نماذج حية عن الحياة التشاركية تبرز في مخيمات النزوح
مهجرو عفرين رغم الظروف الصعبة مثلوا تجربة ريادية عن مفهوم الحياة التشاركية في المجتمع بمخيمات النزوح.

سيلفا الإبراهيم
الطبقة ـ يتّبع مخيم عفرين في مقاطعة الطبقة بإقليم شمال وشرق سوريا، نظام الأمة الديمقراطية في إدارة شؤونهم الحياتية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية والفنية، وتعتبر تجربتهم الفريدة من نوعها شكل مصغر عن نظام الإدارة الذاتية التي تستند على الحياة التشاركية.
يحوي مخيم عفرين ما يقارب 950 عائلة، وكأنها مدينة صغيرة ولدت مرتين من رحم الموت، مرة عندما تهجروا قسراً من مدينة عفرين ومرة عندما تهجروا من مدينة الشهباء، في كل مرة كانت العودة عهدهم، والتنظيم وسيلتهم، رغم ما عاشه أهالي عفرين من الهجرة القسرية وما تعرضوا له من انتهاكات من قبل الاحتلال التركي، إلا أن المقاومة القرار الذي لم يتراجعوا عنه يوماً.
التنظيم داخل المخيم... وأهميته بنسبة لشعب مهجر قسراً
تقول روزلين كوشان الرئيسة المشتركة لمخيم عفرين في مقاطعة الطبقة "عشنا خلال هجرتنا الثانية من مدينة الشهباء ظروفاً صعبة إلى حين تأمين المأوى للأهالي وحاجاتهم الأساسية، إذ بذلنا جهداً كبيراً وقمنا بعمل دؤوب على مدار ثلاثة أشهر أولى، وبعد مرور هذه المدة رأينا الحاجة لإعادة تنظيم أنفسنا داخل المخيم".
وأضافت "عندما ننطق بكلمة مخيم أول ما يخطر على أذهاننا هي المعاناة والجوع والمساعدات واليأس، إلا أن مخيمات عفرين سواءً في مقاطعة الطبقة أو في مقاطعة الجزيرة لا يشبه أي مخيمٍ آخر، فإن الأمل يشع من وجوه أطفالها، والإصرار لحياة أفضل يظهر على تفاصيل حياة قاطنيها، حتى الطاعنات في السن لم تيأسن من الظروف الصعبة، والخيم التي لا تقيئهم من حر الصيف، حتى مطالبهم تختلف عن غيرهم، فالتنظيم الذي رسخ في مخيم عفرين بالإمكانيات المتاحة في خضم 7 أشهر، لم يستطيع الاحتلال التركي العضو في حلف الناتو ترسيخه في عفرين التي يحتلها منذ حوالي 7 سنوات".
نسخة مصغرة عن الإدارة الذاتية
وبينت روزلين كوشان طبيعة التنظيم الذي يتحلى به المخيم "منذ اليوم الأول من دخولنا للمخيم نظمنا مجموعة من الكومينات بشكل إسعافي، ولكن بعد ثلاثة أشهر أعدنا تنظيمها بشكل أفضل، فكل كومين مسؤول عن حي في المخيم، فهو يتألف حالياً من 6 كومينات، وكل كومين يديره رئاسة مشتركة أي رجل وامرأة إلى جانب أعضاء كل عضو مسؤول عن لجنة، كلجنة الصلح والمرأة، والصحة وشؤون الاجتماعية والعمل، فضلاً عن المبادرات الذاتية كتشكيل فرق فنية وموسيقية لأن الفن والموسيقى تعبر عن عراقة ثقافة عفرين ونريدها أن ترافقنا أينما ذهبنا ومتى ما عدنا".
وقالت "لربما التنظيم ليس بالمستوى الذي نطمح إليه بسبب الظروف التي تفرض نفسها، إلا أن شعباً يتهجر مرتين ويعود لتنظيم نفسه فهو إنجاز عظيم، ونظام الكومين والمجالس هو الأكثر فعالية في تنظيم المجتمعات".
وعن أهمية التنظيم في مثل هذه الظروف، أكدت أن "المجتمعات التي تفرض عليها الحرب تتشتت، ويأتي أهمية التنظيم من هذا المنطلق لأن في مثل هذه الحالات المجتمعات غير المنظمة تكون فريسة للحرب الخاصة بعد الحرب العسكرية، وإيماناً منا بأهمية التنظيم ولحماية المجتمع من التشتت نتخذ التنظيم أساساً لنا، ونحن نعلم جيداً شعبنا ملاحق من قبل الاحتلال التركي، فقد هجرنا مرتين من أرضنا ولكنه لا يكتفي، ويستهدف الفئة الشابة وكذلك النساء في حربه الخاصة بالعديد من الوسائل ولحماية مجتمعنا ونسائنا وشبابنا من هذه السياسة التي تلاحقهم نولي أهمية كبيرة إلى التنظيم"، مؤكدة أن "التنظيم يعزز الوحدة والقوة بين أفراد المجتمع خصوصاً عندما تكون حقوقنا مسلوبة كأرضنا، فإعادة أرضنا يلزمها القوة والوحدة".
