مغارة التيس حكاية الأساطير والتاريخ المنسي في قلب الباغوز

من أسطورة التيس العائد من الزمن إلى بوابات يعتقد أنها تصل بين حضارتين يفتح هذا المعلم الطبيعي "مغارة التيس" نافذة على إرث غني يستحق أن يروى.

زينب خليف

دير الزور ـ في ركن منسي من الجغرافيا السورية، تتوارى مغارة التيس في قلب بلدة الباغوز، كأنها سرّ قديم ينتظر من يكتشفه، فبين الصخور وهمسات الريح، تقف هذه المغارة شاهدة على حكايات تتناقلها الأجيال تجمع بين التاريخ والأسطورة، وتخفي في أعماقها أسراراً لا تزال عصيّة على الفهم.  

في عمق إقليم شمال وشرق سوريا، حيث تلامس الطبيعة حدود الخيال، وتتعانق الجبال مع التاريخ، تقف مغارة التيس كمعلم أثري وأسطورة حيّة في بلدة الباغوز، البلدة المعروفة بسحرها الطبيعي وتاريخها العريق في سفح جبل العرسي، الذي يهيمن بهدوء على المشهد، ترقد هذه المغارة التي ظلت لعقود طويلة محور روايات متناقلة من جيل إلى آخر، حاملة في طياتها رموزاً، وأسراراً، وربما كنوزاً.

 

جولة في عمق الغموض

صافية الأحمد إحدى نساء بلدة الباغوز بإقليم شمال وشرق سوريا المهتمات بالتاريخ والتراث، قالت أنه داخل مغارة التيس، تتداخل الجغرافيا مع الميثولوجيا، ويصعب التمييز بين الحقيقة والخرافة، مبينةً أن هذه المغارة "ليست فقط تجويفاً في الجبل، بل بوابة إلى عالم آخر، عالم لا زال يحتفظ بأسراره رغم مرور الزمن".

وترتبط تسمية المغارة بأسطورة شعبية شهيرة في المنطقة، تروي أن راعياً صغيراً كان يرعى قطيعاً من الماعز، هرب منه تيس ودخل إلى المغارة، وعندما تبعه الراعي، غاب كلاهما عن الأنظار، وبعد وقت طويل، خرج التيس وقد غطى البياض شعره، وكذلك الطفل الراعي شاب رأسه، كأن الزمن داخل المغارة يسير بمعيار مختلف، أو أن هناك ما يثير الرعب.

 

موقع استراتيجي وعمق أسطوري

وبينت صافية الأحمد أن المغارة تمتد على مساحة تزيد عن 8 كيلومترات، وتتخللها ثماني بوابات، وفق روايات محلية، ويقال إن إحدى هذه البوابات تؤدي إلى منطقة الرمادي داخل الحدود العراقية، ما يعطي الموقع بعداً استراتيجياً وجغرافياً هاماً، باعتباره ممراً بين بلدين وحدوداً بين حضارتين.

داخل المغارة، يمكن رؤية رسوم ورموز منقوشة على الجدران الصخرية، يعتقد أنها تعود إلى عصور قديمة وربما إلى حضارات مثل مملكة مارديني أو مملكة ماريا، إلا أن هذه الرموز لا تزال عصيّة على الفهم، وتنتظر من يفك شيفرتها.

وتقول صافية الأحمد أن كل خطوة إلى الداخل تكشف عن جوف غامض، فالظلام يزداد، والهواء يقل، والممرات تزداد ضيقاً كأنك تدخل قلب الأرض نفسها "هذا المكان ليس مجرد كهف إنه تاريخ مخفي، وربما كنز من الكنوز".

 

الأساطير لا تنتهي

ولفتت إلى أن الروايات حول المغارة لا تقتصر على قصة الراعي والتيس "هناك من يقول إن المغارة كانت مخبأً للكنوز، ومنهم من يرى أنها كانت ملاذاً للهاربين من العدالة عبر القرون، لما توفره من حماية طبيعية ومنافذ سرية يصعب تعقبها وتنتشر إشاعات محلية عن وجود كنوز مدفونة، وقوى غامضة تحرس المكان، تجعل من الاقتراب من بعض أجزائها مغامرة محفوفة بالخطر".

 

دعوة لحماية الإرث

وجهت صافية الأحمد نداء إلى الجهات المعنية بالآثار والتراث في إقليم شمال وشرق سوريا لإرسال بعثات تنقيب وبحث علمي إلى الموقع، ودراسته بشكل دقيق، وإدراجه ضمن قائمة المواقع الأثرية الهامة في سوريا "هذا الموقع يستحق أن يكون مقصداً للعلماء والباحثين، كما يستحق أن يعرفه الناس، فهو جزء من هويتنا وذاكرتنا الجمعية".

كما دعت إلى تنظيم فعاليات ثقافية واجتماعية تخص المرأة في محيط هذه المعالم الأثرية مؤكدة أن "المرأة ليست فقط راوية الحكاية، بل صانعة للتاريخ، وها نحن اليوم نستعيد تلك الحكايات من قلب المغارة، لنبني عليها وعياً جديداً بقيمة المكان والإنسان".

بين الأسطورة والتاريخ، تقف مغارة التيس شامخة، شاهدة على حضارات اندثرت وأسرار لم تُكشف بعد. في الباغوز، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، تدعونا هذه المغارة للتأمل، للبحث، ولحماية ما تبقى من كنوز الذاكرة.