غزة... الهجمات الأخيرة تحرم فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة من المأوى
خلال الهجمات الأخيرة على قطاع غزة بفلسطين تم تدمير منزل تقطنه ثلاث فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي زاد من معاناتهن حيث أنهن حرمن من المأوى وفقدن جانب كبير من خصوصيتهن.
رفيف اسليم
غزة ـ بعد أن تم منحهن خمس دقائق فقط لإخلائه، دمرت الطائرات الإسرائيلية خلال هجماتها الأخيرة على قطاع غزة بفلسطين منزل كانت تقطنه ثلاث فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة، حيث زاد ذلك من سوء أوضاعهن الصحية والخدمية.
في الهجوم الأخير على قطاع غزة الذي استمر خمسة أيام ابتداءً من 9 أيار/مايو الجاري، تلقت والدة ثلاث فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة وتدعى نجاح نبهان في إحدى ليالي الهجمات اتصالاً هاتفياً من جهة مجهولة مفاده أنه يتوجب عليها إخلاء منزلها بعد خمس دقائق فقط من هذه المكالمة، غير آبه بوجود ثلاث فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة في هذا المنزل ولاحقها في الحصول على الوقت الكافي لكي تتمكن من إخراجهن والنجاة بأرواحهن.
وفي هذا الصدد قالت نجاح نبهان "بعد أن تلقيت المكالمة الهاتفية هرعت إلى الشارع لطلب المساعدة من الجيران وأنا أصرخ بأعلى صوتي أغيثوني أنا هنا لوحدي الطائرات الحربية سوف تقصف منزلي، سارع عدد من الأشخاص لمساعدتي لإخراج بناتي، وبعد لحظات قليلة من خروجنا منه سقطت قذيفة على المنزل وبدأت النيران تتصاعد فيه".
ونوهت إلى أن أحد أهم المشاكل التي تواجهها الآن هي أنها نسيت في المنزل الذي دمر دواء إحدى بناتها التي تعاني من زيادة في نسبة كهرباء الدماغ، والذي كانت قد اشترته قبل وقوع الهجوم على قطاع غزة، مشيرةً إلى أن هذا الدواء لا يتوفر في الصيدليات بكميات كافية لذلك تقوم بشراء كميات كبير منه لأنه في حال عدم تناول ابنتها هذا الدواء فإنها سوف تفقد الوعي لمدة تصل أحياناً لعشرة أيام، كما نسيت العديد من الأجهزة والكراسي المتحركة التي تعتمد عليها بناتها بشكل كلي أثناء حركتهن.
أن تسكن في مدينة غزة المحاصرة ويقصف منزلك هي بحد ذاتها مصيبة كما وصفتها نجاح نبهان، فكيف إذا كان هذا المنزل تسكنه فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة، حيث أنها ستحتاج إلى تقديم رعاية مضاعفة لهن وثمن أكبر للأدوية التي لا توفرها المؤسسات أو الجهات الرسمية، وأضافت أنه بعد تدمير منزلها اضطرت للسكن لدى أحد الجيران ولكن ذلك لن يدوم فاحتياجات بناتها الشخصية متعددة ولا يمكن القيام بها في منزل يسكن فيه أفراد أخرون فهن بحاجة للخصوصية.
وناشدت نجاح نبهان الجهات المعنية لإعادة بناء منزلها الذي كان يتألف من سبعة طوابق يقطنها 45 فرد، من بينهم ابنتها آيات البالغة من العمر 29 عاماً وهي من ذوات الاحتياجات الخاصة وحنين البالغة من العمر 16 عاماً التي تعاني من إعاقة حركية، وابنتها أريج ذات 18 عاماً التي تعاني من زيادة في نسبة كهرباء الدماغ، وشقيقهن جلال البالغ من العمر 38 عاماً الذي يعاني من إعاقة حركية، ويصعب على والدتهم توفير العلاج اللازم لهم نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها القطاع.
