المرأة التي تضررت من الحرب هي أقوى النساء
تقول مستورة عازار التي شهدت الحرب العراقية الإيرانية أن "الحرب جعلتنا أكثر قوة لكي نقوم بعمل أفضل في المواقف الصعبة، فالمرأة التي مزقتها الحرب هي الأقوى وفي نفس الوقت الأكثر تضرراً".
أميرة محمدي
سنه - على مر التاريخ، لم تكن المرأة تريد الحرب، ولكن فُرضت عليها كل أنواع الحروب، إحداها الحرب الإيرانية العراقية، والآن فرضت الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وفي مذكرات النساء اللاتي شهدن الحرب نرى دور المرأة في تحمل المسؤولية، والشجاعة في مواجهة القوات العسكرية، ودعم ومساعدة الأسرة وغير ذلك.
تسترجع مستورة عازار ذكرياتها وهي تبكي، وتقول عن تلك الفترة "أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كنا في قرية قريبة من الحدود تسمى برار عزيز، إحدى مناطق مدينة قصر شيرين، وكانت قريتنا مفصولة عن العراق بنهر، كنا في أقرب مكان للحرب، وفي العام الذي بدأت فيه الحرب الإيرانية العراقية، كنا نتعرض للهجوم كل ليلة، وكان ناقوس الخطر يدق كل ليلة".
وأضافت "غادر العديد من القرويين، ولكننا وبعض أفراد العائلة فضلنا البقاء، ولكن عندما قُتل ثلاثة قرويين أمام أعيننا، قررنا أيضاً مغادرة القرية والذهاب إلى قصر شيرين، واستقرينا هناك لمدة شهرين، وكانت الظروف أكثر هدوءً، وأحضرنا أنا وأخي المواشي التي كانت لدينا في برار عزيز لكن الهجمات بدأت أيضاً، ولم يمضي وقت طويل قبل أن نرى طائرة هليكوبتر عراقية تحلق فوقنا".
وتكمل "عندما هبطت المروحية، كان الناس يرتجفون من الخوف، وفي لحظة ما، واجهنا صورة مذهلة عندما نزلت ثلاث نساء من المروحية وجمعن كل الناس حولهن وطلبن منهم الهدوء وألا يقلقوا، وقلن سنذهب ونتحدث مع الجانب العراقي ونقنعه بعدم القيام بأي شيء ضدكم، وفعلاً توجهن نحوهم، ولكن عندما عُدن ليخبرن الناس أن حياتهم آمنة وأنه لا داعي للقلق بشأن أي شيء، بدأ القصف وهدمت جميع المنازل وسوت بالأرض".
وبينت أنه "ذهبنا إلى قبو أحد المنازل واحتمينا هناك، ومع حلول الظلام، حملنا كبار السن والأطفال، وكنت أحمل أيضاً جدي وجدتي حتى عبرنا القرية ووصلنا إلى نهر الوند، وقضينا بضع ساعات بقرب النهر، كنا نسير من السابعة مساءً حتى السادسة صباحاً دون أي استراحة بسبب الظروف السيئة للغاية التي كنا نعيشها، ونظراً لعدم قدرة الأطفال وكبار السن على السير، اضطررنا لحملهم وبعد ساعات وصلنا إلى داود، من ثم إلى مقبرة شهداء اليرساني ومقام اليرساني بالقرب من سربول زهاب إحدى مدن محافظة كرماشان شرق كردستان".
بدت مستورة عازار وكأنها تعيش تلك الذكريات مرة أخرى فقسمات وجهها تبين ذلك عندما قالت "نزح الناس من أماكن أخرى كثيرة، كانت الظروف سيئة للغاية لدرجة أنه لم يعد هناك من يهتم، وفقدت الأمهات أطفالهن، وانفصلت العائلات عن بعضها البعض. أتذكر رجلاً عجوزاً تم تركه لأن عائلته لم تتمكن من أخذه معها، بعد أيام قليلة لم يجدوا سوى عظامه لأن الكلب أكله".
