تأمين احتياجات الشتاء يؤرق حياة النازحات في إدلب
تضطر النازحات في إدلب لجمع قطع البلاستيك والألبسة البالية وأكياس النايلون، وغيرها من مواد أخرى يتم جمعها من مجمعات القمامة، لاستخدامها في التدفئة، رغم خطورة المواد المتطايرة والأبخرة التي ترافق عملية الحرق.
لينا الخطيب
إدلب ـ تواجه النازحات في إدلب تحديات مالية مضاعفة خلال فصل الشتاء، حيث تتعدد احتياجات أسرهن لتشمل الملابس الشتوية، ومصاريف التدفئة، والمستلزمات المدرسية، إضافة إلى الضروريات اليومية، وسط أوضاع اقتصادية صعبة، وارتفاع مستمر في الأسعار وتراجع كبير في القدرة الشرائية.
تقضي النازحة أسماء حكيم (41 عاماً) مع أسرتها شتاء آخر في مخيم كفرلوسين شمالي إدلب، وسط ظروف معيشية متردية، وغياب لأدنى متطلبات الحياة، وعن ذلك تقول "يمثل قدوم فصل الشتاء هماً كبيراً بالنسبة لنا، نتيجة ازدياد الاحتياجات وقلة الموارد والمساعدات اللازمة، مع انتشار البطالة وقلة فرص العمل".
ولفتت إلى أن للشتاء أعباء أخرى تتمثل في صعوبة تأمين احتياجات أبنائها المدرسية من قرطاسية وملابس، فضلاً عن صعوبة وصول الأطفال للمدارس، نظراً لوعورة الطرقات أو وجود طين فيها، ما يجعلهم مضطرين إلى تأمين وسيلة نقل لتوصيل الأطفال إلى صفوفهم لتلقّي التعليم، وهو ما يُرتب أعباء مالية جديدة عبر الاستعانة بوسيلة نقل مأجورة.
ما إن اقترب فصل الشتاء حتى بادرت سناء العدل النازحة من مدينة خان شيخون إلى مخيم عشوائي في بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي إلى ترميم خيمتها، وخياطة الشقوق فيها، وتجميع ما تستطيع مع أبنائها من مصادر الدفء، وتقول "يعتبر فصل الشتاء ضيفٌ ثقيل بالنسبة للنازحين أمثالنا، لأنه يحمل معه الأجواء الباردة والأمطار الغزيرة، وما يترتب على ذلك من فيضانات وانتشار الوحل والطين ودخول المياه إلى خيامنا، في ظل انعدام البنية التحتية ومصادر الدفء والطاقة".
وتضيف بحسرة "زوجي معتقل منذ أكثر من عامين، لذا أعمل طوال اليوم في الورش الزراعية لتأمين ضروريات الحياة لأبنائي الأربعة، وأعجز عن شراء الحطب بعد أن تجاوز سعر الطن الواحد منه أكثر من 170 دولاراً، ويعتبر هذا المبلغ مرتفع جداً بالنسبة لحالة الفقر السائدة بين النازحين، لذا نجمع العيدان والكرتون لنتمكن من إشعال المدفأة حين يشتد البرد".
وأشارت سناء العدل إلى أن أولادها الخمسة بحاجة لشراء الملابس الشتوية، ولكن الغلاء يمنعها من تأمين احتياجات أبنائها، واللجوء لمحلات الملابس المستعملة كونها أرخص ثمناً.
أما كريمة العثمان (66 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم كفريحمول شمالي إدلب، تطالب بعوازل مطرية ومواد تدفئة، وتقول إنه "فصل العذاب، حيث لا نعرف عنه البرد والغرق والنزوح إلا المجهول"، مضيفةً "أنا مريضة بالضغط والسكري، وأعيش لوحدي دون معيل، ومنذ بداية الهطولات المطرية تبللت خيمتي بمياه الأمطار، علماً أن جسدي الهزيل والمريض لا يحتمل البرد".
وتبقى الأمنية الوحيدة لـ كريمة العثمان رؤية أبنائها بعد أن فرقتهم الحرب، وأن تحصل على شقة سكنية تحفظ كرامتها وتؤمن لها متطلبات الحياة الكريمة أو حتى خيمة جديدة تحميها من برد الشتاء القارس.
من جهتها تحدثت علياء المحمد مديرة حالة في منظمة إغاثية، عن معاناة النازحين خلال فصل الشتاء، وتقول "يعيش النازحون والنازحات واقعاً مؤلماً في مخيمات التهجير مع كل شتاء يمر عليهم وهم في هذه المخيمات، واستمرار بقائهم فيها يعني المزيد من المآسي، وغياب حقوقهم في العيش الآمن ومستقبل أطفالهم في الحياة والتعليم والمسكن في ظل تفاقم الوضع الإنساني، وانحسار الأمل لديهم بالعودة الآمنة إلى منازلهم وقراهم".
وأشارت إلى أن المخيمات تفتقر إلى بنية تحتية ملائمة للتعامل مع الأحوال الجوية السيئة، حيث تتكرر معاناة النازحين مع كل موسم شتوي نتيجة ضعف تجهيز المخيمات وتدهور الوضع الإنساني، مطالبة المنظمات الإنسانية والجمعيات الإغاثية بتقديم الدعم الفوري، بما يشمل توفير مواد إغاثية عاجلة، وإصلاح الخيام المتضررة، وتحسين شبكات تصريف المياه.
وبحسب تقرير فريق "منسقو استجابة سوريا" عن ازدياد الاحتياجات الإنسانية التي تشهدها مناطق الشمال السوري، بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من 4.4 مليون نسمة، يشكل 80 في المئة منهم من القاطنين ضمن المخيمات، مشيراً إلى أن تلك الاحتياجات المتزايدة ترافقت بتزايد معدلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية وصلت إلى 88.82% بشكل وسطي.
وبحسب التقرير، فقد أجرى الفريق استبياناً في عدة مناطق من الشمال السوري شمل أكثر من 67 ألف نازح ومهجّر، ينتشرون في أكثر من 471 مخيماً، تركز حول احتياجاتهم الأساسية مع قدوم فصل الشتاء، مؤكداً أن 98% من الذين شاركوا في الاستبيان أكدوا على ضرورة تأمين مواد التدفئة وضمان استمرارها خلال أشهر الشتاء، في حين طالب 94% بتأمين دعم المياه داخل المخيمات وزيادة الكميات المقدمة، وعبّر 94% عن مطالبهم في ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية للنازحين ضمن المخيمات بالتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية للنازحين، فيما طالب 87% آخرون باستبدال الخيام التالفة نتيجة العوامل الجوية المختلفة، و92% طالبوا بتأمين عوازل مطرية داخل الخيام.
يشكّل برد الشتاء كابوساً جديداً يضاف إلى سجّلٍ حافلٍ بالمشكلات، فمع دخول فصل الشتاء، يبدأ القلق والخوف من الزائر الثقيل يتسلل إلى خيام وقلوب النازحات في مخيمات الشمال السوري، نظراً للكارثة التي تحل بهم في هذه الفترة من كل عام.