نزيهة الدليمي عميدة الحركة النسوية العراقية
نزيهة الدليمي ناشطة عراقية وأول امرأة تتولى منصب وزاري في التاريخ الحديث للعراق، أبزر رائدات الحركة النسوية في بلادها، لها مساهمات عديدة في مجالي الطب وحقوق المرأة على مدار أكثر من خمسين عام.
مركز الأخبار ـ الطبيبة والناشطة العراقية نزيهة الدليمي أول امرأة تتولى منصب وزاري في تاريخ العراق الحديث والدول العربية، لها دور بارز في صياغة قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، وضعت بصمتها في مجالي السياسة والطب.
المرأة عنوان السعي والوصول
رهنت الناشطة نزيهة الدليمي حياتها لقضايا الشعب العراقي عموماً والمرأة خصوصاً، عرفت بأفكارها المستنيرة والديمقراطية ومعارضتها للحروب والفاشية، سعت خلال مسيرتها إلى العمل من أجل التحرر الوطني والسلام العالمي والدفاع عن حقوق المرأة العراقية وحماية الطفولة، مارست نشاطها في أدوار العلو والانحدار في عهود بلادها.
ولدت نزيهة الدليمي في مدينة بغداد عام 1923 وهي الابنة البكر لعائلة مكونة من ستة أطفال، تطور لديها حب النقاش والتفكير العميق على خلفية اهتمام والدها بتكوين فكرها الثقافي من خلال قراءة الكتب والصحف، درست مرحلتي الابتدائية والمتوسطة في مدرسة تطبيقات دار المعلمات النموذجية ثم انتقلت إلى الثانوية المركزية للفتيات التي تخرجت منها بدرجة تفوق وبذلك استطاعت الالتحاق بكلية الطب عام 1941 التي تأثرت خلال سنوات دراستها فيها بأفكار زملائها السياسية، وبعد تخرجها عملت في عدة مستشفيات منها الملكي ببغداد والكرخ وتنقلت بين المدن، واختيرت من بين عدة أطباء للمشاركة في بعثة لمشروع تقصي مرض البجل الذي انتشر في تلك الفترة في المناطق القريبة من مصادر المياه.
دعتها إحدى صديقاتها للتعرف عن قرب على نشاط "الجمعية النسوية لمكافحة الفاشية والنازية"، وقد كانت دائماً حريصة على الحضور والمشاركة في الندوات والفعاليات، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية تحولت الجمعية إلى "رابطة نساء العراق" وأصبحت نزيهة الدليمي عضو الهيئة الإدارية فيها وأصدرت مجلة تابعة للجمعية باسم "تحرير المرأة" اللتان أغلقتا بعد تسلم نوري السعيد الحكومة، فتنقلت بين الأحزاب السياسية وكان آخرها الحزب الشيوعي العراقي عام 1948.
نظراً لطبيعة عملها وتنقلها بين المدن العراقية في ظل مهنتها في مجال الطب أتيحت لها فرصة الاحتكاك أكثر بالناس وبالتالي بات لديها فكرة عن أحوالهم وأوضاعهم المعيشية خاصة المرأة حيث أعدت وثيقة عنها تحت اسم "المرأة العراقية"، وتبلورت لديها حاجة ملحة لإعادة نشاط "رابطة النساء العراقيات" وجمعت نحو 30 امرأة من الجامعيات والناشطات الاجتماعيات، وخلال مسيرتها المهنية تعرضت للعديد من المضايقات والتهديدات على خلفية نشاطها السياسي المنتقد لحكومة نوري السعيد.
في عام 1953 حضرت المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاغن وبفضلها باتت الرابطة العراقية عضواً في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي وعضواً دائماً في امانته العامة، كما شغلت نزيهة الدليمي عدة مناصب في الاتحاد آخرها نائبة رئيس الاتحاد وبقيت فيه قرابة العقدين ولعبت خلالها دوراً متميزاً في تطوير برامجه ونظامه.
