النساء المنسيات في المناطق الحدودية... الأمومة في ظل انعدام الرعاية
في الوقت الذي تتوسع فيه الخدمات الطبية المتقدمة في بعض المدن الإيرانية، لا تزال النساء في المناطق الحدودية مثل ثلاث باباجاني يلدن في غرف معدنية مؤقتة، ويقطعن مئات الكيلومترات لإجراء تحاليل بسيطة، ويفقدن حياتهن في طرق غير آمنة.

سوما كرمي
ثلاث باباجاني ـ بينما تقدم بعض المستشفيات الإيرانية خدمات طبية متطورة، تظل المناطق الفقيرة تعاني من نقص في المعدات، والأدوية، والكوادر الطبية المتخصصة، وهذا التفاوت في توزيع الخدمات، خصوصاً نقص الطبيبات المختصات، يعرض صحة النساء في القرى لتهديدات جدية.
الحرمان من الرعاية الصحية الأولية أدى إلى ارتفاع حالات العقم، وانتشار الأمراض المعدية، وتراجع في الصحة الجنسية، بل وحتى وفيات بين الأمهات والمواليد، بالإضافة إلى مشكلات الحمل، حيث يشكل انتشار سرطان الثدي مصدر قلق متزايد، فقد تم تسجيل حالات بين نساء دون سن الثلاثين، رغم الاعتقاد السائد بأن المرض يصيب من هن فوق هذا السن، ورغم ذلك، فإن إمكانية الوصول إلى الفحوصات والتجهيزات التشخيصية لا تزال محدودة جداً للنساء الريفيات.
إن العديد من حالات الوفاة خلال الحمل والولادة قابلة للوقاية؛ فالنزيف، ارتفاع ضغط الدم، والعدوى يمكن السيطرة عليها من خلال الرعاية المبكرة والتثقيف الصحي، إلا أن منظمة الصحة العالمية وصفت هذه الوفيات بأنها "غير مقبولة" مؤكدةً على ضرورة معالجة هذا التفاوت بسرعة.
"الحرمان الصحي في المناطق الكردية"
رغم التقدم الوطني في مجال الصحة، لا تزال المناطق الحدودية مثل شرق كردستان ومحافظات هورامان، منها ثلاث باباجاني، روانسر، وجوانرود، محرومة من الخدمات الطبية المناسبة، فضعف البنى التحتية، وقلة الأطباء، وبعد المسافات عن المراكز الصحية، يعرّض سكان هذه المناطق، خاصة في الأزمات، لخطر شديد.
يضم قضاء ثلاث باباجاني حوالي 40 ألف نسمة، ولا يوجد فيه سوى مستشفى ميداني مؤقت، لا يلبي حاجات السكان، كما أن الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 2017 دمّر ما تبقى من البنى التحتية، ولا تزال جهود إعادة الإعمار بطيئة وغير كافية.
وإن غياب التخصصات الطبية، خاصة في طب النساء والتوليد، عرّض الحوامل لمخاطر جسيمة وأجبرهن على السفر لمسافات طويلة لتلقي الرعاية الطبية، لذلك، فإن بناء مركز طبي مجهز وتوفير خدمات صحية متخصصة للنساء يُعدّ مطلباً عاجلاً وحيوياً لهذه المنطقة.
"الطريق غير الآمن والإهمال في معالجته"
تضطر النساء الحوامل في ثلاث باباجاني إلى قطع طريق طويل، خطير ومكلف، إلى مدينتي جوانرود أو كرماشان لإجراء الفحوصات الطبية الأساسية كاختبارات الدم والتصوير بالأمواج فوق الصوتية، فالطريق الجبلي المتعرج، الذي يخلو من الإشارات التحذيرية وحواف السلامة، يصبح شديد الخطورة خصوصاً في المواسم الباردة، وكان من المفترض أن يقلل نفق "سياه طاهر" من هذه المخاطر، لكنه لم يُفتتح بعد.
نقص وسائل النقل المناسبة وارتفاع التكاليف يحول دون متابعة كثير من النساء للرعاية الصحية خلال الحمل، مما يهدد حياة الأم والجنين، وهذا الطريق، الذي يبلغ طوله 145 كيلومتراً، يُعد من بين الأسوأ في محافظة كرماشان.
نساء بين الحياة والموت... ولادة في العزلة
عن تجربتها القاسية مع الحمل في منطقة تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية الصحية تقول زهرا بهرامي، شابة تبلغ من العمر 22 عاماً من ثلاث باباجاني، "إن هذه المدينة، رغم عدد سكانها الكبير، لا تضم حتى مستشفى واحداً، بل مركزاً صحياً صغيراً يحوي غرفة حديدية للولادة"، لافتةً إلى أنها تسببت لها منذ بداية حملها بالقلق والشعور بالاختناق، مشيرةً إلى أنه لإجراء الفحوصات أو التصوير، يجب السفر إلى جوانرود أو كرماشان، وهي كلفة لا تقدر كثير من النساء على تحملها.
وترى أن غياب الأطباء المتخصصين يمثل أزمة حقيقية "لا يوجد لدينا حتى طبيب متخصص واحد، وأصبحت الولادة مصدر رعب دائم للنساء هنا".
ولفتت إلى أن قلة قليلة فقط من النساء يلدن في تلك الغرف المؤقتة، وفي حالات طارئة فحسب، بينما تفضّل الأغلبية قطع مسافة 140 كيلومتراً إلى كرماشان، رغم الخوف والتكلفة الباهظة، فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، هن وأطفالهن.
شيرين محمدي: أنجبت طفلتي في فقر مدقع وفقدتها في فقر مدقع
عبرت شيرين محمدي، امرأة من سكان ثلاث باباجاني، عن ألم فقدان ابنتها ذات الثلاث سنوات بسبب الحمى الشديدة، بعد تدهور حالة الطفلة وفشل العلاجات الأولية، أوصى الأطباء المحليون، نظراً لافتقارهم للمعدات، بنقلها العاجل إلى كرماشان، وفي الطريق كانت الطفلة تتلوى من الألم وجسدها مليء بالبثور، فاحتمت بحضن والدتها، لكنهم وصلوا متأخرين، وأعلن الأطباء في المستشفى أنها وصلت في وقت متأخر، وبعد ستة أيام من الغيبوبة، توفيت الطفلة.
وتحدثت شيرين محمدي بألم عما عانته "أنجبت ابنتي في غرفة معدنية، ونفس ذلك الفقر في الإمكانيات أخذ حياتها، لا أعلم ألوم من! الأطباء من دون معدات، أم المسؤولين غير المبالين؟ ثلاث باباجاني منسية؛ لا أحد يسمع صوت معاناة الناس هنا".