست سوى تجسيد لهذا التضامن مع النساء الفلسطينيات، ودليل على وعي متزايد بحجم الجرائم التي تُرتكب ضدهن.
وتطرّقت خولة عليان إلى التحديات التي تواجه الحركة النسوية الشعبية في ظل المنظومات القمعية، حيث أن الحلول الحكومية غالباً ما تكون مؤقتة وسطحية، بينما تعاني النساء من أزمات مركّبة، تتراوح بين صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية، وبين التحديات السياسية والاجتماعية الناجمة عن الاحتلال والاستعمار، داعية إلى ضرورة تصعيد الحراك النسوي الثوري من أجل أنظمة ديمقراطية وطنية تضمن تحرير المرأة، وتمهد الطريق لنظام أكثر عدلاً يوفر بيئة مواتية لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الاشتراكية.
النساء في مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني
من جهتها، سلطت سهير خضر، رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، الضوء على تداعيات الحرب المستمرة في غزة، قائلة "لقد عاد وضع النساء إلى نقطة الصفر مع اشتداد الهجمات الإسرائيلية الأسبوع الماضي، واليوم هنّ مجرّدات من أبسط مقومات الصمود. الإمبريالية الأمريكية والصهيونية ليست فقط قوى عالمية مهيمنة بل هي المحرّك الأساسي للأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، حيث أن الولايات المتحدة زرعت هذا الكيان في المنطقة لضمان استمرار سيطرتها وهيمنتها".
وأوضحت أن الولايات المتحدة لا تكتفي بتمويل إسرائيل ومدّه بالسلاح، بل تستخدم أدوات اقتصادية لترسيخ قبضتها على الدول العربية، من خلال سياسات النيوليبرالية التي تعمّق الفقر والبطالة، وتُضعف الخدمات الصحية والتعليمية، مما يؤدي إلى تزايد الضغوط على النساء، سواء في فلسطين أو في دول أخرى تخضع لسياسات الهيمنة الاقتصادية.
وأشارت إلى أن الإمبريالية لم تكتفِ بتأجيج النزاعات في فلسطين، بل قامت بدعم أطراف متصارعة في اليمن، ليبيا، سوريا، والعراق، وساهمت في تأجيج الحروب عبر تزويد الجماعات المسلحة بالأسلحة، مما أدى إلى إطالة أمد الصراعات وتفاقم المعاناة الإنسانية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على النساء اللواتي يجدن أنفسهنّ في صلب المعركة ضد الفقر، القمع، والاستغلال.
المرأة والثورة على الرأسمالية
أما إحسان فقيري، عضو الحزب الشيوعي السوداني، فقد ركزت على العلاقة بين الرأسمالية واضطهاد النساء، مشيرة إلى أن النظام الرأسمالي، رغم حديثه المتكرر عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يزال يُعامل قضية المرأة على أنها الحلقة الأخيرة في مشروع الحداثة.
وأضافت "لطالما كانت النساء جزءاً أصيلاً من الصراع السياسي والطبقي، لكن السؤال الجوهري هو: لماذا نحن النساء نقف ضد الرأسمالية؟ لأن هذا النظام لم يأتِ لتحريرنا، بل جاء ليُعيد تشكيل هيمنته علينا بطريقة أكثر دهاءً، من خلال العولمة التي فرضت علينا قيماً وسلوكيات جديدة، تخضع تماماً لمنطق السوق، وتفكك منظوماتنا الثقافية والاجتماعية".
وحذّرت من أن النظام الرأسمالي لا يستهدف فقط الاقتصاد، بل يعمل على إخضاع العقول، حيث تستخدم الشركات العابرة للقارات أدواتها الإعلامية والثقافية لتغيير أنماط الحياة، مما يُضعف القدرة على المقاومة والتنظيم الثوري.