أما عن وضع النساء فأشارت إلى أنه "كان بيننا حوامل يلدن في ظروف خطيرة وبدون مرافق صحية في الصحاري وفي الطريق، نسيت أن أقول إننا عندما خرجنا من قرية قصر شيرين كنا بلا أحذية ولا ملابس مناسبة، وقطعنا كل الطريق بلا أحذية ولا شيء نأكله، وتسللت عائدة إلى المنزل دون علم والدتي، ووضعت الخبز الذي أعدته أمي في صباح الهجوم إضافةً لسبعة أو ثمانية أزواج من الأحذية بتنورتي وأسرعت للوصول إلى عائلتي، وقد نجوت في طريق عودتي عدة مرات من القصف وتمكنت من الوصول إلى عائلتي وتناولنا الطعام، وأطعمنا الآخرين لفترة قصيرة بنفس الخبز الجاف".
وأردفت "استقل الناس السيارات دون أن يجتمع أفراد الأسرة معاً لأننا جميعاً متفرقون، حتى وصلنا إلى كرند، وكنا نجتمع جميعاً هناك وتلتقي العائلات ببعضها البعض ونرى سيارات مليئة بالجثث ونحن في طريقنا، وهناك سيارات بدون سائقين لأنهم قتلوا خلف عجلة القيادة، وقد تركت إمدادات الإغاثة والمواد الغذائية هناك، وقُتل الكثيرون بالرصاص أمام أعيننا والنساء والأطفال من رؤية مثل هذه المشاهد أغمي عليهم".
وأضافت مستورة عازار "كنا سبعة أطفال، بنتان وخمسة صبيان، وبعد أن هدأ الوضع قليلاً، عاد أخي إلى منزلنا لإحضار الطعام أو المواد اللازمة، لكن لم يبقى شيء، وبالإضافة إلى أن المنزل بقي تحت الأنقاض، فقد نهبوا كل شيء، وضاعت المواشي التي كانت لدينا تحت الأنقاض، ولم يتبق سوى خروف واحد أحضره أخي إلى مدينة كرند في مقاطعة كرماشان كان الوضع أفضل بالنسبة لنا لأننا كنا في القرية وكان بإمكاننا الهروب، لكن الوضع كان أسوأ بكثير في قصر شيرين فقد قُتل الكثير من الناس ولم يتم إنقاذهم، دخلت القوات العراقية إلى هناك مباشرة وأوضح الناس هناك فيما بعد أنه ليس لدينا طريقة للهروب، ومع كل المناشدات ورغبات بعض النساء والأطفال، غادرت القوات بسياراتها بشكل فضيع، وقُتل الكثير من المدنيين، وبعد الحرب كان علينا أن نبدأ من الصفر لأنه لم يبق لدينا شيء".
وترى مستورة عازار التي انهكتها الحرب أنه "بشكل عام، أستطيع أن أقول إن الحرب لم تنتهي بالنسبة لنا أبداً. كلما أتذكر تلك الأيام، تعود كل تلك اللحظات إلى ذهني، أتذكر أخي الذي فقد ساقه في انفجار لغم لأن الأراضي مزروعة بالألغام والناس لا يعلمون بذلك، أتذكر كل الأحداث التي أخبرتكم بجزء منها فقط... يجب أن أقول إن الحرب جعلتنا أكثر قوة لكي نقوم بعمل أفضل في المواقف الصعبة، فالمرأة التي مزقتها الحرب هي الأقوى وفي نفس الوقت الأكثر تضرراً، يلاحقنا الخوف من الخسارة وانعدام الأمن والكوابيس وما إلى ذلك، كلها تداعيات لحرب لم يكن لنا أي دور فيها، ولهذا السبب، لا أتمنى الحرب أبداً في بلدي وأريد أن يعيش أطفالنا بسلام وألا يشهدوا الحرب".
