"الفتاة المعجزة" فيلم من غزة يحصد المركز الأول عالمياً تحت الإبادة

"الفتاة المعجزة" فيلم فلسطيني ينتزع الجائزة الكبرى من وسط الإبادة الجماعية؛ ليكون شاهداً على صلابة نساء غزة اللواتي يُجسدن البطولة في أبهى صورها.

نغم كراجة

غزة ـ رغم الدمار والحصار، خرج صوت غزة عالياً عبر فيلم فلسطيني قصير حمل عنوان "الفتاة المعجزة"، ليفوز بالجائزة الكبرى في مسابقة دولية أطلقتها مؤسسة "كونكت هير" العالمية، والتي تهدف إلى دعم الأفلام الوثائقية التي تُعنى بقضايا المرأة خاصةً في بؤر النزاع والصراعات المسلحة.

من بين خمسين فيلماً متنافساً خطف "الفتاة المعجزة" الصدارة، مجسداً رواية صمود فردي لفتاة فلسطينية واجهت أقسى الأوضاع، ولم تسمح للمآسي أن تطفئ وهج حلمها.

 

راما الدريملي... الطفلة التي عادت من الموت

في عمر السنة والنصف، كانت راما الدريملي البالغة من العمر ٢٢ عاماً على موعد مع مأساة كبيرة، اندلع حريقٌ مروّع التهم وجهها وكفّيها وأغلب أصابعها حتى أن الحروق بلغت من شدتها ما تجاوز التصنيفات الطبية المعروفة.

اعتقد الجميع أن هذه الطفلة لن تعيش، إذ أمضت أياماً طويلة في العناية المكثفة، والجميع يترقب أنفاسها الأخيرة إلا أنها استيقظت فجأة من غيبوبتها، لتخطّ أول سطر في قصة معجزة لم تكتمل بعد.

تروي راما الدريملي، ونبرة القوة تملأ حديثها "استيقظتُ من رمادي، كانت كلّ خليةٍ في جسدي تصرخ بالحياة. لم أكن مجرّد ناجية من الحريق، كنتُ بداية حكاية عنوانها الإصرار، وجوهرها أن أكون أكبر من كل ألمٍ زرعوه في جسدي الصغير".

رغم أن آثار الحريق ظلّت ظاهرة على ملامحها، رفضت الخضوع لعمليات تجميل كانت كفيلة بإخفاء الندوب، لم تخجل يوماً من وجعها المرسوم على وجهها بل رأت فيه وسام نجاةٍ لا يُمحى، وتتابع "حين نظرتُ إلى نفسي، رأيتُ سيدة المعركة. كل ندبةٍ كانت شهادة انتصار على موتٍ كان يزحف نحوي، لم أرد لشيء أن يمحو الحقيقة التي كُتبت على جسدي، اخترت أن أكون أنا كما أنا، بلا رتوش ولا قناع".

ورغم التعليقات الجارحة والمواقف القاسية التي تعرضت لها خلال نشأتها ومراحل دراستها، لم تسمح للسخرية أو نظرات الشفقة أن تهزمها، أصبحت تتفنن باستخدام أدوات التجميل ببراعة، تبتكر لمسات تُبرز جمالها الخاص، وتُخفي آثار الحريق بطريقة فنية مدهشة تجعل الناظر إليها يندهش من اتساق ملامحها.

 

 حين التحقت الحرب بالوجع

لم تكد غزة تفيق من جراحاتها حتى اجتاحتها الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عاشت راما الدريملي تفاصيل الجوع، والنزوح القاسي، وانقطاع الماء والدواء، ولم يكن لها إلا الصبر سلاحاً لمواجهة أيامٍ خنقتها الحصار والمآسي.