العودة التي يرجوها أهالي عفرين
وعن العودة التي يرجونها، أشارت روزلين كوشان إلى أنه "نعيش ظروفاً صعبة في المخيم إلا أننا لا نقبل بالواقع الذي فرضه الاحتلال التركي على عفرين وهذا ما يمنعنا من العودة إليها، فمن تذوق طعم الحرية لا يقبل بالعبودية فإن لم تتوفر لنا عودة آمنة وكريمة، تصان فيها حقوقنا وحرياتنا ولغتنا وهويتنا لا نقبلها".
وعبرت عن عدم ثقتها بالاحتلال التركي "كيف نعود والاحتلال التركي لا يزال موجوداً في عفرين؟ نحن نعرف المحتل وسياسته جيداً ولا يمكن أن نثق به بهذه السهولة، لذا عودتنا بحاجة لضمانات وليس وعود شفوية"، متطرقة بذلك إلى البعض من الحالات الفردية "مؤخراً غامر البعض بالعودة إلى عفرين وخصوصاً المسنين والمسنات الذين لم يعد يتحملوا البعد عن تراب أرضهم، كانوا يظنوا أن عفرين كما قبل 2018 إلا أنهم انصدموا بالواقع الذي كان موجوداً، والكثير من العائلات عادوا إلى الخيم لأنهم لم يستطيعوا تقبل ذلك الوضع".
تنظيم المرأة وسيلة للنهوض بالمجتمع في مختلف الظروف
عريفة بلال إدارية في لجنة المرأة بمخيم عفرين في مقاطعة الطبقة، تقول إن "المرأة أساس المجتمع لأنها تحمل مسؤولية العائلة بأكملها، وتعتبر مدرسة في أسرتها، وخصوصاً على صعيد إنشاء الأطفال وطرق تربيتهم وتدريبهم وهي المعنية بترسيخ الثقافة والأخلاق والسلوك الحميدة بالطفل الذي يمثل الجيل الصاعد والمستقبل"،
وأضافت "هذا ما يجعلنا نولي الأهمية لتدريب النساء وتنظيمهم لأنها الوسيلة لتنظيم المجتمع بأكمله"، ذاكرة بذلك مقولة القائد عبد الله أوجلان حول أهمية تدريب المرأة وتحريرها "إذ لم تتحرر المرأة لا يمكن تحرير الوطن أيضاً".
وبينت أن "المرأة المدربة يمكنها أن تقود بلادها، ونحن بصدد العودة إلى عفرين، ومن المهم أن يرفع من سقف الوعي والتثقيف والتنظيم لدى المرأة كيلا تكون عرضة للحرب الخاصة والسياسات التي يتبعها الاحتلال، فالمرأة غير المدربة تباد وتقتل لأنها تفتقد وسائل الدفاع والحماية والتنظيم. التنظيم والتدريب والتنسيق بين لجان المخيم والمجلس كاللحم والعظم مترابطان ولا يمكن فصلهما عن بعضهما".
ولفتت إلى أن هذا التنظيم ليست التجربة الأولى بالنسبة لهم "قبل أن نهجر من مخيم الشهباء أيضاً كنا منظمين وندير نفسنا بأنفسنا، ونحل قضايانا ومشاكلنا الاجتماعية بأنفسنا لأنها مسؤوليتنا، فكما بناتنا وأبنائنا يسهرون لحمايتنا في الجبهات الأمامية للقتال، نحن هنا ننظم أنفسنا وندير مجتمعنا".
الكومين أساس الهيكلية التنظيمية في المخيم
بينما تقول نزيفا أحمد الرئيسة المشتركة لكومين أحد أحياء المخيم "الكومين أساسه يعني التجمع، أي نرسخ مفهوم الجماعي والتشاركي بين الأهالي ونقدم المساعدة لهم وتلبية حاجتهم، الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، كما نساهم في حل مشكلات الأهالي وعندما نعجز عن إيجاد الحل نرفع المشكلة للمجلس ليقوم بدوره بحلها، بهذه الهيكلية يتيح للمجتمع حل مشكلاته بنفسه، لا يقتصر على الكومين فقط تسير أمور الأهالي داخل المخيم بل يحمل على عاتقه تدريبهم أيضاً عبر تنظيم اجتماعات وتدريبات للرفع من مستوى الوعي لديهم".
ولفتت إلى المصاعب التي يوجهونها داخل المخيم وما يحفزهم على الاستمرار "لا نستطيع أن نحتمي من الحر في الخيم، ورغم جميع المصاعب مصرين على مقاومة كافة الظروف حتى العودة لمدينة عفرين".
ويعد نظام الكومين والمجالس الهيكلية التي يستند إليها مشروع الإدارة الذاتية في ترسيخ مفهوم الحياة التشاركية، ويعتبر النظام المطبق في المخيم شكل مصغر عن نظام الإدارة الذاتية الذي يمثل جسد النظام، بينما الأمة الديمقراطية تمثل لها الروح، واللافت للانتباه هو الدور الريادي للنساء في هذا النظام وتطبيق نظام الرئاسة المشتركة، فضلاً عن اللجان الخاصة بالمرأة داخل الكومينات.
ويتبين بتجربة مهجري عفرين الذين اختاروا التنظيم في جميع الظروف القاسية التي مروا بها، قدرة المجتمعات على إدارة ذاتها والدفاع عن نفسها والنهوض بواقعها في جميع الأوقات، دون الحاجة لأي جهة تديرها من الخارج.