الحرب لا تنتهي بصمت المدافع بل تبدأ في أعماق الناجين

قالت رهف إبراهيم، من سكان ناحية زركان في مقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، إن ما بعد الحرب لا يعني النهاية، بل بداية لمعاناة أخرى، مؤكدةً أن العودة إلى ديارها ينبغي أن تسبقها رحلة علاج نفسي لمواجهة آثار الحرب.

سوركل شيخو

زركان ـ خلّفت هجمات جبهة النصرة وداعش والاحتلال التركي ومرتزقته على إقليم شمال وشرق سوريا في السنوات الأخيرة جراحاً عميقة في نفوس النساء والأطفال الذين يعدون أكثر فئة تعاني من ويلات الحرب.

بعد كل هجوم يستهدف البنية التحتية للمنطقة وقتل المدنيين وقصف الأماكن العامة كالمستشفيات والمدارس وغيرها، تبدأ مرحلة حلّ جديدة بعيداً عن الصراع العسكري وهي مرحلة السلام، هناك ما هو أهم من ذلك، لا ينتبه إليه الجميع ولا يُعيرونه أهمية، وهو الآثار النفسية الشديدة التي تُخلّفها الحرب على نفسية الصغير والكبير.

 

تُسبب الحرب أمراضاً نفسية وعقلية بالغة

بعد أن يُغلق باب جحيم الحرب، يُفتح باب جحيم صامت وعميق لمن يعيشون في خضم الحرب وينجون منها، هؤلاء الناس، الذين اختبئوا في الزوايا خوفاً من قصف الطائرات، يحملون جروحاً عميقة في نفوسهم وأجسادهم وأرواحهم لا تُنسى أو تُمحى بسهولة.

وأي لحظة، تترك ذكرى دوي القنابل والصواريخ، ومشاهد قصف المدفعية وأشلاء الأجساد المتناثرة، وهذه الصدمات المؤلمة تبقى أثارها محفورة في ذاكرة ومخيلة الناجين، مما يجعل آثارها النفسية أعمق وأطول أمداً، ويُشوّش هذا التأثير تفاصيل حياتهم اليومية.

لذلك، يعاني الناجون من الحرب من اضطرابات نفسية وعقلية، كالاكتئاب والقلق واضطرابات التوتر، لذا، فإن الأعراض النفسية التي تتداخل مع أعراض أخرى وتؤثر على الناجين، كنوبات الهلع والخوف والاكتئاب والقلق، قد تؤدي إلى أفكار وميول للانتحار.

ففي ناحية زركان بمقاطعة الجزيرة، وخلال خمس سنوات من هجمات الاحتلال التركي سقط العديد من الضحايا بينهم نساء وأطفال ورجال، إلا أن من شهدوا هذه المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان لم ينسوا تلك اللحظات الوحشية التي أصبحت سبباً في انتشار الأمراض النفسية.

 

"تدهور الحالة النفسية للأطفال"

وعن جرائم الاحتلال التركي وما هو محفور في ذاكرتها، قالت رهف إبراهيم من قرية مشيرفة، إن قريتهم كانت في مرمى النيران بشكل يومي "لم يقتصر الهجوم والحرب التي دارت على البنية التحتية للمنطقة فحسب، بل أثرت أيضاً على النساء والأطفال والمجتمع بأكمله، بينما كان جيراننا وأصدقاؤنا يزورون زوجي الذي خضع لعملية جراحية، قُصفت القرية المقابلة لنا، لذلك حاول شقيق زوجي إبعاد سيارته من أمام المنزل كيلا تصيبها الشظايا، إلا أن الطائرات قد قصفته، ولم نعد نرى شيئاً بسبب الدخان، نظرتُ إلى ابني الصغير، كانت هناك شظية في ظهره وثلاث شظايا في رأسه وكانت الدماء تسيل من كل مكان، كما فارق طفلان الحياة بسبب الشظايا، كما أصيت يدي، كان يوماً أليماً للغاية خيم فيه الخوف على الأطفال والنساء والرجال".

وأوضحت أن الهجمات والمجازر التي نفذها الاحتلال التركي تركت آثارها على الأطفال "إذا ما سمعوا صوتاً قوياً يضعون أيديهم على آذانهم ويركضون ويختبئون في غرفهم، يظنون إنه سيكون هناك قصف آخر، لقد أثرت هذه الحرب على النساء أيضاً وأثقلت كاهلهن وأثرت على جوانب عديدة من حياتهن".

