المواد الكيميائية تفتك بصحة الفلاحات في تونس

في سبيل تأمين قوت يومهن تجبر العاملات في القطاع الفلاحي في مدينة سيدي بوزيد على العمل في الحقول، تتعرضن خلالها للمبيدات وأدوية الفلاحة الأمر الذي يشكل خطراً على حياتهن في ظل إصابتهن بالكثير من الأمراض.

إخلاص الحمروني  

تونس ـ تعتبر المبيدات الكيمائية أحد ملوثات البيئة فهي تستخدم في مكافحة الحشرات في المزارع والحقول وبالرغم من فعاليتها إلا أنها تترك أضراراً جسيمة على صحة الإنسان والحيوان، كما يؤدي إلى أضرار بالغة ومدمرة للبيئة.

المبيدات الكيمائية هي إحدى الوسائل الحديثة التي تعمل على زيادة الإنتاج بالإضافة إلى دورها الكبير في الحد أو القضاء على عدد كبير من الآفات الضارة، وتعتبر المبيدات الكيمائية التي يتم الاعتماد عليها بشكل أساسي مركبات سامة، ولديها أضرار كبيرة وخطيرة ومدمرة على الإنسان والبيئة معاً، إن لم يكن هناك دقة في اختيار أنواعها ووعي كامل لكيفية استعمالها، فإن ذلك يؤدي إلى ظهور سلالات أكبر للآفات الحشرية المقاومة للمبيدات، مما يفاقم المشكلة ويشكل أضراراً على البيئة وخلل في التوازن البيئي.

أينما تجولت في الحقول التونسية، ستجد المبيدات حيث لم يعد بإمكان الفلاح الاستغناء عن هذه المواد الكيميائية لإنتاج الفواكه والخضروات وتحقيق المردود المطلوب، ولأن الهدف الأساسي من استعمال هذه المواد المصنفة "خطوة" هو تحسين الإنتاج ورفع جودة المنتجات، إلا أنه يتسبب بحدوث أضرار على صحة العاملين في الحقول أولاً والمستهلكين ثانياً، ولأن القطاع الفلاحي التونسي عموماً وفي مدينة سيدي بوزيد خصوصاً "قطاع نسوي بامتياز" فإن أغلب المتضررين من استعمال هذه المواد الكيميائية (المبيدات والأدوية) هن فلاحات تعانين الأمرين من استغلال وأمراض دون وعي بآثارها السلبية على صحة العاملة ونفسيتها.

قول سلاف عماري فلاحة وربة منزل وأم لأربعة أطفال، إن الظروف الاقتصادية الصعبة أجبرتها على العمل في القطاع الفلاحي الذي تسبب لها بحساسية مفرطة جراء كثرة الغبار واستعمال المواد الكيميائية المداواة "أعمل في هذا القطاع منذ فترة، غير واعية بالمخاطر التي قد تسببها لي المبيدات وأدوية الفلاحة ذات الرائحة القوية".

وعما تشعر به أثناء رش المبيدات أوضحت "في كل مرة أشم فيها رائحة هذه المواد أشعر باختناق ولا أستطيع التنفس ويصل بي الأمر إلى الغيبوبة وعندها يحملوني إلى المشفى لتزويدي بالأوكسيجين"، مشيرةً إلى أنها تصرف كل مالها من أجل العلاج من هذه الأمراض ولا تجني إلا التعب على الرغم من أن صحتها تتراجع كل يوم ويتضاعف إحساسها بالتعب ورغم ذلك لا يمكنها الانقطاع عن العمل لأنها بحاجة ماسة إلى راتبها من أجل تأمين قوت يومها.

وأشارت إلى أن الظروف الصعبة تجبرها على مواصلة العمل في الفلاحة رغم التعب والأزمات الصحية التي تشعر بها في كل مرة يستعمل فيها صاحب الحقل هذه المواد الكيميائية "لو كنت أملك المال لاستثمرته في مشروع خاص بتربية الماشية، وحافظت على صحتي ومالي".

وتلعب المبيدات الكيمائية دوراً هاماً في التأثير على صحة الإنسان، ويعاني العاملون المعرضون لتلك المبيدات من أعراض تهيج الأغشية المخاطية والتهاب الحلق وسيلان الأنف والسعال وصولاً إلى الإصابة بالربو، مع التعرض الكبير لها، والذي يستدعي في الكثير من الأحيان إلى العناية الطبية والدخول إلى المشفى.

 

 

من جهتها تقول نعيمة سليمي من مدينة سيدي بوزيد "أعمل في القطاع الفلاحي منذ سنوات بحكم تميز جهتنا بالفلاحة على الرغم من الأمراض التي تسببها لي خاصةً عند استعمال المبيدات والمواد الكيميائية في الحقول"، مشيرةً إلى أنها أصيبت مثل بقية العاملات بالحساسية وضيق التنفس ووصل بها الأمر إلى البقاء في المشفى لمدة 3 أيام تحت المراقبة.