عملت نزيهة الدليمي تحت ظل رابطة النساء العراقيات على النضال من أجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية وكذلك من أجل المرأة وتحقيق المساواة وحماية الطفولة، مع مرور الوقت أصبحت الرابطة الوجه المشرق للحركة النسوية العراقية، شجعها نجاح نشاط الرابطة إلى تقديم طلب لتأسيس "جمعية تحرير المرأة" لكنه قوبل بالرفض، لذلك قررت مواصلة العمل بشكل سري وتحت اسم "رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية".
وفي عام 1958 أي بعد نجاح ثورة 14 تموز/يوليو تمكنت من الإعلان عن تأسيس "جمعية تحرير المرأة" وتغيير اسمها إلى "رابطة المرأة العراقية" التي باتت تضم أكثر من 40 ألف عضوة قدمت خدماتها لشريحة واسعة من النساء، واستطاعت إيصال صوت المرأة العراقية وكذلك العربية من خلال المؤتمرات التي شاركت بها في مختلف الدول.
أول امرأة تتولى منصب وزاري في العالم العربي
ونظراً لدورها الفعال في حركة السلم والحركة الوطنية والنسوية التي نشطت أواخر العهد الملكي تولت في حكومة عبد الكريم قاسم منصب رئيس البلديات عام 1959 وبذلك تكون أول امرأة في تاريخ العراق الحديث والدول العربية تتولى منصب وزاري، وبدأت مرحلة جديدة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة فأسست "رابطة المرأة العراقية" وكان لها دور بارز في إعداد القانون 188 للأحوال الشخصية لعام 1959 الذي يعد أحد أهم القوانين تقدماً في المنطقة آنذاك خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين وجعل الزواج مدنياً يتم في المحاكم وتحديد العمر المناسب له والمساواة في الإرث.
بعد الخلاف الذي نشب بين رئيس الحكومة عبد الكريم قاسم وعدد من القادة العسكريين الذين كانوا يشكلون خطراً عليه، سُحبت منها الحقيبة الوزارية أثناء زيارتها للعاصمة الروسية موسكو حيث صدر بحقها حكم بالإعدام من قبل ما سميت آنذاك بمحكمة الثورة بينما قتل رئيس الحكومة على إثر الانقلاب العسكري عام 1963، لكن تم تخفيف الحكم عنها إلى المؤبد مع الأعمال الشاقة، لذلك اجبرت على البقاء في موسكو ثم انتقلت إلى العاصمة الألمانية برلين حيث التحقت بسكرتارية اتحاد النساء الديمقراطي العالمي كما أسست هناك "حركة الدفاع عن الشعب العراقي" التي على إثرها اسقطت عنها الجنسية العراقية مع 12 شخصية ثقافية وسياسية، ونشطت مع أعضاء من الحزب الشيوعي في الخارج ضد الانقلاب العسكري وحشدت الرأي العام لنصرة المرأة العراقية وفضح ما تعرضت له عضوات "رابطة المرأة العراقية" من اعتقال وتعذيب ومحاكمة تعسفية وإعدام.
ثم عادت إلى العراق بعد انقلاب 17 تموز/يوليو عام 1968 وصدور قرار عفو بحقها لتستأنف نشاطها في الحزب الشيوعي ولكن بشكل سري ثم علني بعد إبرام ميثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين حزبها وحزب البعث الحاكم، وأصبحت عضوة بمجلس السلم والتضامن الذي تمثلت قيادته الفعلية بحزب البعث وشخصيات شيوعية كانت تنتمي لمجلس السلم العالمي "هلسنكي"، إلا أن عمل المجلس لم يستمر بسبب تعطل الميثاق وكذلك استمرار حزب البعث في ملاحقة الشيوعيين.
عادت نزيهة الدليمي أدراجها إلى ألمانيا وساهمت باسم رابطة المرأة العراقية في الإعداد للمؤتمر العالمي للمرأة الذي عقد في برلين عام 1975 وشاركت في ندوة عدن العالمية من أجل السلام، وبفضل جهودها قُبلت الرابطة في الاتحاد النسائي العربي وتأسست فروع لها في البلدان العربية والأوروبية، بقيت في ألمانيا إلى أن توفيت عام 2007 عن عمر ناهز 84 عاماً بعد وعكة صحية جعلتها طريحة الفراش مصابة بالشلل لمدة خمس سنوات قبل وفاتها.