الاقتصاد الصامت... نساء نودشه تحولن الأرض إلى حياة
نودشه مدينة تنبض بالحياة بفضل نسائها اللواتي يشكّلن العمود الفقري لاقتصادها المحلي، عبر العمل في الزراعة والتصنيع اليدوي والبيع على الطرقات، رغم غيابهن عن التقارير الرسمية، فإنهن يحوّلن الأرض إلى حياة، بصمتٍ مثقلٍ بالعطاء.
سمية رحيمي
باوه ـ عندما يصل الطريق إلى نودشه، يصبح متعرجاً وتقترب الجبال شيئاً فشيئاً، هورامان هنا تُعرف برقة ضباب الصباح ورائحة التراب المبلل، نودشه مدينة صغيرة، تستند إلى سفوح الجبال، ببيوت حجرية متدرجة، ونهر يُسمع صوته في معظم الأزقة.
في فصل الخريف، على جوانب الطرق المؤدية إلى المدينة، يحافظ الناس على تقليدهم القديم وهو قطف الرمان على جانب الطريق. يفعلون ذلك لجلب الحظ، للبركة، ولإيصال رسالة للمسافر بأنه يدخل مدينة لا تزال الحياة فيها مرتبطة بالأرض والمحصول، أهالي نودشه لا يتصنعون الألفة؛ بل يعيشونها، فهم مستقلون، لا تزال البيوت، والحدائق، والحرف اليدوية، والعمل الجماعي متجذرة في حياتهم.
قد يبدو الأمر بسيطاً وعادياً للوهلة الأولى، لكن خلف هذه البسطات يقف اقتصاد المدينة الحقيقي. اقتصاد لا تقوم دعائمه على المصانع أو الصناعات التابعة، بل على قوة عمل نساء نودشه اللواتي يتحملن عبء المنزل والمعيشة معاً.
تعملن في البساتين، تزرعن، تحصدن، وتقمن بعمليات التصنيع، وفي النهاية تبعن منتجاتهن بأيديهن، في كثير من العائلات، يشكل هذا الدخل الذي يحصلن عليه من جانب الطريق مصدراً لتغطية نفقات الحياة، تعليم الأطفال، ودفع الإيجار.
الطقس في الجبال قاسٍ وبارد، أحياناً الشمس حارقة، وأحياناً أخرى يغمر المطر المفاجئ البسطات، ومع ذلك، لا خيار أمام هؤلاء النساء سوى الاستمرار. وجودهن في الاقتصاد المحلي هادئ وصامت، لكنه جوهري؛ دور غالباً ما لا يُرى ولا يُقدّر.
النساء تمنحن المدينة نبضها الحقيقي
(آمنة. م) البالغة من العمر خمسة وسبعين عاماً، تعيل نفسها وأطفالها الثمانية من خلال بيع الرمان ومرباه المصنوع في المنزل. تجلس على جانب الطريق؛ أمامها سلة من الرمان الأحمر، تنتظر المارة لتنادي "هذه أفضل رمانات هورامان"، كانت تفرز حبات الرمان بعناية وصبر، يداها مليئتان بالتجاعيد، تحملان آثار سنوات طويلة من العمل الشاق، وكأن هذه التجاعيد تروي قصة معاناة طويلة.
قالت إنها لا تملك دخلاً ثابتاً، ولا دعماً، ولا حتى راتب تقاعدي "عندما ينتهي موسم الرمان، أبدأ بصنع المربى. الإنسان لا يملك خياراً،"، متحدثة بهدوء متقبلةً واقعاً تحمل ألمه بصمت.
بالقرب من الطريق، تجلس أسماء. ع، وقد رتّبت بسطة ملوّنة بجانب إحدى قريباتها، تتبادل الحديث بودّ ودفء مع المارة، وتدعوهم للشراء وتقول "البستان ملك لزوجي، هو من يقطف الثمار، ونحن نتولى البيع. هذا هو مصدر رزقنا الوحيد".
وأوضحت أن الكثير من المسافرين يتوقفون لالتقاط الصور مع الأزياء الكردية، وغالباً ما يتحول التصوير إلى شراء "لو كان الباعة رجالاً، لما كان هذا الطريق ينبض بالحياة".
إلى جانبها، كانت إحدى قريباتها تفرز حبات الرمان بصمت، وتقول أن العائلة تعتني بالبساتين منذ عشرين عاماً، ويجلسون كل عام على جانب الطريق من أوائل أيلول حتى نهاية الخريف. هذا العام، تغيّر طعم الرمان بسبب الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار.
رغم أن الشمس بدأت تغيب خلف الجبال والهواء بات أكثر برودة، لم تجمع النساء بسطاتهن بعد؛ فربما يأتي زبون في اللحظة الأخيرة، يضيف شيئاً إلى دخل يوم شاق، في انتظار أمل صغير لا يُقال، لكنه يُحسّ.
اقتصاد نودشه يرتكز على أكتاف نسائها؛ أولئك اللواتي لا يظهرن في التقارير الرسمية، ولا تُحتسب مساهماتهن في السياسات العامة، ومع ذلك، هنّ من يمنحن المدينة نبضها الحقيقي. لمعرفة نودشه حقاً، يكفي أن تقف على جانب الطريق، وتتأمل كيف تحوّل نساء بأيدٍ متشققة وملابس زاهية الأرض إلى حياة نابضة.