'من المؤسف أن تضيع مكتسباتنا وثورتنا'

لا تزال الانتخابات التونسية البرلمانية تثير الجدل من حيث نسب الإقبال التي وصفت بالضئيلة خاصة من قبل مشاركة النساء.

زهور المشرقي

تونس ـ ينتظر الشعب التونسي تشكيل البرلمان في آذار/مارس المقبل، برغم النتائج الضعيفة من حيث المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت على دورتين اتسمتا بالضبابية, وسط دعوات سياسية وحقوقية لاستعادة مسار ما قبل 25 تموز/يوليو الذي يرونه المسار الشرعي الوحيد.

تدعو النسويات الرئيس قيس سعيد إلى التعامل مع ضعف الإقبال بجدية، لرفض التونسيين المسار الحالي الذي قد لا يمثلهم، وتؤكدن على أن التونسيين لم يعودوا يثقون بأي مؤسسة دستورية وهو ما يثير المخاوف الحقوقية والسياسية من تواصل هذا العزوف في المستقبل.

وتصف الناشطة السياسية صفاء المدايني في حوار مع وكالتنا، الوضع بالضبابية، ودعت إلى تكثيف الجهود لإنقاذ البلاد وتجاوز أزماتها الخانقة التي ستكون عواقبها وخيمة على مستقبل تونس.

 

ما تأثير الانسداد السياسي الذي تعيشه تونس؟

تعيش تونس على وقع أزمة سياسية واقتصادية خانقة تعمقت أكثر بعد انقلاب 25 يوليو 2021، حيث تضاعفت الصعوبات التي كانت تشهدها منذ سنوات على مختلف المستويات. مستوى الكارثة تجلى عبر الخيارات الفردية للرئيس الذي يملك مختلف السلطات، بعد أن حل البرلمان المنتخب من قبل التونسيين في انتخابات ديمقراطية يشهد لها الجميع، هذا البرلمان الذي أغلق خلال انقلاب واضح على الديمقراطية ومسار الثورة والمكتسبات المحققة منذ سنوات.

صحيح أن السنوات التي سبقت حل البرلمان كانت الإصلاحات تتقدم فيها ببطء نتيجة العديد من العوامل والتراكمات لكن كانت مثالاً على الحريات وتعزيز الديمقراطية وتجلى ذلك من خلال تعزيز مشاركة المرأة في المجال السياسي وتم دعمها حتى تكون في المراكز القيادية، لكن الآن يسعى الرئيس إلى محو مكتسبات تلك المرحلة المهمة من تاريخ تونس ويعمل للقضاء على تلك الوسائط والأحزاب وضرب المجتمع المدني لنسف دور النساء وتغييبهن، هذا المسار يستهدف تونس ومؤسسات الحكومة والبرلمان الشرعي المنتخب.

أما بخصوص الانتخابات كان الرد قاسياً من قبل التونسيين والتونسيات خاصةً غبر مقاطعة شاملة للانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً بنسبة إقبال واقعية لم تتجاوز الـ 8%، لقد رد الشعب برفض هذا المسار وفضح عدم قدرة السلطة القائمة على إدارة الدولة وتغيير أمورها، تلك المشاركة الضعيفة حاصرتها انعدام الشفافية خاصة بعد عدم نشر محاضر الفرز الخاصة بالجهات والتي تبين فعلاً النسب الحقيقية المخفية.

 

كيف تقيمون حضور النساء في الانتخابات التشريعية، وهل من تفسير لضعف المشاركة كناخبات ومترشحات؟

تاريخ نضالات النساء التونسيات متأصل في عمق الدولة ونضالاتهن عبر الزمن تفسرها القوانين والتشريعات المتقدمة والاستثنائية فقد ناضلن لضمان مكانتهن، وضمن دستور 2014 الذي ساهمن بشكل كبير في كتابته، لهن حقوقهن حيث نص على أهمية تحقيق المساواة وإبراز دور النساء وإشراكهن في كافة المجالات، لكن تلك المكاسب التي رافقتها تشريعات على غرار قانون مكافحة العنف الذي كان ثورة في مجال الدفاع عن حقوق النساء نراها اليوم تتبخر أمامنا مع مساء 25 يوليو، هذا المسار الذي لا يعترف بالنساء، فالقانون الانتخابي الجديد الذي أصدره الرئيس التونسي الصيف الماضي نسف دور المرأة، فالإقبال عن التصويت يكاد أن يكون "فضيحة دولية" لمشروع السلطة القائمة من ناحية النساء خاصة التي لم تتجاوز نسبة مشاركتهن الـ 5% وفق المعطيات التي يقدمها المجتمع المدني.