تروي وعيناها تلمعان بالعزم "حين انقطع الغاز، اضطررتُ إلى الطهي على الحطب، كنتُ أتحسس النيران على وجهي الذي من المفترض ألا يتعرض لحرارة، ورغم الألم المبرح لم يكن خياراً بل كان قدراً فرضته علينا قسوة الحرب، كنتُ أنقل الماء بأصابعي الثلاثة المتبقية بصعوبة بالغة، فأنا وحيدة هنا، بعد أن افترق أشقائي بين المنافي وغبار النزوح".

ورغم ذلك لم تتوانَ عن العمل، كانت تتنقل من حيٍّ إلى آخر تحت الشمس الحارقة والقصف الهمجي، متحدّية المخاطر التي كانت تترصّد خطواتها؛ لتكمل عملها عبر منصات العمل الحر محاولةً تأمين القوت لعائلتها العالقة تحت وطأة الحصار.

وتقول "نحن لسنا مجرد أرقام تُعدّ في نشرات الأخبار، ولا قصص مأساوية تمرّ على عجل، نحن شعبٌ يحترف النهوض كلما ظنّ العدو أنه أجهز علينا، أنا ابنة غزة، ابنة الوجع والصبر، ابنة النار والضوء، اخترت أن أكتب قصتي بيدي، رغم أن أصابعي احترقت في طفولتي، واخترت أن أزرع أملي في أرضٍ ما زالت تتلوّن بالدم، سأظل أسير في طريقي مهما تعثرت، لأنني آمنت أن كل خطوة ألقيها فوق هذا الركام، إنما هي صرخة في وجه العالم: بأننا هنا، باقون، نحيا، ونحلم، وننتصر".

 

نبذة عن فريق الفيلم

"الفتاة المعجزة" فيلم فلسطيني من غزة، تولّت فكرته وتصويره ديما زهد، وساعدتها مرام عليان في التصوير، بينما كتبت السيناريو زهرة قصاص، ليخرج العمل شاهداً على صمود المرأة الفلسطينية وسط الحرب والدمار، وينتزع الجائزة الكبرى في محفلٍ دولي مرموق.

يروي الفيلم الذي بلغت مدته 6 دقائق و41 ثانية، قصة فتاة تحدّت الموت منذ طفولتها، وواجهت أهوال الإبادة الجماعية بصبرٍ وعزيمةٍ خارقة؛ لتصبح رمزاً لإصرار النساء الفلسطينيات على الحياة بالرغم من كل محاولات القتل والتهميش.

ورغم فوز الفيلم بالمركز الأول وسط أكثر من خمسين عملاً متنافساً، إلا أن الحرب والحصار المفروض على قطاع غزة حرما راما الدريملي وفريق العمل بأكمله من حضور حفل التكريم؛ ليبقى إنجازهم صرخة صادقة تتخطى الجغرافيا والأسلاك الشائكة نحو العالم أجمع.

 

النساء الفلسطينيات صانعات الضوء وسط العتمة

في قلب العاصفة، كانت النساء والفتيات الفلسطينيات شعلة لا تنطفئ، حملن على أكتافهن بقايا الأمل حين عجزت الأرض عن حمله، وجعلن من أنقاض البيوت قصائد عزيمةٍ تليق بتاريخ شعب لا يعرف الانكسار، لم تكن قصصهن مجرّد حكايات فردية، بل كانت شهادة خالدة على أن المرأة الفلسطينية، مهما طال ليل الحصار، ومهما أثقلت الحرب كاهلها بجراحٍ لا تُرى، تظل قادرة على الخلق والمقاومة، وتعيد رسم الحياة بأصابعٍ أنهكها الألم، لكنها لم تعرف يوماً اليأس.

من راما الدريملي إلى كل فتاة فلسطينية انتزعت حقها في الحلم من بين أنياب الموت، تتدفق الحكايات كأنهارٍ لا تعرف الجفاف، ليبقى اسم المرأة الفلسطينية محفوراً في ذاكرة العالم رمزاً للصلابة، والوفاء، والقدرة على مواصلة الطريق مهما غلُظت جراحه.