إن ذكرى قرية راجان تعود إلى جيل لم يختبر الحرب ويتوقع التغيير ليس بالحرب، بل من النضال. تخبرنا الناشطة النسوية خاطرة محمدي أنه لم يتم تلبية مطالب النساء بالحرب في أي ركن من أركان التاريخ، وربما تم إرجاع نضالاتهن وجهودهن طويلة الأمد بسبب الحرب "هنا يمكن أن نرى مطالب وحقوق المرأة منذ بداية ثورة 1957 من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تم دهسها بحجة الحرب العراقية الإيرانية ولم يتم تقديرها حتى الآن، هذه الحروب ليست حرب شعب، بل حرب حكومات وانتهت وفق مصالح الأقوياء".
وأكدت أن الحرب المفروضة التي بدأتها إيران مع إسرائيل ليست في مصلحة الشعب أو رغبته لأنها لا تحقق مطالبه، وربما يضطر الشعب إلى العودة سنوات إلى الوراء لاستعادة القيم التي قاتل من أجلها "كامرأة ناشطة في الحركة النسوية ومؤيدة لها، لا أستطيع أن أخفض مطالبي إلى مستوى الحرب التي تؤدي إلى الدمار، فالحرب هي حرب، سواء كانت كلاسيكية أو حديثة، ساخنة أو باردة، وهي لا تحقق أي ميزة للمرأة أبداً، والضرر النفسي والجسدي الذي تعيشه النساء في الحرب سيستمر لسنوات".
وشددت على أن "حربنا الحقيقية هي مع سلطة حرمت الناس من الحياة وهي قاتلة للملايين من الذين يتنفسون وحدهم بلا أمل، ولقد بدأت السلطات الإيرانية الحرب الكبرى منذ زمن طويل، الحرب ضد شعبها... أمنيتي الوحيدة هي أن نتمكن من إسقاط النظام الحاكم دون حرب وسفك دماء، ورغم أنه لا يمكن إشعال ثورة دون دفع الثمن، إلا أننا في الحركة النسوية دفعنا ثمن الحياة والحرية بدماء شبابنا، والآن نريد إسقاط البنية الأيديولوجية للنظام الإيراني، ولكن ليس بالحرب".
وانتقدت التساهل من قبل الشعب في مسألة الحرب وأخذها كمزحة "في هذا الوقت الذي تكون فيه الحرب ساخنة، يفاجئني شيء واحد فقط، وهو رد فعل الناس على ذلك فليس لديهم خوف بل اعتبروا الحرب مزحة، إنهم ينظرون إلى الأمر وكأنه ليس لديهم ما يخسرونه"، متسائلةً "ماذا فعلت السلطات الإيرانية لهؤلاء الناس حتى لا يخافوا من الحدث الأكثر رعباً؟".
ولفتت إلى أنه "ليس لدي تجربة مع الحرب، لكني سمعت من والدتي ونساء عائلتي ما سيحدث في الحرب، لقد سمعت مرات عديدة عن الحرب العراقية الإيرانية، وعن الأشخاص الذين أجبروا على النزوح، بما في ذلك النساء والأطفال الذين يعيشون في أسوأ الظروف، كوني من جيل جديد، لا أفهم ذلك، لكن إذا كنت سأعيش هذا الوضع، فأنا أفضل عدم اندلاع الحرب، وإذا كان هناك تغيير، فيجب أن يبدأ هذا التغيير منا، بدون تدمير، بالعقل والوعي بما نريد وما لا نريد".
واختتمت الناشطة خاطرة محمدي حديثها بالقول إنه "عشنا في إيران ولم نفهم معنى الحياة، لقد عشنا دائماً في حالة من انعدام الأمن والخوف من الحروب التي تسببها السلطات الإيرانية، الألعاب السياسية والتصرفات العاطفية تجاه الدول والبلدان الأخرى، وضعت الشعب تحت كافة أنواع العقوبات وأعلى معدلات التضخم، والآن الحرب التي إذا استمرت، ستؤثر على الجميع، فالسلطات التي لجأت إلى خيار الحرب من أجل بقائها لا تهمها حياة الناس أو تدمير البلاد".