تغييب النساء في الجلسات الانتخابية وصوت نسائي في حلب يخرق الصمت
إن استمرار تغييب النساء عن المشهد الانتخابي والسياسي يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى جدية التغيير في سوريا الجديدة، ومدى رغبة الجهات المسؤولة في إشراك المرأة في صنع القرار، لا كزينة شكلية، بل كعنصر فعّال ومؤثر.

راما خلف
دمشق ـ شهدت الجلسات التعريفية لاستحقاقات انتخابات مجلس الشعب، التي أُقيمت مؤخراً في دمشق وحلب، غياباً شبه كامل للنساء عن الحضور والمشاركة، ما أثار موجة من التساؤلات والانتقادات في الأوساط الحقوقية والاجتماعية.
طغى الحضور الذكوري على النقاشات حول استحقاقات مجلس الشعب التي من المفترض أن ترسم ملامح مرحلة سياسية مقبلة في سوريا، لتبدو المرأة وكأنها غائبة قسراً عن مشهد هو من المفترض أن يكون جامعاً وتمثيلياً لكل فئات المجتمع، ولكن في مدينة حلب، ورغم الصمت العام، برز تدخل لافت للناشطة الحقوقية أسماء المحمود، التي وجهت تساؤلات حادة إلى اللجنة العليا للانتخابات بشأن تغييب النساء عن هذه اللقاءات، مطالبةً بتوضيح دورهن في العملية الانتخابية وضمان مشاركتهن الفعلية فيها.
وحول الأسباب وراء الغياب النسائي أوضحت الصحفية والناشطة الاجتماعية جانسيت طام من مدينة دمشق "حضرت المؤتمرين، مؤتمر اللجنة العليا في ريف دمشق وفي دمشق، وفي ريف دمشق كانت الدعوات نوعاً ما مختصرة على الوجهاء والأعيان ومدراء المناطق، وهؤلاء غالباً رجال، وكان هناك حضور لصحفيين وأطباء ومهندسين، والنساء اللواتي حضرن هن من هذه الفئة، من فئة المثقفين والمهندسين والمحاميين، ومن فئة الوجهاء والأعيان ومدراء المناطق لم يكن هناك نساء، وهنا تكمن المشكلة أن مراكز السلطة أو المراكز القيادية لا تسلم للنساء، لهذا السبب عندما تُعقد جلسات لمجلس الشعب، يكون حضور النساء قليلاً، وهذا خطأ كبير".
وأكدت أن هناك تغييب نسائي ممنهج ولكن ليس بقضية مجلس الشعب فقط، وإنما منذ تولي الحكومة الجديدة للسلطة في البلاد، فليس هناك أي مناصب قيادية تسلم للنساء، مبينةً أن السبب يعود إلى الذهنية الذكورية التي تقصي النساء من أي منصب "منذ حكم الأسد هناك توظيف للنساء أما الصفة القيادية أو المناصب الإدارية غالباً تكون للذكور فقط".
وترى أنه يتم استغلال النساء برواتب قليلة والاستفادة من خدماتهن، في حين لا يقبل الرجل بهذه المبالغ بكونه المعيل الرئيسي للأسرة، رغم أن المرأة أصبحت مسؤولة وبشكل كبير عن إعالة الأسرة خاصةً بعد استمرار الحرب لسنوات وتدهور الاقتصاد والعملة "كانت النساء ترضى براتب قليل، فتتوظف، فالطبيعي أنها تتسلق السلم الوظيفي لتصبح رئيسة قسم، وبعدها رئيسة دائرة".
وأكدت جانسيت طام أن "التمثيل الفعلي عندما تمنح المرأة منصب فعلي وليس شكلي، ويجب أن يكون المنصب مؤثر في سياسة البلاد عندها يكون التمثيل فعلي، وعندها سوف نرى دور حقيقي للنساء في المجتمع".
وقالت "يمكننا أن نلمس عدم وجود إرادة فعالة لتمثيل النساء في مجلس الشعب، من أعضاء اللجنة العليا وعددهم 11 عضو، بينهم امرأتين فقط، ويناقش الأعضاء الذكور تمثيل المناطق، ولماذا الموظفين الحكوميين لا يترشحوا لمجلس الشعب، ولكن العضوات تناقشن فقط ملف النساء المسلم لهن".
وكشفت جانسيت طام أنه في المؤتمرين اللذين حضرتهما بنفسها انتبهت إلى أن النساء لا تمسكن بالميكرفون إلا عند الحديث بملف النساء، مؤكدةً أن ذلك "خطأ كبير، رغم أن ملف النساء مهم، ولكن لا يمكنني أن أقتصر مشاركتي فقط عن هذا الموضوع، وفي جلسة حلب انتقدت الناشطة أسماء المحمود عدم مشاركة النساء الموجودات في اللجنة العليا، وأقول أن هذا هو السبب، أنه لم يسمح لهن إلا بالحديث بالملفات المتعلقة بالنساء".
ويبدوا أنه يتم تقسيم الأدوار بين الأعضاء قبل انطلاق الجلسات فإذا سأل أحدهم عما يخص تمثيل النساء ترد إحدى العضوات، مؤكدة على خطورة هذه الذهنية "البلاد في مرحلة مفصلية وحقوق المرأة يجب أن تكون مصانة، هذه فرصتنا وفرصة سوريا، وعلى النساء المطالبة بمناصب فعلية وأن تنظمن الاحتجاجات من أجل ذلك".
المشهد الذي وصفته الناشطة جانسيت طام لا يعكس فقط غياباً عن جلسة انتخابية، بل يسلّط الضوء على فجوة أعمق وأكثر تجذراً، تتعلق ببنية النظام الإداري والسياسي الحالي، الذي لا يمنح النساء مواقع قيادية فعلية، ومع أن بعض الوزارات شهدت تجارب نسائية ناجحة كما أشارت إلى ذلك، إلا أن التمثيل ما زال، وفق وصفها، "شكلياً" في معظم الأحيان.
ويبقى صوت الناشطات، بمثابة جرس إنذار، ومطالبة صريحة بمساواة فعلية، لا شعارات مرحلية، فهل تُلبّى هذه المطالب يوماً ما؟ أم أن المشهد السياسي سيبقى حكراً على النخبة الذكورية؟