الحق في التصويت... رحلة تاريخية نحو الشمول السياسي
شهدت المشاركة السياسية للنساء تطوراً تدريجياً عالمياً، بدءاً من نيل حق التصويت وصولاً إلى اعتماد نظام الكوتا لضمان تمثيلهن في المجالس المنتخبة.
لافا كورده ـ هيرو علي
مركز الأخبار ـ الانتخابات تُعدّ من أبرز مظاهر الديمقراطية التمثيلية، حيث تتيح للفرد المشاركة غير المباشرة في الحياة السياسية وإدارة الحكم، ويتم ذلك من خلال اختيار ممثل يثق به ليعبّر عن إرادته، ثم يُقيّم هذه الثقة لاحقاً عبر التصويت بالموافقة أو الرفض على أدائهم.
كان الحق في التصويت مقتصراً على النخبة الحاكمة وبعض الفئات الخاصة، لكن مع تطور الفكر الإنساني وتقدم المجتمعات، أصبحت المشاركة السياسية قضية محورية وأساسية، وقد أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته الخامسة والعشرين على هذا الحق، حيث ينص على أن لكل مواطن الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلاده، سواء بشكل مباشر أو من خلال ممثلين يتم اختيارهم بحرية.
ترتبط جذور الانتخابات بنشأة المدنية وتطور الفكر الإنساني لدى اليونانيين، حيث جاءت كرد فعل على استبداد سلطة الأقلية التي فرضت هيمنتها على غالبية المجتمع، وفي أوروبا وأمريكا الشمالية، بدأت ملامح العملية الانتخابية بالظهور في أواخر القرن السابع عشر، لكنها كانت في مراحلها الأولى.
ومع نهاية القرن التاسع عشر، بدأت النساء في بعض الدول مثل بريطانيا، السويد، فنلندا، وبعض المناطق الغربية من الولايات المتحدة، بالحصول على حق التصويت بشكل محدود. لاحقاً، تأسست منظمات دولية لدعم هذا المسار، من بينها "الاتحاد الدولي للنساء" عام 1888، و"التحالف من أجل نيل حق التصويت للنساء" عام 1904، مما ساهم في ترسيخ هذا الحق وتعزيزه على المستوى العالمي.
كانت فنلندا أول دولة أوروبية تمنح النساء حق التصويت، لتكون بذلك رائدة في هذا المجال، تبعتها فرنسا في عام 1947، ثم جاءت سويسرا كآخر دولة أوروبية تمنح هذا الحق للنساء، وذلك في عام 1971.
أما في العالم العربي، فقد تأخر منح النساء حق التصويت قرابة قرن من الزمن، وكانت السعودية آخر دولة عربية تمنح هذا الحق، حيث أُقرّ في عام 2015، مما شكّل خطوة متأخرة نسبياً مقارنة بالدول الأخرى.
الكوتا النسائية آلية لضمان العدالة والمساواة
عند استعراض تاريخ المشاركة السياسية للنساء، يتضح أنهن لم يُحرمن فقط من فرص تولي المناصب السياسية والإدارية، بل حتى من أبسط الحقوق، كحق التصويت، واستمر هذا التهميش حتى النصف الأول من القرن العشرين، حين بدأت الدول تدريجياً بمنح النساء هذا الحق، بعد بلوغهن السن القانوني، ليصبحن قادرات على التصويت واختيار ممثليهن في المجالس المنتخبة.
ومع تنامي وعي النساء، وتزايد جهودهن ونضالهن، إلى جانب انتشار قيم الحرية والديمقراطية، بدأت تتشكل مسارات واضحة لتمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والإدارية، والسعي نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات.
في إطار المؤتمر الرابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي عُقد في العاصمة الصينية بكين عام 1995، تم اعتماد نظام الكوتا النسائية كآلية لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والإدارية، وضمان تمثيلها في مراكز صنع القرار، وقد جاء هذا النظام استجابة للحاجة إلى إزالة العقبات التي تحول دون مشاركة النساء، وتمكين الفئات الأقل تمثيلاً داخل المجتمع، بهدف تحقيق المساواة بين الجنسين.
تعود جذور هذا النظام إلى عام 1961، حين استخدمه الرئيس الأمريكي جون كينيدي لأول مرة لدعم تمثيل الأقليات من أصحاب البشرة السوداء، لاحقاً طالبت الحركات النسائية بتطبيق الكوتا لضمان مشاركة المرأة في إدارة شؤون الدولة، واليوم لم يعد هذا النظام مقتصراً على النساء فقط، بل أصبح يُستخدم أيضاً لدعم الأقليات الدينية، المذهبية، والعرقية، بما يعزز العدالة والتنوع في المؤسسات السياسية والإدارية.
