نساء تبحثن عن العدالة الجندرية وحلول لظاهرة التنميط المجتمعي

واحدة من أكبر الأزمات التي تنهك قدرة النساء تتمثل بالتنميط المجتمعي لدورها وحصره في أعمال المنزل وغيره من الممارسات التي صنفها المجتمع بأنها تليق بالمرأة دون الرجل والعكس.

أسماء فتحي

القاهرة ـ مسألة التنميط المجتمعي لأدوار النساء جعل عدد ليس بالقليل منهن يخضن معارك شبه يومية تحمل عنوان "برغم من أني امرأة لكنني أستطيع"، وأصبح عليهن العمل من أجل إثبات كفاءتهن ومواهبهن وإغناء سيرهن الذاتية بالدراسات والمهن ليقتنع من يراها أنها تستحق العمل ولها دور يختلف عن نمطية النظرة السائدة.

 

"مصيرك لبيتك"... عبارات تسعى لدحض رغبة الفتيات في مواصلة التعليم

"الست ملهاش غير بيتها وجوزها، وعبارات كثيرة أكره تفاصيلها لأنها أجهدتني في معركة إثبات الذات لسنوات طويلة ونالت من طاقتي وأدخلتني حروباً قاسية"، هكذا وصفت علياء فوزي (اسم مستعار) كفاحها للتخلص من المعاناة التي أثقلت كاهلها خلال رحلتها الدراسية والعملية لأكثر من 35 عاماً في إحدى القرى البعيدة عن العاصمة.

وروت جانب من معاناتها في مرحلة الدراسة قائلة "مصيرك لجوزك، واحدة من الجمل التي تدعو للإحباط واليأس، فكلما كنت أزيد من معدلاتي في المدرسة ويتم تكريمي فيها كلما كانت هذه العبارة تتكرر أكثر على مسامعي والأصوات تتعالى بها، وكأنه يحرم على الفتاة أن تطمح بعكس ما يرغب به أهلها ومجتمعها".

وأوضحت أن "الأمر الذي زاد من معاناتي في إثبات ذاتي هو رفض الارتباط بأحد أبناء عمومتي لرغبتي في الاستمرار بالدراسة، وكنت حينها في نهاية المرحلة الإعدادية وأتطلع للانتقال إلى المرحلة الثانوية ثم الجامعة، وإذا بعدد من أقاربي كانوا قد اجتمعوا من أجل إجباري على ترك الدراسة لأنها في نظرهم ستحول بيني وبين الزواج الذي يرونه المحور الرئيسي لحياة كل فتاة".

 

حروب دائمة تخوضها المرأة وجهد مضاعف في العمل والعدالة مفقودة

وأكدت علياء فوزي أن معاناتها لم تقف عند العراقيل التي كانت تحول دون تعلمها، فقد امتدت معاناتها التي طالت علمها في إحدى المؤسسات، حيث وضعت أمام كم هائل من الأسئلة وإشارات التعجب من مدير عملها الذي جسد النمطية بأول سؤال يوجهه إليها "كيف حصلتي على كل هذه المنح وأنتِ امرأة، وإلى اليوم أحصل على أجر هو قليل بالنسبة لما يحصل عليه أقراني من الرجال، على الرغم من أن مؤهلاتي العلمية أكثر بالإضافة للمنح الدراسية ومشاركتي في العديد من المشاريع الدولية، إلا أن مديري في العمل يعزي ذلك بأن هناك من يعق على عاتقه تحمل نفقتي على عكس باقي زملائي من الرجال الذي هم يعيلون أسرهم على حد قوله، حتى أنني حرمت من الترقيات في العمل بحجة أن بيتي وأولادي هم الأولى في نهاية المطاف وبالتالي لن أتمكن من تقديم العمل المناسب، وعلى الرغم من أنني في كل مرة أثبت قدرتي وجدارتي إلا أن ذلك دون جدوى".

