ما بين التمييز والنضال المتعرج... المهندسات في إيران
تواجه المهندسات في إيران تحديات النوع الاجتماعي وعدم المساواة الهيكلية في مجتمع أبوي ينظر للمرأة بدونية وأقل قدرة من الرجل، وهو ما يدفعهن للتخلي عن تخصصهن.
هاوين بيكى
أورمية ـ تواجه العاملات في المهن التقنية والهندسية في إيران، دائماً تحديات معقدة، من الآراء التقليدية والتمييزية التي تكبلهن إلى عدم المساواة في الرواتب وفرص العمل، بذريعة أن الرجال يملكون الكفاءة المهنية.
على الرغم من الإنجازات المهمة التي حققتها المرأة في مختلف المجالات العلمية والتقنية والاجتماعية، إلا أن جزءاً من المجتمع وسوق العمل، وخاصة في المجالات الهندسية، لا يزال يتبنى نهجاً أبوياً، وتؤدي هذه النظرة التقليدية إلى جعل بيئة عمل المرأة في المجالات التقنية والتخصصية تواجه مشاكل مثل التمييز بين الجنسين، وعدم المساواة في الأجور، وعدم القدرة على الوصول إلى فرص الترقية، وعدم الحصول على الدعم اللازم، ومن ناحية أخرى، تواجه المهندسات ضغوطاً إضافية؛ لأن عليهن التغلب على الصور النمطية الاجتماعية أثناء تقدمهم في حياتهن المهنية.
وفي بعض المناطق والبلدات الصغيرة، يكون هذا التمييز أكثر وضوحاً، وغالباً ما تواجه العاملات في المجالات المرتبطة بالهندسة والبناء عقبات مثل عدم ثقة أصحاب العمل أو أصحاب المشاريع، فلدى العديد من العمال والحرفيين في أماكن العمل التقليدية وجهة نظر أبوية بشكل افتراضي وفي الممارسة العملية يرفضون قبول التعليمات الإدارية أو الفنية من مهندسة، كما أن الثقافة التنظيمية في العديد من شركات الهندسة لا تتوافق مع الاهتمامات والاحتياجات الخاصة بالمرأة مثل الحصول على إجازة خاصة أثناء الدورة الشهرية أو إمكانية العمل المدن.
ولا يزال حضور المرأة في المجالات التقنية والهندسية، وخاصة في المناصب الإدارية وصنع القرار، أقل بكثير من حضور الرجل، ولا ينبع هذا الاختلاف من الأنماط الثقافية والاجتماعية فحسب، بل يتعزز أيضاً من منظور الهياكل التنظيمية والنهج التنفيذية، ومن الواضح أن انخفاض أجور النساء مقارنة بالرجال في العمل المماثل، والافتقار إلى مرافق الدعم خلال فترات حرجة من الحياة، والافتقار إلى الفرص المتساوية للنمو والإدارة، كل ذلك يعمل معاً على زيادة تقييد مساحة العمل المتاحة للنساء في المجالات الهندسية.
وتؤدي هذه القيود في بعض الأحيان إلى دفع العديد من المهندسات إلى التخلي عن تخصصهن ومتابعة مهن غير ذات صلة، أو في نهاية المطاف إلى إجبارهن على قبول أدوار ثانوية في الشركات، ومع ذلك، فإن النساء اللواتي يقررن البقاء في المهنة على الرغم من كل التحديات غالباً ما هن بحاجة إلى الكثير من الصبر والمثابرة والطاقة الإضافية لإثبات جدارتهن.
تقول المهندسة المعمارية "جيلا. م" أنها كانت مهتمة بالرياضيات والفن منذ كانت في المدرسة الثانوية، ولهذا اختارت الهندسة المعمارية وقد حصلت لاحقاً على درجة الزمالة والبكالوريوس في المجال "بعد التخرج بقيت عاطلة عن العمل لمدة عام تقريباً ثم دخلت سوق العمل، حيث عملت في مكاتب هندسية مختلفة لمدة ست سنوات وأعمل حالياً كموظف في إحدى الشركات"، مشيرةً إلى أنه قبل نحو عامين قررت وبعض أصدقائها إنشاء مكتب هندسي خاص بهم، ولكن بسبب المشاكل المالية وعدم وجود مساحة مناسبة لمجموعة من المهندسات، اضطروا إلى إغلاقه.
وعن التحديات الجنسانية التي واجهتها خلال مسيرتها المهنية توضح "في المجتمع التقليدي، وخاصة في المدن الصغيرة، يعتبر التمييز بين الجنسين أمراً شائعاً للغاية، ومجال الهندسة ليس استثناءً لهذه القاعدة، لا يملك كل من أصحاب العمل وأصحاب المشاريع، وحتى بعض الزملاء الرجال، نظرة إيجابية عن أداء المهندسات، ويفترضون أنهن أقل قدرة على تنفيذ المشاريع، لذلك عندما نذهب إلى ورشة عمل أو مشروع بناء، عادة ما يكون المشرفون والعمال أكثر ميلاً إلى قبول ما يقوله المهندس، وهذا يقلل من ثقة المهندسات بأنفسهن، في بعض الحالات، لا يقوم الرجال بوضع النساء بشكل مباشر في المناصب الإدارية والإشرافية لأنهم يعتقدون أن الأشخاص الفنيين في ورشة العمل يأخذون الرجال على محمل الجد أكثر".