من جانبها تتساءل حنين نبهان البالغة من العمر 16 عاماً وهي من ذوات الاحتياجات الخاصة عن الذنب الذي اقترفته وكان سبباً في دمار منزلهم الذي كان يأويها هي وعائلتها، مشيرةً إلى أنه بتدمير منزلها فقدت جميع ذكرياتها وأدويتها وكرسيها المتحرك الذي كان بمثابة صديق لها، لافتةً إلى أنها حتى اليوم تحلم بأنها ما زالت تعيش في منزلها لكن عندما تستيقظ تصدم بواقع أن المنزل أصبح ركاماً وأن حياتها تزداد سوءاً ومعاناتها تتفاقم.
بينما لخصت إحدى أقارب هذه العائلة وساكني هذا المنزل وتدعى محاسن نبهان أن تدميره بهذه السرعة هو صدمة بالنسبة لها ولكل قاطنيه، فالأمر الذي حصل لم يعطهم وقتاً كافياً للحصول على تفسير أو حتى استيعاب ما حدث أو أخذ الوثائق الرسمية التي كانت توجد في المنزل، وذكرت أن إحدى شقيقاتها قد نسيت طفلتها ذات العامين داخل المنزل من هول الصدمة ظناً منها أن والدها قد أخرجها معه إلا أن أحد الأشخاص قام بإخراجها بأعجوبة من هناك.
وأشارت أن نكبة المواطن في فلسطين لا تنتهي فإسرائيل تكررها في كل هجوم لها على قطاع غزة، وأضافت أنه عندما تجتمع خسارة المنزل مع المرض والفقر تبدو كل الأمور صعبة ومستحيلة خاصة عندما تعتمد العائلة في دخلها على المساعدات الإغاثية التي تقدمها بعض المؤسسات أو الأشخاص.
وفي هذا الصدد أفادت الأخصائية النفسية روان النجار أن هذه العائلة المنكوبة وخاصة الفتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة منهم حتى يتمكن من تجاوز صدمة دمار منزلهن وفقدانهن جانب كبير من خصوصيتهن نظراً لوضعهن الصحي الحرج، فإنهن تحتجن إلى خدمات مكثفة في مجال الدعم النفسي التي من المفترض أن تتوفر على مدار العام، لكن نظراً للحصار المطبق على المدينة فإنها تفقر للعديد من الإمكانيات، لافتةً إلى أن توفير العلاج والمسكن في الوقت الحالي هو من أهم الاحتياجات التي يجب توفيرها لهذه العائلة كونها تملك فتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة فهن تواجهن صعوبة كبيرة في الحركة بين الركام المتناثر.
بدورها قالت الناشطة الحقوقية في مجال ذوي الإعاقة جميلة عليوة أن استهداف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ليس الأول من نوعه ففي عام 2014 تم قصف جمعية "مبرة فلسطين" التي تقدم خدمات عديدة ومتنوعة لهذه الفئة، وكذلك في هجمات أيار/مايو الذي وقع العام الفائت تم استهداف منزل لعائلة تضم أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة والقائمة طويلة في هذا الخصوص.
وأكدت أن إسرائيل لا تلتزم بالقوانين الدولية التي أقرتها اتفاقيات جنيف وحقوق الإنسان بخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن المؤسسات الدولية لم تحاسبها ولم تضع لها حداً لكل هذه الخروقات والانتهاكات التي تمارسها، لذلك هي مستمرة في سياستها الممنهجة بحق هذه الفئة.
وفي ختام حديثها لفتت جميلة عليوة أنها قدمت في وقت سابق العديد من الشكاوى لمحكمة الجنايات الدولية ومنظمة العفو الدولية والمندوب السامي لحقوق الإنسان في ظل الخروقات التي تحدث بحقهم، وعجزت غالبية هذه المؤسسات على التعامل مع الأوضاع الطارئة وعلى رأسها أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية والبصرية نظراً لمحدودية قدرتهم على مغادرة منازلهم المهددة بالتدمير.