درية شفيق المرأة التي عطلت عمل البرلمان المصري

رائدة حركة تحرر المرأة المصرية، ينسب إليها الفضل في حصول النساء على حق الانتخاب والترشح في دستور مصر، درية شفيق مؤسسة دوريات أدبية وباحثة ومناضلة ضد الوجود البريطاني في مصر، حققت أبرز اللحظات التاريخية للحركة النسوية المصرية.

مركز الأخبار ـ نسوية مصرية وشاعرة ومحررة وواحدة من أبرز قادة تحرر المرأة في مصر في منتصف أربعينيات القرن الماضي، درية شفيق المرأة التي منحت المصريات حق التصويت بموجب دستور البلاد، اقتحمت البرلمان للفت الانتباه حول جدية قضايا المرأة ومطالبها.

 

طريقها إلى حق التصويت والانتخاب

درست درية شفيق من مواليد طنطا عام 1908 في مدرسة تابعة للبعثة الفرنسية وعندما بلغت سن 16 عاماً درست في مدرسة ثانوية للبنات في مسقط رأسها، وقد كانت من أوائل الفتيات المصريات اللاتي حصلن على درجة البكلوريا في المرحلة الثانوية، كما حصلت على منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم المصرية ومنحت فرصة الدراسة في جامعة السوربون بباريس، ومنها حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة بمؤهلات عالية، وكتبت أطروحتين الأولى دحضت الغايات النفعية التي ارتبطت بالفن المصري القديم، والثانية تجادل حول الاعتراف بحقوق المرأة المتساوية.

عندما عادت من فرنسا كانت تأمل أن تساهم في دفع تقدم عجلة التعليم، إلا أنه كونها امرأة ومتزوجة حالة دون منحها وظيفة تدريسية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، إلا أن الأميرة شويكار عرضت عليها منصب رئيسة "المرأة الجديدة" مجلة ثقافية وأدبية فرنسية موجهة إلى النخبة في البلاد، واكتسبت المجلة مكانة إقليمية، لكنها لم تستمر كثيراً في منصبها بسبب وفاة شويكار لذلك أصدرت أول مجلة نسائية ناطقة بالعربية وموجهة لتعليم المرأة المصرية وتثقيفها للقيام بأكبر دور فعال داخل أسرتها ومجتمعها، أطلقت عليها اسم "بنت النيل" التي صدر العدد الأول منها في عام 1945 وبيع على الفور.

بعد ثلاث أعوام أنشأت اتحاد بنت النيل للمساعدة في حل المشاكل الاجتماعية الأساسية للمرأة وضمان إدماجها في سياسات بلدها، إلى جانب عمله في محو الأمية من خلال إنشاء مراكز في جميع أنحاء مصر، إلى جانب إنشاء مكتب توظيف لطلبة الجامعات ونادي قدم حفلات ثقافية وندوات لرفع الوعي السياسي لدى النساء العاملات والشباب.

 

اقتحام البرلمان لحظة تاريخية

عام 1951 أسست درية شفيق وحدة شبه عسكرية موحدة تابعة لبنت النيل مؤلفة من نساء مصريات بهدف مقاومة وحدات الجيش البريطاني في قناة السويس وكانت على جاهزية تامة للقتال حتى أنها دربت عدد من النساء على التمريض للعمل في الميدان، وعلى أثر قيادتها مظاهرة نسائية ومحاصرتها فرع لبنك باركليز البريطاني في القاهرة والدعوة لمقاطعته تعرضت للاعتقال.

