العقد الاجتماعي... خارطة طريق نحو سوريا ديمقراطية
في ظل التخبطات التي تشهدها سوريا على الساحة السياسية، يعد تطبيق العقد الاجتماعي كنموذج لدستور سوري أهمية كبيرة كونه شامل وضمان لحقوق كافة الأقليات.

نور الأحمد
الرقة ـ أكدت الرئيسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا سهام قريو أن العقد الاجتماعي له أهمية كبيرة كونه يكرس حقوق المرأة كمبدأ أساسي ويمنحها كينونة مستقلة تعبر عن ذاتها بحرية، وتعزز مشاركتها في مختلف المجالات دون خضوع لأي حكم سلطوي.
في خضم الأزمة السورية التي عصفت بسوريا منذ عام 2011، برزت تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق البلاد كواحدة من أبرز النماذج البديلة التي تحاول صياغة مشروع وطني ديمقراطي يستجيب لتحديات الواقع السوري، وينطلق من مبدأ المشاركة الشعبية، والتعايش بين المكونات، والعدالة الاجتماعية.
ويعد العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الإدارة الذاتية، ترجمة عملية لهذا المشروع، ويشكل خارطة طريق لبناء سوريا ديمقراطية تعددية، ليس لسوريا فقط، بل لكثير من دول المنطقة التي تعاني صراعات عديدة، وانقسامات متفاقمة، أحدثتها نماذج الدول القومية والحداثة الرأسمالية التي أرستها القوى الاستعمارية.
وحول ذلك قالت الرئيسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا سهام قريو "انبثق العقد الاجتماعي كبند أساسي من مخرجات المؤتمر الوطني الذي عقده أهالي مقاطعتي الجزيرة والفرات في أواخر عام 2020، لكتابة وتعديل الدستور الذي كان مطبق منذ عام 2013 ومتفق عليه من قبل القوى السياسية والتنظيمات في المنطقة آنذاك، والذي وافق عليه جميع المكونات، وشمل المناطق المحررة في كل من مقاطعة الرقة والطبقة ودير الزور ومنبج، وهو بمثابة استجابة لمطالب الشعوب الموجودة في إقليم شمال وشرق سوريا، لذلك كان من الضروري تغيره وتعديله وفق معايير تناسب كافة الفئات".
وأوضحت أن العقد الاجتماعي قائم على مطالب ومقترحات شعوب المنطقة "تم تشكيل لجنة مؤلفة من 158 شخصية من كافة القوى السياسية والتنظيمات الاجتماعية، وتمثل كافة المكونات من عرب وشركس وكرد وأرمن ومسيح، ينبثق منها لجنة مصغرة مؤلفة من 30 شخص، وتم كتابة مسودة لبنود العقد الاجتماعي وعرضها على جميع شعوب المنطقة، بداْ من أصغر خلية في المجتمع وصولاً إلى المجالس والإدارات".
ورغم التحديات العديدة التي واجهت تنفيذ بنود العقد الاجتماعي، تم تطبيق ما يقارب خمسين بالمئة منها، وكان من أبرز العقبات منع استكمال العملية الانتخابية لاتحاد البلديات نتيجة لضغوطات الدولة التركية، حيث أُنشئت مفوضية للانتخابات، لكنها لم تستطع الاستمرار في مهامها "نعمل اليوم على بناء مجالس الأمة الديمقراطية، التي تتألف من هيئات مستقلة، لكل منها مجلس وهيئة رئاسية تُتخذ فيها القرارات بشكل جماعي، تحت مرجعية مجلس الشعوب الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا. كما يجري التنسيق بين المجالس التنفيذية من خلال جلسات اعتيادية لطرح الآراء والنقاشات حول آليات تطبيق العقد الاجتماعي".
وأكدت أن العقد الاجتماعي يرتكز على مبدأ التعددية واللامركزية الديمقراطية، ويُعد نموذجاً دستورياً منظّماً للحياة السياسية والاجتماعية "من أبرز بنوده مشاركة جميع المكونات، وضمان تمثيل المرأة بنسبة خمسين بالمئة، إضافة إلى تمكين الشباب من تنظيم أنفسهم ضمن كيانات شبابية باعتبارهم نواة حماية البلاد والنهوض بها".
في ظل التحولات السياسية التي شهدتها سوريا عقب سقوط نظام البعث، واستلام الحكومة المؤقتة للسلطة، تم الإعلان عن دستور جديد لم يعكس التنوع الثقافي واللغوي للبلاد، بل همّش العديد من المكونات حيث قالت "من هنا، تتجلى أهمية العقد الاجتماعي كمشروع جامع يمثل جميع أطياف المجتمع السوري، خاصة بعد المجازر التي طالت الطائفة العلوية والدروز في الساحل السوري، فهو يسعى إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق اقتصاد مجتمعي كومنالي، وعدالة اجتماعية ترسّخ الاستقرار والسلام".
وأكدت أنه بعد إحدى عشرة عاماً من تطبيق نظام الإدارة الذاتية وفق دستور ديمقراطي، أثبت المشروع نجاحه في التصدي للإرهاب وحماية المنطقة من تهديدات تنظيم داعش "نطمح اليوم إلى نقل هذه التجربة لتكون نموذجاً يحتذى به في سوريا كلها".
ضمان لمكانة المرأة ومفتاح لحل الأزمة السورية
أكّدت أن المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا حققت إنجازات بارزة في ظل نظام الإدارة الذاتية، حيث لعبت دوراً ريادياً على المستويات السياسية والعسكرية كافة، وبفضل نظام الرئاسة المشتركة، مثّلت المرأة بنسبة الكوتا إلى جانب الرجل، معزّزة بذلك مفهوم المساواة بين الجنسين. وأسهمت في تأسيس هياكل خاصة بها، من بينها مجلس المرأة السورية، مجلس المرأة لإقليم شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى تنظيمات وحركات نسوية فاعلة مثل مؤتمر ستار، تجمع نساء زنوبيا، واتحاد المرأة السريانية.
وأوضحت أن العقد الاجتماعي يكرس حقوق المرأة كمبدأ أساسي، حيث تنص المادة 110 على بند خاص يُعد بمثابة "عقدٍ للمرأة"، يمنحها كينونة مستقلة تُعبّر عن ذاتها بحرية، ويعزز مشاركتها في مختلف المجالات دون خضوع لأي حكم سلطوي أو ذكوري "هذا البند يمنحها سلطة قانونية لتفعيل قرارات وتشريعات تُطبق من خلال المؤسسات المعنية، مما يجعل حضورها رسمياً وفاعلاً".
ودعت سهام قريو جميع النساء السوريات إلى اعتبار تجربة نساء إقليم شمال وشرق سوريا نموذجاً يُحتذى به، حيث تمكّنت المرأة من اقتحام المجالات التي حُرمت منها لسنوات طويلة، وانتزعت مكانتها بجدارة وإصرار.
وشدّدت الرئيسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا سهام قريو في ختام حديثها على ضرورة التفاعل بشكل واعي مع بنود العقد الاجتماعي، والتصدي للمخططات الخارجية التي تسعى لإجهاض مشروع الأمة الديمقراطية. فبنود هذا العقد، بحسب البند الأخير، قابلة للتعديل بما يتوافق مع الدستور السوري الجديد، وهو ما يجعل تطبيقه ضرورة وطنية لضمان تمثيل كافة المكونات وتحقيق العدالة الاجتماعية.