هذه النسبة تدل على مقاطعة كبيرة من فئة طالما كانت في صفوف النضال الأمامية، لن تتجاوز نسبة النساء اللواتي ستدخلن تحت قبة البرلمان الـ 10% مقابل 90% للرجال، في مشهد دراماتيكي لبرلمان ذكوري لن نسمع فيه أصوات النساء وقضاياهن، بعد أن كنا نشكل حوالي 25% في البرلمان السابق، وكنا عضوات في اللجان الداخلية وكانت نائبة رئيس البرلمان امرأة (سميرة الشواشي)، مكاسب فقدناها في لمح البصر وباتت أحلام نتمنى عودتها، هذا المشروع الرجعي الذي هدم المكتسبات ونسف حضور النساء في المجال السياسي، قانون الإقصاء الذي جاء به الرئيس والذي قام على نظام الانتخاب على الأفراد وفرض التزكيات كانت بمثابة الشروط التعجيزية التي وضعت العواقب أمام ترشح النساء في مجتمع ذكوري شرقي يرفض التزكية لامرأة ويطلب منها أن تزكيه، إنها لمفارقة عجيبة فعلاً، فضلاً عن تلك الصعوبات المادية التي منعتهن من الترشح بعد وقف التمويل العمومي للحملات الانتخابية خاصة مع القدرة الاقتصادية المدنية لهن مقارنة بالرجل، ذلك الدعم للنساء الذي كانت توفره الوسائط في القوائم الانتخابية المستقلة التي تبرز التضامن الاجتماعي مع المترشحات علاوةً على دعم الأحزاب للمرأة، الذي وجدت نفسها بعد القانون الانتخابي الإقصائي محرومة منها.

أريد الإشارة إلى أن في الانتخابات التي سبقت 25 يوليو كان للنساء القدرة الأكثر على المشاركة في الحياة السياسية بفاعلية أقوى، وقد أفسح مبدأ التناصف الأفقي والعمودي المجال أمامهن للفوز وقيادة القوائم الانتخابية والفوز، تلك المبادئ التي كان من المفترض المحافظة عليها وتطويرها لا الرجوع إلى الوراء، نشعر بالألم حين نتذكر أن عصر ثورة النساء الفاعلات القيادات قد ولى مع المسار الحالي الذي لا يهتم للنساء، لن نرى المرأة  كرئيسة لجان في البرلمان بل ستكون ضمن دور ثانوي لا يعبر عن مكانتها الحقيقية.

على المجتمع المدني والنسوي شجب مثل هذه التصرفات والتنديد بها فلا خير في سلطة وبلد لا تحترم نساءها.

 

ما تعليقكم على تراجع نسبة إقبال الفئة الشابة على الانتخابات والتي لم تتجاوز الـ 4%؟

صحيح أن الفئة الشابة هي من أوصلت الرئيس قيس سعيد إلى السلطة إلا أنه لم يكن وفياً لهذه الفئة، إن الوعي الذي تتمتع به الفئة الشابة دفع بها إلى مقاطعة الانتخابات بعد أن وجدت نفسها على الرف دون أمل وبلا مستقبل واضح، ظل الشباب عاماً ونصف مستمعاً لخطابات الرئيس واتهاماته للطبقة السياسية دون وجود حلول للمشاكل التي تعانيها البلاد إلى أن سئم ذلك وكانت قوارب الموت التي اختارها خير دليل على ذلك اليأس والإحباط، إن الفئة الشابة تطالب بفرص عمل ومكافحة الفساد وتوفير العيش الكريم ضمن مناخ ديمقراطي، لكنه سرعان ما وجد نفسه في دائرة مظلمة ومغلقة دون آفاق حقيقية.

ندعو الشباب/ات للمشاركة في العمل السياسي وعدم التزام الصمت والخوف، لابد أن يعودوا لنشاطهم الجمعياتي والحزبي والانضمام إلى المبادرات المجتمعية القادرة على إنقاذ البلاد ومستقبل النساء والشباب/ات، خاصةً مع هذه الضبابية في الوضع الحالي وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي كان نتيجة الخيارات السياسية الخاطئة والفردية، لابد من تكاثف الجهود من أجل بلادنا.

 

ما هي الحلول التي ستمكن الشعب التونسي من تجاوز الأزمة الراهنة؟

بداية علينا تذليل العواقب الحالية التي وضعها الرئيس وهي الانقلاب وذلك بالعودة إلى المسار الشرعي السابق الذي كان نتيجة انتخابات ديمقراطية وشفافة، وهذا قد يتحقق عبر حوار وطني جامع بين مختلف الأحزاب الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني والنسوي لصياغة رؤية اقتصادية مشتركة وواضحة لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، وذلك بإعلان حلول عملية تنفذ بأقصى سرعة لتجاوز الأزمة الاقتصادية.

اليوم تعيش النساء في تونس وضعاً صعباً وجب أخذه بعين الاعتبار ومراعات السياق العام للبلاد ومختلف الإشكاليات، لأن النساء هن الأكثر تضرراً من كل الأزمات وقد رأينا ما خلفته جائحة كورونا وغيرها، وذلك لتحقيق الاستقرار المجتمعي الكامل؛ فالبلاد بمختلف مكوناتها السياسية بحاجة للتشابك لتشكيل رؤية موحدة  واقعية لوضع حد لهذه الأزمة المركبة التي ضربت أحلام وآمال التونسيين ودمرت الحريات وقضت على المكتسبات وعلى التعددية والمساواة.

 

ختاماً كيف ترون وضع النساء في المرحلة المقبلة؟

برغم سوداوية الوضع الحالي، أرى أملاً في النساء التونسيات فتاريخهن حافل بالإنجازات، ولابد أن تشاركن في الحياة السياسية برغم سياسة الإقصاء والتهميش وتناهضن الانقلاب لاستعادة النظام الديمقراطي الذي أنجبته الثورة، أقول لهن لا خيار أمامنا غير النضال للمحافظة على مكتسباتنا واسترجاع حقوقنا المنهوبة واستعادة التناصف وغيره من مبادئ ثورتنا، لابد أن نستعيد كنساء بتضامننا اللامشروط دورنا الريادي ونكون قوة اقتراح وضغط وأن ننخرط بقوة في مناهضة كل أشكال إقصاءنا.