وأوضحت أن الطبيب شخص مرضها بالحساسية المفرطة جراء استنشاق المبيدات وقدم لها الدواء الذي أصبح لا يفارقها وتستعمله كلما شعرت بأعراض المرض، مطالبة الجهات المعنية بضرورة التوعية والحد من استعمال هذه المواد الكيميائية التي تتسبب بانتشار أمراض مثل السرطان لأن هذه المبيدات خطيرة على الفلاحة وصحة الفلاحات وأيضا على المستهلكين، ولكن رغم ذلك يستخف الكثيرون بمدى خطورتها.

وأكدت أن حالها مثل حال بقية نساء الجهة مجبرات على العمل، لأن ظروفهن المادية صعبة، لذلك يجب الحد من استعمال هذه المواد الخطرة حتى تستطيع الفلاحات المحافظة من خلالها على رزقهن وصحتهن.

ويؤدي تعرض الإنسان إلى المبيدات الكيميائية لحدوث مضاعفات صحية يمكن أن تصبح أمراضاً خطيرة في بعض الحالات، خاصة مع التعرض لها لفترات طويلة، والذي من الممكن أن يؤدي إلى تراكم المواد الكيميائية في الجسم، مما يترك آثار على صحة الإنسان، كما يمكن أن تسبب الكثير من المبيدات التسمم بعد ابتلاعها أو استنشاقها أو امتصاصها من خلال الجلد، وقد تشمل الأعراض تدميع العينين والسعال وصعوبة في التنفس.

 

 

أما ايمان ظاهري العاملة في القطاع الفلاحي قالت إنه "منذ انقطاعها عن الدراسة في سن السادسة عشر أجُبرت على العمل لمساعدة زوجها فمعاناتها شبيهة بمتاعب بقية الفلاحات، لذلك تؤكد أن العمل في القطاع الفلاحي أصبح صعباً بالنسبة لها خاصةً بعدما تعرضت لأضرار صحية جراء ظروف العمل القاسية واستعمال المبيدات التي تترك آثار سلبية على صحة الإنسان".

وأضافت "وصل بي الأمر ذات مرة أن صاحب الحقل كلفني بحمل آلة الرش على ظهري ومداواة الخضروات دون استعمال أي وسيلة وقائية على يدي ووجهي، الأمر الذي تسبب بإصابتي بأمراض لم أعد بسببها قادرة على العمل بالبيوت المكيفة بسبب صعوبة في التنفس بمثل هذه الأماكن التي تعالج فيها المنتجات الفلاحية بالمبيدات، حيث يتم رش المنتجات عندما نكون منهمكات بالعمل بالبيوت البلاستيكية، بل أكثر من ذلك تتبلل ملابسنا بالمواد الكيماوية".

وأشارت إلى أن ما يزيد الطين بلة هو تعرضها جراء ذلك لأزمات حساسية قوية، أدت إلى إصابتها بالربو، "نصحني جميع الأطباء الذين زرتهم بالابتعاد عن العمل بمثل هذه الأماكن"، مضيفةً أن استعمال المبيدات بشكل مبالغ فيه يقلقها كثيراً ويخيفها، بحكم إصابة جل العاملات بأمراض لكنهم لا يملكون خيارات أخرى لأنها مجبرة على العمل في سبيل تأمين قوت يومها بسبب ظروفها القاسية المشابهة لظروف بقية الفلاحات ووضعيتهن المهنية الهشة (بلا عقد أو ضمان اجتماعي) والذي يجبرهن على العمل من أجل أسرهن.

ولا يتوقف تأثير المبيدات الكيمائية على صحة الإنسان فقط، بل تؤثر على الحشرات النافعة حيث أن المبيدات الكيمائية الضارة والنافعة تؤدي إلى موت الحشرات النافعة مما يسبب خللاً في التوازن البيئي الطبيعي في البيئات ومن ثم تتسبب بانتشار الحشرات الضارة.

كما يمكن أن تساهم المبيدات الكيمائية في تلوث الهواء، عندما تنقل الرياح المبيدات الحشرية المعلقة في الهواء كجسيمات إلى مناطق أخرى مما قد يؤدي إلى تلويثها، كما يمكن أن تتطاير مبيدات الآفات التي تُطبق على المحاصيل، في المناطق المجاورة مما قد يشكل تهديداً على الحياة البرية.

وأكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في دراسة جديدة أن سوء استخدام المواد الكيميائية بشكل متزايد يتسبب بأضرار خطيرة على الصحة والبيئة خاصة في البلدان النامية، مثل دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي ترتفع فيها حالات المرض والإصابات الناجمة عن سوء استخدام المبيدات الحشرية في الزراعات الصغيرة.