وحول فرص العمل المتساوية للجنسين تقول أنه هناك العديد من النساء تحرمن من العمل بسبب التمييز الجندري "من الأمثلة الواضحة على هذا التمييز عندما يقول أصحاب العمل "يستطيع الرجل إدارة المشروع بشكل أفضل" أو "يسمع العمال صوت الرجل أكثر"، ففي إحدى المرات تم تعيين زميل لي كمشرف ومدير مشروع، على الرغم من أنني أمتلك الخبرة والمؤهلات اللازمة لهذا المنصب، وفي اجتماعات العمل، كان ينظر إليّ على أنه "أنتِ امرأة وقد لا تكونين متاحة في غير ساعات العمل وفي وقت متأخر من الليل"، لذلك فضلوا زميلاً ذكراً".
وأضافت "إن التحيز الجنسي واضح في كثير من الحالات، رغم أنني نجحت في إثبات نفسي إلا أن افتراض المجتمع هو أن المرأة لا تستطيع التعامل مع العمل الشاق، بالإضافة إلى ذلك، لا يتم أخذ المشاكل الخاصة بالنساء، مثل المشاكل الفسيولوجية أثناء الدورة الشهرية، في الاعتبار على الإطلاق في مكان العمل، لا نملك حتى يوم عطلة بسبب الألم الجسدي وعدم الراحة، في حين أن مثل هذه القضايا لها تأثير مباشر على أداء المرأة، وفي العديد من البلدان، تمت معالجة هذه الحاجة لدى المرأة منذ بعض الوقت".
وحول عدم المساواة في الأجور وإن كانت قد مرت بتلك التجربة تقول "في معظم الحالات، حتى لو كان الرجل والمرأة يقومان بنفس العمل، فإن مقدار الأجر الذي تحصل عليه المرأة يمكن أن يكون نصف ما يحصل عليه الرجل. في بعض الأحيان يقال أن الرجل هو معيل الأسرة أو متزوج ويعطى امتيازات أكثر، بينما قد تكون نفس المرأة متزوجة أو لديها مسؤوليات عائلية، وحتى لو كانت عازبة، فإن هذه التبريرات غير متاحة لها".
ولفتت إلى أنه كثيراً لا يتم منح النساء الأولوية في تولي المناصب الإدارية، على الرغم من امتلاكهن قدرات إدارية عالية أو معرفة تقنية "يبدو دائماً أن هناك عقلية مفادها أن الرجل "أكثر حزماً" و"يؤخذ على محمل الجد"، كما أنه لا يوجد الكثير من الدعم فيما يتعلق بالقوانين والمرافق، بالإضافة إلى عدم وجود إجازات خاصة للنساء، فإن انخفاض الأجور والقيود المفروضة على المناصب الإدارية تؤدي إلى انخفاض ثقة المرأة بنفسها.
وأشارت إلى أنه "في بعض البيئات، رحب المدراء والزملاء بوجودي، وأوكلوا إليّ مهام مهمة، وكان لديهم ثقتهم الكاملة بي، لقد حققت تقدماً كبيراً في مثل هذه الظروف، لكنه لم يكن مستداماً دائماً، بعد تغيير أماكن العمل أو إغلاق ذلك المكتب، أعود إلى الموقف السابق حيث لا يتم أخذ النساء على محمل الجد".
وعن تمكنها من التعامل مع التحديات والمضي قدماً في مسيرتها المهنية تقول "لقد كان أعظم سلاح أملكه هو الصبر والمثابرة، عندما أرى الكثير من التمييز في البيئة المحيطة بي، أحاول ألا أشعر بالإحباط وأن أثبت نفسي من خلال التركيز أكثر على التعلم وبناء المهارات، في الواقع، بيئة العمل ساعدتني بشكل أقل وعملت أكثر على التقدم في حياتي، في بعض الأحيان كان علي أن أضحي بهواياتي وحياتي الشخصية لإثبات نفسي في المشاريع".
وفيما يتعلق بكيفية الحد من عدم المساواة بين الجنسين في مجال الهندسة تقول "أعتقد أنه ينبغي بذل الجهود من قبل النساء والهياكل القائمة على حد سواء، أولاً، يجب على المهندسات تحسين معرفتهن التقنية والمضي قدماً بعزم وثقة، ثانياً يتعين على الشركات والمكاتب الهندسية توفير المناصب الإدارية والامتيازات بالتساوي للنساء والرجال، وبالإضافة إلى ذلك، إذا تمكنت النساء من إنشاء مكاتب هندسية خاصة بهن ويصبحن المديرين والمالكين الرئيسيين لأعمالهن التجارية الخاصة، فسيكون ذلك بمثابة مساعدة كبيرة في القضاء على الثقافة الأبوية، وبطبيعة الحال، لا بد من الاعتراف بأن بعض هذا التمييز متجذر في البنية العامة للمجتمع وقوانين الحكومة، ومن أجل تحقيق تغييرات أعمق، هناك حاجة إلى إصلاحات ثقافية وقانونية واسعة النطاق".
وفي ختام حديثها وجهت رسالة للفتيات والنساء قالت فيها "عليهن عدم الاستسلام للقوالب النمطية، إن إمكانية العمل في المجال الهندسي ليس سهلاً في الوقت الحالي، ولكن إذا أردن المضي قدماً، فعليهن الدخول إليه بمثابرة ومرونة كبيرة، وتحسين مهاراتهن التقنية والشخصية، وعدم التراجع في مواجهة الصعوبات، مهما كانت الظروف غير متساوية، يجب عليهن أن تسعين للمطالبة بحقوقهن".