في هذا الإطار، تبنّت العديد من الدول حول العالم نظام الكوتا لضمان تمثيل النساء في الهيئات المنتخبة، ومن بينها العراق وإقليم كردستان، فقد خصص العراق نسبة 25% من المقاعد للنساء في المجالس المنتخبة، بينما اعتمد إقليم كردستان نسبة أعلى بلغت 30%، في خطوة تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتمكينها من أداء دور فاعل في صنع القرار.
في العراق، بعد سقوط النظام عام 2003، استطاعت النساء الحفاظ على حضورهن السياسي من خلال المشاركة في خمس دورات انتخابية متتالية لمجلس النواب، ولم تقتصر مساهمتهن على البرلمان فقط، بل امتدت لتشمل الهيئات الحاكمة السابقة مثل مجلس الحكم، والحكومة المؤقتة، وحكومة المرحلة الانتقالية، مما يعكس تطوراً ملحوظاً في دور المرأة في الحياة السياسية والإدارية بعد مرحلة التحول السياسي في البلاد.
المرأة في السباق الانتخابي
في أول دورة لمجلس النواب العراقي عام 2005، بلغ عدد النساء المشاركات 70 نائبة، وفي الدورة الثانية عام 2010، ارتفع العدد إلى 83 نائبة، بينما بقي ثابتاً في الدورة الثالثة عام 2014، أما في الدورة الرابعة عام 2018، فقد وصل عدد النساء إلى 84 نائبة، وفي آخر انتخابات برلمانية جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021، ارتفع العدد إلى 97 نائبة، بنسبة تمثيل بلغت 28.9%، متجاوزاً بذلك النسبة الدستورية المحددة.
ووفقاً للدستور العراقي، وبموجب المادة 16 من قانون مجلس النواب لعام 2019، يجب ألا تقل نسبة تمثيل النساء عن 25%، أي ما يعادل 84 مقعداً من أصل 329 مقعداً، وهي النسبة المعتمدة ضمن نظام الكوتا لضمان مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
بالنسبة للدورة السادسة لمجلس النواب العراقي، تقرر إجراء الانتخابات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، بعد أن بدأت دعوة الأحزاب والمرشحين للمشاركة اعتباراً من 3 تشرين الأول/ أكتوبر، وتُجرى هذه الانتخابات استناداً إلى القانون رقم 4 لسنة 2023، الذي يُعد التعديل الثالث للقانون رقم 12 لسنة 2018 الخاص بانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات، وقد تم إقرار هذا التعديل من قبل البرلمان في 27 آذار/مارس 2023.
وتتضمن الانتخابات المقبلة في العراق مشاركة واسعة من القوى السياسية، حيث يتنافس فيها 31 تحالفاً، و38 حزباً، إلى جانب 75 مرشحاً مستقلاً، ليصل مجموع المرشحين إلى 7 آلاف و769 شخصاً، بينهم ألفين و248 امرأة و5 آلاف و520 رجلاً، يتنافسون جميعاً على شغل 329 مقعداً في مجلس النواب العراقي.
ورغم هذا الحضور، لا تزال نسبة النساء المرشحات أقل بكثير من نظرائهن الرجال، وهو ما يسلط الضوء مجدداً على التحديات التي تواجه المرأة في الوصول إلى مواقع التمثيل السياسي.
في إقليم كردستان، يبلغ العدد الإجمالي للمرشحين 301 مرشحاً، من بينهم 94 امرأة، وتتوزع هذه الأعداد على المحافظات الثلاث على النحو التالي، في محافظة هولير التي تُعد دائرة انتخابية مستقلة، يوجد 108 مرشحين، بينهم 36 امرأة؛ وفي السليمانية يبلغ عدد المرشحين 136 منهم 37 امرأة، أما في دهوك فيتنافس 58 مرشحاً بينهم 20 امرأة.
ومن أصل 329 مقعداً في مجلس النواب العراقي، خُصصت 83 مقعداً للنساء ضمن نظام الكوتا، وبما أن لإقليم كردستان 45 مقعداً، فإن 11 منها يجب أن تُخصص للنساء، وفقاً لنظام الكوتا المعتمد لضمان تمثيلهن في البرلمان.