وأضافت "الشظايا التي أصابت طفلي أثرت على حالته النفسية، لقد أصبح خائفاً ومكتئباً وغاضباً جداً، لذلك نتواصل ونتعامل معه بحذر، ونحاول ألا نزعجه، لأن الصدمة التي مر بها تركته وحيداً في عالمه الخاص، الآن، لم يعد يرغب في اللعب مع الأطفال في الشارع، بل يقوم بضربهم ويهرب، لقد تغير أسلوب لعبه كثيراً، وأصبح يفضل العزلة، لذلك، يحتاج هؤلاء الأطفال إلى الرعاية والدعم الدائم".

 

"آثار القصف موجودة في كل مكان في القرية"

حثت رهف إبراهيم النازحين العائدين على الخضوع لعلاج نفسي هم وأطفالهم "لا تنسوا أنه بقدر أهمية إعادة بناء المنازل المدمرة، عليكم الاهتمام ومعالجة صحتكم وصحة أطفالكم النفسية، فهم يتذكرون الهجمات دائماً، مهما حاولنا جاهدين أن نجعلهم ينسونها لكن ذلك لن ينجح، فآثار القصف والقذائف في كل مكان".

ولفتت إلى أن "الأطفال يتذكرون تلك الأيام، ويعرفون من جُرح ومن دُمر منزله، في مثل هذه السن الصغيرة أصبح أطفالنا يعرفون ما هي الصواريخ، وكيف يتم القصف بالطائرات، ويستطيعون التمييز بين صوت قصف الطائرات وصوت قذائف المدفعية، لذلك توقف الأطفال عن اللعب في الشارع خوفاً من القصف، وأصبحوا يكتفون بالبقاء في فناء منازلهم مما زاد من تدهور حالتهم النفسية أكثر ومنعهم من تطوير مهاراتهم".

 

"الطريق يكمن في معالجة المشاكل النفسية"

وأكدت رهف إبراهيم أن الحياة السليمة بعيداً عن الحرب هي أمل جميع الشعوب "هناك حاجة إلى افتتاح مراكز للصحة النفسية، إلى جانب ذلك، يجب أن تكون هناك حدائق حيث يمكن للأطفال التخلص من طاقاتهم السلبية والحصول على الطاقة الإيجابية والتخلص من ذكريات الحرب العالقة في أذهانهم، هذا العلاج ليس للأطفال فقط بل للنساء أيضاً"، مضيفةً أنه "عندما تتحسن الصحة النفسية للمرء، سيتخذ خطوة جديدة نحو تطوير وبناء المجتمع، لأن المجتمع السليم والمنظم ممكن مع صحة نفسية جيدة، الأمر صعب علينا، لكننا واثقون من أننا سنتجاوزه".

وختمت حديثها بتوجيه رسالة، حيث قالت فيها "إلى أردوغان الفاشي، كفى حرباً، دع الناس يعيشون بسلام وطمأنينة".

 

لقد شهدت الهجمات والمجازر منذ أن كانت في الخامسة من عمرها

أوضحت رتاج عبد الباسط البالغة من العمر عشر سنوات، والتي شهدت الهجمات والمجازر منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، بعضاً من جرائم وذكريات الحرب "في أحد الأيام في الساعة الثالثة فجراً حدث قصف، أصابت القذيفة منزل عمي، فقتلت كل من كان نائماً في فناء المنزل".

وأضافت "كما أتذكر أنه في يومٍ ما كنت ألعب مع أخواتي تحت ظل شجرة وحدث قصف آخر، وسقطت شظايا القذائف علينا ولم نعرف كيف ننقذ أنفسنا، حتى جاء ابن عمي وساعدنا، أصيبت إحدى صديقاتي بشظية في يدها ولم تستطع تحريكها بعد ذلك، وفي اليوم التالي عندما كانت تعود إلى المنزل حدث هجوم آخر وقُتلت".

وعبرت رتاج عبد الباسط عن خوفها بالقول "كنت أنا وأخواتي الأربع صغاراً جداً وكنا خائفين للغاية، لطالما تخيلت أن قذيفة ستصيبني وأموت أنا أيضاً مثل أقاربي وأصدقائي الذين قُتلوا، أريد أن يعود الجميع إلى القرية وأن نلعب معاً كما في السابق".