في ذكراها الثانية تفاصيل مؤلمة ترافق ذوي الضحايا وأصدقائهم
"في كل مرة أفتح فيها باب المنزل استذكر أبني وهو يلعب مع أصدقائه الأطفال وضحكاتهم وأصواتهم تعم المكان
روبارين بكر
الشهباء - ، وكلما توجه أبنائي للمدرسة أشعر بالقلق عليهم وعلى باقي الأطفال... لا أتمنى أبداً أن تعيش أي أم ما أعيشه"، هذا جزء بسيط من هواجس والدة أحد شهداء مجزرة أطفال تل رفعت.
تهجر أهالي عفرين من ديارهم صوب مقاطعة الشهباء في شمال وشرق سوريا إثر هجمات وقصف الاحتلال التركي ومرتزقته على المدنيين بالطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة، إلا أن الاحتلال التركي لم يتوقف عن جرائمه ولم يكتفي بهذا ليستهدف ناحية تل رفعت التي تأوي المئات من العوائل المهجرة في الثاني من كانون الأول/ديسمبر عام 2019 ليرتكب مجزرة مروعة أخرى بحق الأطفال والمدنيين.
راح ضحية القصف التركي الهمجي واستهدافه للمدنيين في المجزرة التي عرفت بـ "تل رفعت" 8 أطفال أكبرهم لم يبلغ الـ 15 عاماً، كانوا يلهون في الشارع عندما كان مُسنان من أهالي عفرين يتدفأن على أشعة الشمس أمام باب منزلهم، كما أصيب 12 أخرين بجروح متفاوتة. أثرت هذه المجزرة على جميع أهالي عفرين المهجرين وبقيت بصمة آلم وحزن في قلوبهم حتى يومنا، فلا تفارقهم المشاهد المؤلمة وجثامين الأطفال والمسنان على الأرض ملفوفة بالبطانيات السوداء.
في الذكرى الثانية للمجزرة تقول والدة الطفل الشهيد عارف جعفر محمد أسمهان خلو "استشهد أبني منذ عامين لكن في الواقع أشعر وكأن ذلك حدث أمس. أحياناً أشعر أنها لم تحدث أساساً. عندما أجلس في مكانه الذي اعتاد الجلوس فيه أو حينما أعد طعاماً كان يحبه وغيرها الكثير من التفاصيل اليومية أشعر وكأنه معي وهذا شعور إخوته اًيضاً".
تقول إن أحد أشقائه تأثر أكثر من باقي إخوته يستيقظ ليلاً يصرخ باسم عارف "يصعب علي تحمل معاناته أو حتى مساندته فأنا أتألم أكثر منه. في الكثير من الليالي يستيقظ وهو يرى في منامه شقيقه عارف وينادي ويصرخ باسمه".
اعتادت والدة عارف اصطحابه أينما ذهبت "حتى في نومه كنت بجانبه فلم يعتد النوم بدوني. عندما يسأله أحد أيحب والده أم والدته أكثر كان يقول بأنه يحبنا كلانا. لم يخطئ يوماً ويختار واحداً من منا".
عن تفاصيل المجزرة التي تعيشها أسمهان خلو في كل لحظة وثانية خاصةً أنها ارتكبت أمام باب منزلهم في تل رفعت قالت "في كل مرة أفتح فيها باب المنزل اتذكر أبني وهو يلعب مع أصدقائه وضحكاتهم وأصواتهم تعم المكان"، وتضيف "رغماً عن الألم الذي يسببه ذلك لي كل يوم إلا أنني أفضل البقاء في المنطقة وأطالب بتحرير عفرين لنعود إليها".
حتى اليوم تعيش أسمهان خلو شعور الفقدان وتقول إنه أصعب شعور يمر على الإنسان "أعاني الكثير بفقداني لفلذة كبدي. كل يوم عندما يتوجه أبنائي للمدرسة أكون قلقة عليهم وعلى باقي الأطفال، ولا أتمنى أبداً أن تعيش أي أم شعور الحرمان من الأبناء وفقدانهم إلى الأبد. الوقت لا يشفي الجراح فكلما مر الوقت يصبح الألم أشد".
سهام كوتو وهي كانت معلمة عدد من الأطفال الذين استشهدوا في المجزرة تقول عن استهدف الدولة التركية للأجيال وتدمير مستقبلهم عمداً "التعلم باللغة الأم حق مشروع للجميع، إلا أن الاحتلال التركي لا يريد البقاء والتطور للغة الكردية وتعليم الأجيال بها، لذا فأنه يستهدف كل شيء مرتبط بالمستقبل المشرق ممن يدرس ويتعلم اللغة الكردية".
وأضافت "سقطت القذائف بالقرب من مدرسة الناحية حينها شعرنا بالقلق والفاجعة بكون المئات من الطلبة في المرحلة الإعدادية كانوا في ساعات الدوام. لا يمكن وصف الأسى الذي سببته المجزرة بحق الطفولة بهذا الشكل. تأثرت أكثر حينما علمت أن من بين الضحايا أطفال من صفي".
في الذكرى الثانية للمجزرة طالبت المعلمة سهام كوتو من المنظمات الحقوقية والمهتمة بالأطفال وشؤونهم أن يحاسبوا الدولة التركية على جرائمها بحق أطفال عفرين.
صديقة الأطفال الذين استشهدوا في مجزرة تل رفعت برفين عبد الحميد قالت إنهم يتذكرون أصدقائهم دائماً ويشتاقون لوجودهم معهم "كان صديقي عارف مجتهد ومحب للتعلم، دائماً كنا نلعب معاً، لو كان معنا الآن كان مثلنا درس في صفه الثالث".
الطفلين محمد حسن وأمينة قنبر قالوا إنهم كانوا يقضون أوقات مسلية وممتعة مع أًصدقائهم ويتمنون لو كانوا موجودين مع بعضهم ولم يبتعدوا بهذا الشكل وأنهم يشعرون بالحزن والأسى على فقدانهم.
وتخليداً لذكرى شهداء مجزرة تل رفعت أنشأ حزب سوريا المستقبل العام الماضي دواراً في مكان المجزرة نفسها باسم الشهداء ونقش عليه أسمائهم وأعمارهم، إضافةً لرمز الكرة الأرضية تعبيراً عن استيائهم من صمت المجتمع الدولي تجاه مجازر تركيا في شمال وشرق سوريا.