الاعتقال لم يكن كافياً لوضع حد لمسيرتها وفي لحظة وصفت بالتاريخية اقتحمت البرلمان سراً برفقة 1500 امرأة عام 1951، حيث قادت مجموعتين نسويتين رائدتين في مصر هما بنت النيل والاتحاد النسائي المصري، استطاعت بذلك مقاطعة جلسة البرلمان لمدة تزيد عن أربعة ساعات متواصلة، وظفرت بتعهد رئيس المجلس الأعلى للنظر بمطالبهن المتمثلة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة على رأسها حقها في التصويت وتولي المناصب، وتم اعتقالها على إثر ذلك بعد أن حصلت على الكثير من الوعود بأن الدستور الجديد سيكفل حق المرأة السياسي، لكن حقوق المرأة لم تشهد أي تحسن حيث أقسم الملك فاروق أن النساء لن تنلن حقوقهن ما دام هو ملكاً، إلا أن فعالياتها هذه منحتها مكاناً بين أكثر النساء تأثيراً في تاريخ العالم العربي.

ونظراً لدورها في النهوض بواقع المرأة المصرية طلبت الحكومة آنذاك من درية شفيق بعد ثورة عام 1952 تحويل اتحاد بنت النيل إلى حزب سياسي وأطلق عليه اسم حزب اتحاد بنت النيل أول حزب نسائي سياسي في مصر.

 

كتبت تاريخ المصريات في العصر الحديث

على خلفية إعداد لجنة شكلتها حكومة الثورة لا تضم ولو امرأة واحدة فيها لإعداد دستور مصري جديد عام 1954، فما كان من درية شفيق ورفيقاتها إلا أن أعلن إضراباً عن الطعام لمدة ثمانية أيام في نقابة الصحفيين، وأنهت بعد أن حصلت على وعد من الرئيس محمد نجيب أكد فيه أنه ملتزم بدستور يحترم حقوق المرأة ويكفلها، وبذلك حصلت المرأة المصرية على حق التصويت بشرط أن تكون متعلمة وهو ما لم يكن شرطاً أساسياً لتصويت الرجال وكذلك حصلت للمرأة على حق الترشح في الانتخابات العامة لأول مرة في تاريخ بلادها الحديث، بموجب دستور عام 1956.

حملة الإضراب عن الطعام أحدثت صدى في جميع أنحاء العالم، لذلك تمت دعوتها لإلقاء محاضرات في آسيا وأوروبا وكذلك الولايات المتحدة حول المرأة المصرية تحديداً، كما سافرت إلى فرنسا واليابان والهند وباكستان.

وبسبب الأوضاع السياسية المتغيرة في مصر بعد الثورة وانعدام النشاط السياسي الحقيقي، نظمت اعتصاماً في السفارة الهندية كونها بلداً محايداً احتجاجاً ضد سياسة نظام جمال عبد الناصر الذي وصفته بـ "الديكتاتور"، لذلك تعرضت لهجوم شرس من قبل الإعلام الناصري، كما أن نظامه أجبر الحلف النسائي الذي كانت قد دعمته إلى الانقلاب عليها إلى جانب طردها من حزب "بنت النيل".

ولعرقلة مسيرتها وإسكاتها قام جمال عبد الناصر بوضعها في الإقامة الجبرية في منزلها إلى جانب إغلاق مجلاتها المتداولة بعد إصدار تعميم بحضر اسمها من الصحافة والكتب، رداً على ذلك جربت إضراباً أخر عن الطعام لمدة ستة أيام، وبقيت في الإقامة لمدة 18 عاماً حتى دخلت في حالة اكتئاب حاد أودت بها لرمي نفسها عن الطابق السادس في أحد أيام عام 1975.

وبعد عقود على انتحارها كتبت عنها الناشطة فاطمة عبد الخالق في جريدة الأهرام "كان هناك وقت، كانت فيه درية شفيق الرجل الوحيد في مصر، لقد استطاعت منذ عام 1956 أن تخبرنا أننا في طريقنا إلى الديكتاتورية، لكن للأسف كنا مجموعة حمقى غاضبين".

دوى صوت درية شفيق جنبات العالم وملأت تصريحاتها دول عربية وأجنبية، أصبحت رائدة النسوية العربية عندما طالبت بحق المرأة في التصويت على حساب حريتها ومجلاتها وأموالها، إلا أن الأنظمة الديكتاتورية جعلتها تدفع فاتورة نضالها وجرأتها غالياً.