حراك فكيك بطابع نسوي لاستعادة الحق في المياه

مشاركة نساء فكيك في الاحتجاجات دليل على تنامي الوعي لديهن تجاه ملف تفويض قطاع المياه للشركة الجهوية، وتمسكهن بمطلب حماية مياه الواحات.

حنان حارت

المغرب ـ قالت الناشطة الحقوقية خديجة الرباح، أن ما يميز احتجاجات مدينة فكيك المغربية أنها بصيغة نسوية، قررت فيها المرأة رفع صوتها للتعبير عن رفضها لقرار خصوصية المياه.

دخلت الاحتجاجات السلمية التي تقوم بها نساء ورجال مدينة فكيك، التي تقع في أقصى شرق المغرب شهرها السادس، رفضاً لمصادقة مجلس المدينة على قرار تفويض تدبير المياه إلى شركة توزيع المياه والكهرباء، حيث كان هذا التدبير يتم سابقاً طبقاً لأعراف المنطقة، حيث أن فكيك عبارة عن واحة كبيرة تتكون من عدد ضخم من النخيل، تتوسطها مجموعة من القصور، وهي التسمية التي يطلقها سكان المنطقة على التجمعات السكنية.

وتعتمد المدينة بشكل كبير في اقتصادها على إنتاج التمور، كما تعد قبلة سياحية برغم الإكراهات التي يواجهها هذا القطاع بسبب ضعف البنية التحتية والبعد الجغرافي، وتشكل المياه مادة حيوية في هذه المنطقة التي يتم فيها الاعتماد على أنظمة الخطارات وهي قنوات مائية على شكل رواق أفقي، تمتد لكيلومترات تحت الأرض، وترتبط بالصهاريج لتخزين المياه لفترة أطول، وتوزيعها بعد ذلك على الواحات، مما يساهم في تأمين احتياجات السكان من الماء خلال فترات الجفاف التي تطغى على مناخ المنطقة.

انطلقت الشرارة الأولى للاحتجاجات النسوية في فكيك، بعد مصادقة مجلس المدينة خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في دورة استثنائية على قرار تفويض استغلال المياه والكهرباء إلى إحدى الشركات الجهوية التي أحدثت طبقاً لقانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً.

ومنذ ذلك الحين يخرج سكان المنطقة في مظاهرات واحتجاجات سلمية للتنديد بهذا الإجراء، لكن مع استمرار سياسة صمٌ بكمٌ، في كل مسيرة يتم ابتكار طريقة للاحتجاج من أجل لفت الانتباه إلى حجم القضية وأهميتها، حيث تخرج النساء والرجال كل ثلاثاء وجمعة للتنديد بقرار خصخصة قطاع المياه، وترتدي النساء زيهن التقليدي المعروف باسم "الحايك" ذي اللون الأبيض، مانحات لهذا الحراك خصوصية ترتبط بفضاء واحتهن، وتمثلن مشاهد تعيد للأذهان حراك مناطق أخرى كحراك الريف وحراك جرادة التي حدثت احتجاجاً على انعدام العدالة المجالية.

وعن دعم نضال نساء فكيك في حقهن في المياه تقول الناشطة الحقوقية عضوة مكتب الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح، إن ما يميز حراك فكيك من أجل المياه أنه بصورة وصوت النساء، وخروجهن للاحتجاج في الشوارع يعتبر دفاعاً عن هوية محلية تظهر علاقة قوية بين المرأة والمياه.

وعن حضور النساء في النضال بشكل عام في المغرب قالت "المغربيات دائماً كن حاضرات في كل المحطات النضالية التي عاشتها البلاد، فقد ساهمن بشكل فعال في إنجاح الانتفاضات والمظاهرات الشعبية التي تخرج في جميع أنحاء المغرب، كتعبير عن رفضهن للسياسات التي يمارسها الاستعمار تحت غطاء الحماية بغاية تقسيم وتشتيت جهود مكونات المجتمع".

