الرقة والذاكرة السوداء... الجانب المؤلم لمجزرة شنكال
الإيزيديات من مجزرة شنكال إلى أسواق النخاسة رحلة من بين أنياب الموت صنعت منهن ثائرات حرائر.

سيلفا الإبراهيم
الرقة ـ وضعت روحها بين كفيها وغامرت بتحرير النساء الإيزيديات من قبضة داعش رغم جميع المخاطر التي أحاطتها، واعتبرت المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري والسويداء نسخة جديدة لذهنية داعش ولكن بشكل جديد.
مع انتشار داعش في سوريا والعراق اتخذ من مقاطعة الرقة بإقليم شمال وشرق سرويا كعاصمة لخلافته لعدة أسباب منها موقعها الاستراتيجي حيث كانت تتوسط جغرافياً للمناطق التي كان يسيطر عليها، وقد شهدت ساحات هذه المدينة على الجرائم التي ارتكبها داعش، وكانت المدينة التي اقتديت إليها المختطفات الإيزيديات اللواتي تعرضن لمجزرة في 3 آب/أغسطس 2014.
تقول زليخة مسلم من سكان مقاطعة الرقة والتي واكبت حقبة سيطرة داعش وكانت شاهدة على الجرائم التي ارتكبها، إن نساء شنكال بعد الإبادة التي تعرضن لها أصحبن ثائرات ورائدات في إدارة وتنظيم وحماية مجتمعهن.
داعش وأساليبه بقتل النساء
مع اندلاع الأزمة السورية وتعاقب الفصائل على مقاطعة الرقة كجيش الحر وبعدها جبهة النصرة ومن ثم داعش، اعتبرت فترة سيطرة داعش الأكثر دموية في تاريخ الرقة، وتضيف زليخة مسلم "فرض داعش الكثير من الأحكام التعسفية على أساس التطرف الديني على المدينة وكان للمرأة الحصة الأكبر من هذه المعاناة، وكانت هناك مجموعات مخصصة من النساء تدعى بالحسبة مهمتها متابعة النساء وجلدهن في حال عدم الالتزام بقوانينهم".
وقد شهدت بعينيها على حالتين تعذيب لنساء فكانت إحداها جلد امرأة خمسين جلدة ودفع غرامة مالية بسبب ظهور عيناها من تحت الغطاء الأسود، بينما الحالة الأخرى كانت جارتها التي رآها داعش حينما كانت ترضع طفلها المريض وهي عائدة من الطبيب، ورغم عدم ظهور أي شيء من جسدها، ولكن قد تقصدوا أذيتها فخيروها بين عقوبتين الأولى الجلد والأخرى العض، وبسبب عدم معرفة جارتها بعقوبة العض اختارت العض ظناً منها أقل عنفاً ولكن عقوبة العض كانت قطعة حديد مفصلة على شكل فك الإنسان، حيث ضغطوا بها على ثديها اليسرى مكان القلب حتى فقدت حياتها، بهذه الحالتين اختصرت زليخة مسلم وحشية داعش في الرقة، فضلاً عن حالات القصاص لرؤوس وأطراف.
زليخة ورحلتها في تحرير الإيزيديات
ولفتت زليخة مسلم إلى أنه في 3 آب/أغسطس 2014 أثناء ارتكاب داعش مجزرة بحق المجتمع الإيزيدي في شنكال، قاد خلالها داعش الإيزيديات اللواتي تم اختطافهن لمقاطعة الرقة واتخذوا منهن سبايا وباعوهن في سوق النخاسة "قاد داعش النساء الإيزيديات إلى إحدى المدارس وكانوا يقوموا بجلبهن على شكل دفعات إلى السجن وبيعهن لأمراء داعش مقابل مبالغ مالية بقيمة الدولار الأمريكي"، لم تقف زليخة مسلم مكتوفة الأيدي حيال الانتهاكات التي كان يمارسها داعش بحق الإيزيديات بل خاطرت بحياتها لتغير الواقع الذي فرضه داعش عليهن.
وتقول "مع سيطرة داعش على الرقة بدأوا بالدخول إلى منازل جيراننا وفي الحي الذي كنت أقطنه، حاولت الاختلاط معهم بهدف معرفة معلومات عن تواجد النساء الإيزيديات، ونجحت في ذلك بمساعدة زوجي"، واستطاعت زليخة مسلم وزوجها إخراج امرأتين إيزيديتين برفقة أطفالهما من منازل داعش.
