'الاستهدافات لن تمنع الصحفيات من نقل مجازر العملية البرية بغزة'

في قلب الموت والخوف، تواصل صحفيات غزة نقل الحقيقة رغم القصف والنزوح، حاملات رسالة شعب محاصر، لتصبح الكلمة مقاومة، والصورة شهادة، والصوت صرخة في وجه الصمت العالمي.

رفيف اسليم

غزة ـ في عشية الليلة التي أعلنت بها القوات الإسرائيلية عن خطتها الواضحة باحتلال مدينة غزة، اغتالت عدة صحفيين في خيمة مخصصة لهم، ومن ثم توالت الاغتيالات لتطال عدة صحفيين، بهدف خلق حالة من الرعب تمنعهم من تغطية ما سيحدث بالصوت والصورة خلال الأيام المقبلة من قتل، تدمير، تهجير قسري لمليون ونصف المليون إنسان، وفي محاولة واضحة للتعتيم.

لكن على الرغم من سوداوية ذلك المشهد صحفيات غزة يأبين تقبل الواقع الذي يفرض عليهن ويعملن بجد لحصد ثمار جهدهن، فقد فازت الصحفية آية جودة مؤخراً بجائزة الصحفية شيرين أبو عاقلة لحرية الصحافة للعام 2025، وشيرين أبو عاقلة صحفية قتلت على يد القوات الإسرائيلية أثناء تغطيها لأحداث اعتداءات الأخيرة في الضفة الغربية.

تقول الصحفية آية جودة، إن استمرار صحفيات قطاع غزة بالعمل الصحفي من خلال نقل واقع ما يحدث بالصوت والصورة هو أمر أشبه بالمستحيل، خاصة في ظل الظروف المعاشة بداية من القصف المستمر، مروراً بالنزوح المتواصل، فكلما ارتاح الفلسطيني في مكان طالبته القوات الإسرائيلية بالنزوح قسراً منه، ومدينة غزة نموذج.

ولفتت إلى أن أهلها عانوا الويلات حتى استطاعوا التكيف مع المدينة، وخلق شبكة من الخدمات متمثلة بإعادة حفر آبار المياه وتنظيف مجاري الصرف الصحي، إصلاح الشوارع، الحارات، البيوت، بينما اليوم تطلب منهم القوات الإسرائيلية بعد تكبدهم الخسائر المادية والجسدية تجاهل كل ذلك وترك المدينة والأبنية الخرسانية، والمشافي والمرافق للنزوح في خيمة بلا أي خدمات.

تعود وتذكر آية جودة، أن الصحفي جزء من المجتمع وجزء من عائلته فيعيش الألم مرتين، مرة مع نفسه ومرة أخرى وهو يحمل الميكروفون أو الكاميرا أو القلم لينقل معاناة الناس، لافتة إلى أن الصعوبة لا تكمن بالخطر الذي يهدد حياتها وحياة العشرات من الزميلات في كل لحظة، بل بالجانب الإنساني، مضيفةً "تخيلي يرد ذِكر قريبة أو صديقة خلال نقل الحدث على الهواء كيف سيكون الشعور في ذلك الحين".

ونوهت إلى أنه مهما كانت صعوبة الموقف فإن الصحفية الفلسطينية يطلب منها التماسك وإكمال التغطية، كونه يقع على عاتقها مهمة فضح ممارسات القوات الإسرائيلية علها في يوم تجد من يحاسبها على اقترافها هذا الكم من جرائم الحرب، مشيرة إلى أن جميع ما تم الحديث عنه له تبعات شديدة على الصحة سواء جسدياً أو نفسياً وستظهر عما قريب على أجساد الصحفيات.

وأوضحت أن الصحفيات يعملن تحت خوف، ضغط، تهديد، دمار، مع ذلك يحاولن التماسك بسبب إيمانهن بأن دورهن ليس مجرد وظيفة أو ترف، بل هو واجب إنساني نحو شعب خذله العالم أجمع وتركه وحده يباد ويهجر على مدار عامين متواصلين، مشيرة إلى أنها تستمد العون من صمود الأهالي في المخيمات والمشافي الذين يشجعونها على نقل الرسالة وإكمال تلك المسيرة.

وعن الرسالة التي تريد القوات الإسرائيلية إيصالها من خلال استهداف الصحفيين في غزة، تقول آية جودة "هي رسالة واضحة للصحفيين أن من لا يصمت سيواجه المصير ذاته، وذلك يحدث بالتزامن مع العملية البرية العسكرية على المدينة، كون القوات الإسرائيلية تريد التحرك بعيداً عن أعين الإعلام لتخفي المذابح التي ستحدث أو الدمار الذي ستتركه خلفها".

تحمل صحفيات غزة رسالة واضحة حتى لو مات منهن المئات فهناك من سيكمل المسيرة ويستمر في التغطية مهما كانت فاتورتها باهظة، لافتة إلى أنها منذ بداية الحرب فقدت العديد من الزملاء والزميلات فبات الفقد من أقسى أشكال الشعور الذي يحاوط الإعلاميين، كون كل شخص يفقد هو جزء من تلك العائلة التي ما زالت تساند بعضها البعض منذ بداية الحرب.

وأكدت آية جودة أن حصولها على جائزة شيرين أبو عاقلة لحرية الصحافة عن عام 2025، في هذا الوقت تحديداً، ومع تزايد حدة الأوضاع الأمنية وتراشق التصريحات الإعلامية ضمن الحرب النفسية التي أذابت قلوب الصحفيات خصوصاً والغزيات عموماً، هو بارقة أمل وإنجاز تهديه لكافة زميلاتها اللواتي رحلن في سبيل إعلاء كلمة الحقيقة، كما أن تلك الجائزة أوصلت لها رسالة هامة ألا وهي "ها هو العالم يسمع ويرى ولكننا لسنا وحدنا".