لماذا تُستهدَف الناشطات في سِنَّه؟
في سنه، المدينة التي شهدت سنوات من نضال النساء في الدفاع عن المتضرّرين، تجد الناشطات أنفسهن اليوم في مرمى الهجوم والتهميش، أولئك اللواتي قدّمن الدعم، أصبحن اليوم بحاجة إلى من يدعمهن.

ماريا قديمي
سنه ـ في مدينة سنه بشرق كردستان، باتت الإهانة الممنهجة للنساء الفاعلات في المجال الاجتماعي سلوكاً معتاداً، يُمارس بدلاً من أن يُستبدل بالتكريم والتقدير، يُستهدفن بالتشهير، وتُنتهك خصوصيتهن وحياة أسرهن دون رادع، لا القانون ولا مؤسسات المجتمع المدني في كردستان قد أدّيا دوراً حاسماً في التصدي لهذه الكارثة، وفشلا في إخمادها قبل تفاقمها.
تُظهر الحقائق أن النساء ما زلن تواجهن انعدام الأمان، سواء من المؤسسات الرسمية أو من المجتمع الأبوي الذي يكرّس الإقصاء بدلاً من تعزيز التضامن، وفي الوقت ذاته تجد العديد من النساء اللواتي كرّسن حياتهن لخدمة المتضررات، ورعاية الأطفال الأيتام، ومساعدة من يعيشون ظروفًا قاسية من المشرّدين أو مدمني المخدرات، أنفسهن اليوم ضحايا لحملات إعلامية وهجمات لفظية من جهات لا هدف لها سوى التدمير والنيل من جهودهن.
في زمن كان يُفترض فيه أن يُثمَّن النضال المدني ويُحمى المدافعون عن حقوق النساء، يختار البعض السير عكس هذا المسار، ضاربين القيم الإنسانية بعرض الحائط، محوّلين التشهير خصوصاً بحق الناشطات إلى وسيلة للصعود الذاتي عبر إذلال الآخر.
أسئلة بلا إجابات حول مسار النضال
آلاف الأسئلة تبقى دون إجابة، وربّما تُستشفّ خيوطها فيما لم يُقال، في صمت النساء المُرّ، ومقاومتهن الساكنة، لماذا يُحرف مسار النضال الذي كان من المفترض أن يمهد الطريق لتحرير المرأة وحياتها؟ من المستفيد من هذا الانقلاب وما هي المصالح التي يخدمها؟ لماذا أصبحت المرأة مجدداً محور الهجوم؟ هل يُمثّل الحضور الفعال والصوت المستقل للمرأة صرخة استغاثة من أجل بقائها ومصالحها؟
لا تزال آلاف الأسئلة بلا إجابات، وقد تكمن إجاباتها في كلمات النساء غير المنطوقة، وفي صمتهن المرير ومقاومتهن الصامتة.
النظام الأبوي وراء الهجمات
تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة سميرم راستي "قبل كل شيء، لا بد أن أقول إن الذكورية متجذّرة بعمق في مجتمعنا، إذ لا تفسير لحجم العنف الموجّه ضد النساء سوى هذه الحقيقة، إن استهداف الناشطات على منصات التواصل ووسائل الإعلام، وإن كان قد يُثنيهن مؤقتاً أو يُسبب لهن ضرراً نفسياً، إلا أنه لا يمكن أن يثنيهن أبداً عن المسار الذي اخترنه"، مضيفةَ "إحدى صديقاتي كانت هدفاً لهذه الحملة، لكنها لا تزال صامدة تُناضل، لأن المرأة التي اختلطت حياتها وعائلتها بالنضال لا خيار لها سوى الاستمرار".
وأوضحت أنه "كنا حوالي ستين شخصاً، نعمل بشكل تطوعي في دعم النساء والأطفال المتضررين، وربّات الأسر، وغيرهم، دعمنا كان يتراوح بين المادي والمعنوي، وانطلقنا كلٌّ في نطاقه داخل المدينة في مجالات مختلفة لكن حملات التشويه بدأت بسرعة، بدايةً من استُهدف رجال المجموعة ولم يثننا ذلك، ثم جاء الدور على النساء اللواتي كنّ الأغلبية الساحقة بيننا"، قائلةً "هذه الهجمات لا تأتي من نساء؛ لا يمكن لامرأة أن تحمل هذا القدر من العداء تجاه امرأة أخرى، نحن نعلم جيداً أن خلف هذه الحملة رجال يحملون فكراً معادياً للمرأة".
حين تتحوّل الحياة إلى نضال
وأشارت إلى أنه "قضينا حياتنا كلها على درب النضال. من بيننا نساء تعرضن لتهديدات بالاعتداء بالحمض أو القتل من قبل أزواجهن، ومررن بتجارب طلاق صعبة للغاية، وحصلن على حضانة أطفالهن، لكنهن قانونياً محرومات من حقوقهن ووُضع عبء أثقل على عاتقهن، واجهت كل واحدة منا تقلبات لا حصر لها بسبب النظام الأبوي، ولكن بدلاً من الاستسلام نهضنا وناضلنا وفي النهاية تمكنا من تحقيق الاستقلال ومواصلة طريق أهدافنا".
وأضافت "اليوم نواجه تهديدات جديدة من مجتمع ذكوري كاره للنساء، لكننا بدلاً من الخوف اخترنا طريق المقاومة، هذه التهديدات ليست غريبة علينا، فنحن عشنا سنوات في ظلّها"، مشيرةً إلى أنه بعد سنوات من العمل التطوعي، واجهت العديد من النساء في هذه المجموعة إساءات لفظية من بعض الأشخاص؛ تعرضن لانتهاكاتٍ تسببت في انقطاع أنشطتهن في مرحلةٍ ما. لكنهن نهضن من جديدٍ وواصلن العملَ إيماناً منهن بأن حبهن لهذه القضية، وحرصهن المتأصل في قلوبهن على بناء مجتمعٍ أكثر صحةً والحد من الانتهاكات الاجتماعية ضد المرأة، سيُذلل أي صعوباتٍ تواجههن.
وتعبر هؤلاء النساء عن استيائهن من صمت المجتمع المدني إزاء حملات التشهير التي يتعرضن لها، ويطالبن بإنهاء هذا الصمت والبدء بخطوات جدّية وفاعلة، فهن ترين أن دعم الناشطين المدنيين للنساء اللواتي صمدن في وجه هذه الهجمات لا يمنح فقط الأمل والدافع لنساء أخريات، بل يشكّل أيضاً ضمانة لبقاء المساحات الاجتماعية مفتوحة أمام مشاركة النساء.
يستطيع المجتمع المدني من خلال نشر الوعي وتكريم النساء اللواتي كرّسن سنوات من أعمارهن للنضال التطوعي، أن يعيد تشكيل النظرة العامة إليهن، ويقف كجدار حماية أمام أي انتهاك لخصوصيتهن وكرامتهن من قبل جهات معادية أو متربصة.