الذاكرة السوداء لدى الإيزيديات
وقد سردت زليخة مسلم حكاية إحدى الإيزيديات التي حررتها والتي جاء على لسانها أنه "أثناء وقوع المجزرة البعض منا قتل والبعض الآخر توجه للجبال والبراري بينما نحن اختطفنا واقتادونا إلى الرقة، وزجونا في إحدى السجون، وفي ساعات الليل فتح باب السجن وتوجه الأمير إلى الزنزانة وأشار بيداه نحوي، وطلب تعرية جسدي بالكامل كي يشتريني في حال نلت إعجابه، وقاموا بتعري جسدي رغماً عني وقام بشرائي بعدها، وبقيت عنده لمدة 15 يوماً، وبعدها قام ببيعي لأميراً آخر، وذاك الأمير لديه زوجة وأطفال مسبقاً، وتعرضت على يديه لعنف جسدي ونفسي، واغتصاب كل ليلة لأني كنت أرفض جميع هذه التجاوزات، وبقيت معه لمدة 4 أشهر، وبعدها أراد أن يتزوجني لأصبح زوجته، وقرر أن يجلب لي خادمة، وعندما جلب خادمة لأنصدم بأنها عمتي وطفليها، وقد قتل ذلك الأمير في تل تمر أثناء ارتكاب المجازر بحق الأرمن، وفضلاً عن العداء والظلم الذي كانت تمارسه زوجة ذلك الأمير بحقهن".
وقد استطاعت زليخة مسلم وزوجها إخراج تلك الإيزيدتين من مقاطعة الرقة إلى المناطق التي كانت بحماية وحدات حماية المرأة والشعب آنذاك، وبعدها استطاعت تحرير اثنتان آخران.
الإصرار رغم جميع المخاطر
وقد تعرضت صديقات زليخة مسلم اللواتي كن يتشاركن في تحرير الإيزيديات للاعتقال، والتي هددت بالقصاص، بينما هي وزوجها كانا ملاحقان من قبل داعش إلا أنهما كانا مصران على تحرير الإيزيديات من قبضة داعش، وقد استطاعا خلال فترة وجيزة تحرير 12 امرأة وما يقارب 13 طفلاً إيزيدياً، إلى أن أصدر داعش قرار بإخراج جميع الكرد من الرقة، وقد خرجت هي وزوجها إلى مدينة كوباني ليتوجهوا بعدها إلى رأس العين/سري كانيه.
وكان يستخدم داعش الملعب البلدي كسجن، وتحت مدرج الملعب كان سجن الإيزيديات، ولا تزال آثار التعذيب ووسائلها شاهدة على وحشية داعش، بينما دوار "النعيم" كان يتم فيه عمليات القصاص، والآن يعتبر المعلب البلدي المكان الذي يطلق منه الفرح والبهجة فجميع المناسبات الوطنية تقام في المعلب، كذكرى تحرير مقاطعة الرقة وعيد نوروز ويوم العالمي للمرأة، كردٍ على سنوات الظلم التي شهدها الملعب البلدي، وقد عرف الملعب بحقبة سيطرة داعش بالملعب الأسود.
وأشادت بالمستوى التي وصلت له الإيزيديات بعد الإبادة التي ارتكبت بحقهن "اليوم الإيزيديات أصبحن ثائرات، ورائدات في مجال التنظيم والدفاع والحماية، وشبهت زليخة مسلم المجازر التي ارتكبت بحق الطائفتين الدرزية والعلوية في السويداء والساحل بمجزرة شنكال، لإتباعهم نفس الذهنية وهو القتل على أساس الدين والطائفة، وخصوصاً جرائم القتل والإعدام الميداني، بحق الأطفال والنساء".
وأكدت زليخة مسلم أن "العالم غض النظر عن هذه المجازر والإعلام لم يبرز حقيقة ما عاشته هذين الطائفتين لتستر عليها إلا أن بشاعة المجازر التي ارتكبها جهاديي هيئة تحرير الشام لم تختلف عن مجزرة شنكال، ورأينا ذلك من خلال فيديوهات مصورة التي تم تداولها على مواقع التواصل الافتراضي".