القمع السياسي للنساء الناشطات
وتحدّثت الناشطة النسوية إيناس جبار عن العنف الممنهج الذي تتعرض له النساء الناشطات في الحراكات الشعبية، مستشهدة بالعراق كمثال صارخ على ذلك، وقالت إن "الأنظمة القمعية لا تستهدف الناشطات بشكل عشوائي، بل تعمل وفق خطط ممنهجة تستند إلى تصفية الأصوات المعارضة، سواء بالتهديد، الاغتيال، أو التشويه الإعلامي، نحن في العراق منذ 2003 واجهنا هذه الأنماط من القمع، وخصوصاً بعد انتفاضة 2019، التي سعت إلى تغيير النظام السياسي جذرياً، ولكنّنا واجهنا سياسات قمعية غير مسبوقة، تهدف إلى إرجاعنا قروناً إلى الوراء".
وأكدت أن النساء اللواتي يُطالبن بحقوقهن السياسية والاجتماعية يتعرضن للقمع المزدوج، حيث يُواجهن عنف الدولة من جهة، والعنف الاجتماعي من جهة أخرى، مما يجعل نضالهنّ أكثر صعوبة، لكنه في الوقت ذاته أكثر إلحاحاً.
الاشتراكية والنسوية... معركة واحدة
أما يانا سمراني، عضو الحزب الشيوعي اللبناني فقد ربطت بين النضال النسوي والمعركة ضد الرأسمالية والإمبريالية، مؤكدة أن النسوية لا يمكن أن تنفصل عن النضال ضد الهيمنة الطبقية والاستغلال الاقتصادي "لا يمكننا الحديث عن تحرير النساء دون الحديث عن تدمير المنظومة الرأسمالية التي كرّست اضطهادهن عبر العصور. نشهد موجات جديدة من المقاومة، علينا أن نعي أن النسوية والاشتراكية هما وجهان لنضال واحد، ولا يمكننا تحقيق المساواة دون تفكيك آليات الاستغلال الاقتصادي والسياسي التي تعمّق اضطهاد النساء".
وأضافت أن النضال النسوي اليوم يجب أن يكون شاملاً، لا يقتصر على المطالب الحقوقية فحسب، بل يمتد ليشمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى بناء مجتمع اشتراكي يضمن العدالة الحقيقية لجميع الفئات المهمّشة.
نحو أفق نضالي جديد
في ختام الجلسة، أجمع المشاركون على أن معركة النساء ضد الإمبريالية والصهيونية والرأسمالية لا تزال طويلة وشاقة، لكنها معركة لا مفر منها. فالنساء في فلسطين، لبنان، العراق، والسودان، وجميع الدول العربية، يقفن اليوم على خط المواجهة الأول، ويدفعن الثمن الأغلى في سبيل الحرية والعدالة.
وأكدت الجلسة على ضرورة وقف الحرب في غزة وفتح الممرات الإنسانية فوراً وضمان الحماية العاجلة للنساء والأطفال في فلسطين، مع محاسبة القوات الإسرائيلية قانونياً على جرائمه ضد النساء الفلسطينيات باعتبارها جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.
كما شددت على أهمية التصدي للإمبريالية الأمريكية التي تدعم الاحتلال والأنظمة القمعية في المنطقة، وتغذي النزاعات المسلحة التي تعمّق معاناة الشعوب، خاصة النساء. وفي هذا السياق، شددت المشاركات على ضرورة تعزيز الحراك النسوي الثوري وتوحيد الجهود لبناء حركة نسوية جذرية قادرة على تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي، ومواجهة النيوليبرالية والاستغلال الاقتصادي الذي يُكرّس الفقر والتهميش ويزيد من أعباء النساء في المجتمعات المستضعفة.
وأكدت المشاركات على أهمية تعزيز التضامن النسوي الدولي في مواجهة القمع والاستغلال الذي تعاني منه النساء في جميع أنحاء العالم، فمعركة المرأة ضد الإمبريالية والصهيونية والرأسمالية هي جزء لا يتجزأ من معركة تحرر الشعوب بأسرها، والنساء، وعلى رأسهن الفلسطينيات في طليعة هذا النضال المستمر من أجل الحرية والعدالة.