وأضافت "الرجال هم من يحصلون على الفرص والأجر الأعلى وعلى الرغم من أنني دائماً أعاني من غياب العدالة إلا أن ذلك لم يدفعني إلى ترك عملي الذي وصلت إليه بعد معاناة طويلة لأثبت قدرتي على النجاح، لذلك أصبح من الصعب معاودة الأمر مرة أخرى فأغلب الشركات والمؤسسات يحكمها جانب ليس بالقليل من التمييز بين الرجال والنساء دون الاستناد لمعايير عادلة".

 

الثقافة عامل مؤثر والنساء تحتاج لدعم على أرض الواقع

أكدت عضو مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة نيرمين عيسى أنه يجب على المجتمع المدني أن يتكاتف لدعم النساء لنيل حقوقهن وتوعيتهن بمخاطر الخضوع للنمطية التي تغيب دور النساء وتعرقل مسيرتهن.

واعتبرت أن للإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة دور محوري وجوهري في تغيير النمطية المفروضة على النساء، وذلك من خلال تسليطها الضوء على النساء دورهن في تطوير المجتمع ونبذ تلك الأفكار المغلوطة حول قدراتهن وما يمكنهن تقديمه والأفكار الي تهدف للسيطرة على النساء وعرقلة تقدمهن.

وشددت على أن للعادات دور مفصلي في هذه المسألة فتنميط دور المرأة يبدأ من منزلها واقتصار دورها على القيام بالأعمال المنزلية وهو الأمر الذي يشجع المجتمع على التمييز بينها وبين الرجل في فرص الحياة والتعليم وغيرها، مما يتوجب العمل على تغييره من خلال المناهج التعليمية وتصحيح الصورة التي سبق ورسخت بشكل ممنهج وإثبات أن المرأة بجانب الرجل في كافة جوانب الحياة ولا فرق بين أدوارهما في المجتمع.

 

الواقع تغير كثيراً والنساء فرضن وجودهن بقوة

قالت نيرمين عيسى إن مواجهة النمطية بدأت فعلياً منذ عام 2004، عندما تم تأسيس محكمة الأسرة وبات للمرأة محكمة مختصة بقضاياها، وتلاها انطلاق مبادرة "المنصة من حقها" وبالفعل تم الحصول من خلالها على عدد من الأحكام وبات هناك وكلاء نيابة وقاضيات وأصبح للمرأة وجود في مختلف المناصب بلا استثناء.

وأكدت أنه تم مواجهة التنميط فعلياً عندما تمكنت المحاميات من الدفاع عن المرأة بعد غياب دام لسنوات عديدة، مضيفة أن وضع المرأة حالياً لا يختلف كثيراً عن الرجل فهي تملك الحق الكافي لسحب ملف النيابة العامة وهو يعد انتصاراً حقيقي نالته النساء بعد معارك قضائية متتالية.

وأضافت أن هناك عبء يقع على كاهل المرأة ألا وهو تحرير نفسها من تبعيات ذلك التنميط وأن تتحلى بالوعي الكافي بأنها تستحق الوقوف على قدم المساواة مع الرجل والتخلص من الأفكار السلبية التي زرعها المجتمع، وترى أنه من الضروري العمل على تسليط الضوء على دور المرأة داخل الأسرة الذي يعد أساس التنميط لذلك يجب توعيتها بموقفها ودورها الأسري النابع من كونها شريكة وليست طرفاً هشاً ومكملاً كما يراها البعض.

وكشفت نيرمين عيسى أن إحدى إيجابيات الأزمة الاقتصادية الأخيرة نوعت في مجالات عمل المرأة نتيجة نقص الفرص المتاحة، اقتحمت النساء عالم الرجال في سوق العمل وبتن يعملن بأيديهن في مختلف الحرف منها النجارة والحدادة وغيرها من الأعمال التي كانت تقتصر على الرجال دون النساء.