وأوضحت "النساء كن حاضرات في البناء المؤسساتي، إلا أنه كان يتم تغييب دورهن، رغم جهودهن ومطالبتهن بحقوقهن، فالمرأة لعبت دوراً حيوياً في تغيير القوانين، من أجل ترسانة قانونية ضامنة للكرامة والمساواة والحرية والعدالة، كما كانت حاضرة كذلك حين تم وضع أسس الدولة الحديثة، لقد كن حاضرات في التعديلات الدستورية وفي جميع المحافل من أجل ضمان ولوج النساء إلى مراكز صنع القرار ومناهضة العنف المؤسساتي ومحاربة الصور النمطية سواء من خلال الكتب المدرسية أو في جميع المؤسسات، لكن بالرغم من هذا الحضور الواضح في جميع المراحل التي مر بها المغرب".

ولفتت خديجة الرباح أن "النساء خرجن بقوة في فكيك وغيرها من المناطق للمطالبة بالحفاظ على الثروات الطبيعية، وهي ليست فقط مهمة من الناحية الاقتصادية إنما أيضاً من الناحية الاجتماعية والثقافية، حراكهن من أجل المياه حراك له أسس لأن الحق في المياه حق منصوص عليه في جميع المواثيق الدولية وكذلك في الدستور المغربي وتضمنه جميع القوانين".

كما انتقدت الحكومة المغربية التي تسعى لخصخصة مياه فكيك "اليوم نرى بأن الحكومة الحالية بدأت في مسلسل تفويض العديد من القطاعات منها المياه إلى شركات عمومية أو إلى شركات شبه عمومية أو إلى شركات القطاع الخاص، هذا الإجراء من شأنه تحويل الخدمات العمومية والأساسية إلى بضاعة تجارية محضة".

وحول دور النساء في الحفاظ على المياه قالت إن "جميع المناطق القروية يتم فيها ترشيد استخدام المياه والحفاظ عليها من قبل النساء، خاصة أن تلك المادة الحيوية تعتبر نادرة في المناطق الواحية بحكم تغيرات المناخ والجفاف والعديد من العوامل الطبيعية"، مضيفةً أن النساء في طليعة الحفاظ على هذا الموروث الذي له طبيعة ثقافية واجتماعية، لقد عرفن كيف يدبرنها، وذلك من خلال إعادة استعمال المياه سواء عبر جمع مياه المطر أو من مياه الآبار التي يقع على عاتقهن إخراجها ونقلها أو الحصول عليه عن طريق السواقي والخطارات كمحاولة لتخفيض تكاليف المياه الصالحة للشرب.

وأكدت أن 96% من فكيك تم مدها بجميع الصرف الصحي وقنوات المياه الصالحة للشرب، بينما تجد 4% فقط صعوبة في الحصول على المياه لتواجدهم في المناطق التي تعرف بكثرة الرحل.

أما الحلول المقترحة من أجل حل المشكلة والحفاظ على حق النساء في المياه قالت خديجة الرباح "يمكن أن نحل المشكلة في إطار ما يسمى بالعمل الجماعي، فنساء فكيك قلن كلمة الحق وأنهن قادرات على تدبير قضية المياه، مؤكدة على أن النساء لابد أن تتواجدن بشكل مكثف في مجال ترشيد استخدام مياه السدود والآبار، وهناك جمعيات عديدة تقوم بذلك في المناطق القروية.

ودعت الجهات المسؤولة لفتح باب الحوار مع أهالي فكيك خاصة النساء وإشراكهن في صنع القرار من أجل تدبير حقهن في المياه وفقا لمبادئ الديمقراطية التشاركية، وضمان تكافؤ الفرص والمساواة في الولوج لضمان شروط التنمية المستدامة، لافتةً إلى أنه لابد من العمل على تثمين الموروث الثقافي والتاريخي للتدبير الجماعي للمياه بواحات فكيك رغم ندرته في وجه التغيرات المناخية واقتراح تضمينه في لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.