من واقع التجارب... هكذا يمكنكِ استعادة طفلكِ من سيطرة الشبكة العنكبوتية
تعاني الكثير من النساء من تبعات جائحة كورونا وما فرضته على واقعهم من مدخلات لم يكن في مخيلتهم المرور بها، فقد أصبحن في تحدي كبير مع الشبكة العنكبوتية التي استولت على عقول أطفالهن
أسماء فتحي
القاهرة ـ ، وأبقتهم قابعين في قبضتها لفترات طويلة دون ملل وأثرت على أذهانهم بدايةً من التشتت وفقد التركيز وصولاً للتوحد والانطوائية مروراً بضعف البصر والعنف.
تلك الحالة جعلت الكثيرات في صراعٍ شبه يومي من أجل استعادة ما فقدنه من أبنائهن، فبعضهن فقدن الشعور بالأسرة ودفئها، وبعضهن عانين من الخوف على مستقبل أبنائهم واتهمن أنفسهن بالتقصير وعدم الاهتمام.
وكالتنا سلطت في التقرير التالي الضوء على تجربة استعادة الأطفال من براثن شبكة الإنترنت "الويب" وتصويب الخطأ والفقد والبدائل الممكنة في سبيل إعادة التأهيل مرة أخرى.
"ارتبكت واستعنت بطبيب نفسي"... أم تلقي باللوم على نفسها
"تسببت في عزلتهم واستسهلت انشغالهم بشبكات الإنترنت المتنوعة"، عبارة امتزجت بآلام حالة التخبط التي عاشتها شيماء أحمد في العقد الرابع من عمرها، والتي قالت إن معاناتها الناتجة عن تأثر أطفالها بالإنترنت أكبر من جائحة كورونا نظراً لأنها تحتاج وقت أطول للتعافي خاصةً في ظل انسجام أطفالها مع العالم الافتراضي واندماجهم في منصات التواصل الاجتماعي.
ووصفت شيماء أحمد أزمتها قائلةً "باتوا لا يشعرون بوجودي وأتحدث إليهم بلا جدوى ولكني قررت أن أستعين بطبيب نفسي ليخرجني من مأزقي"، وأضافت أنها لن تتهاون في مستقبل أطفالها معتبرةً أنها أحد أسباب ضياعهم لأنها تركتهم يمضون أكثر من نصف يومهم منسحقين لفضاء وهمي سلبهم مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه واقعهم الحقيقي وأسرتهم والمحيطين بهم.
واستطردت شيماء أحمد "أدركت خطأي حينما رأيت أطفالي وهم يتشاجرون ويتبادلون ألفاظاً لا علاقة لنا بها، ليس هذا فحسب بل أني لاحظت أن طفلي الصغير البالغ من العمر 9 سنوات يرتبك ويتحدث ليلاً في نومه، فضلاً عن نوبات الصراخ التي تنتابه من وقت لآخر وهو نائم، ومكوثه لوقت طويل في عزلة عن الجميع، وفي أحد الأيام وجدته ليلاً يبكي خشية أحد الألعاب والوحوش التي تظهر في عالمه الذي اختاره، فجلست إلى جواره أبكي ووقفت على حجم الكارثة التي لحقت أطفالي".
وتؤكد شيماء أحمد أنها قررت الاستعانة بطبيب نفسي أعد معها جدول لعدد من المدخلات الجديدة لحياة الأطفال واصفةً حالتها بـ "تعرضت لتوتر شديد لدرجة أني قمت بتكسير هاتف ابني الأكبر، نصحني الطبيب بعدم غلق أبواب عالمهم الافتراضي دفعة واحدة وأن أتريث والتزم جدول زمني أقلل خلاله مدة بقائهم على شبكة الإنترنت مع العمل على إيجاد بدائل لهم"، مشيرةً إلى أن الطبيب أخبرها أن الأمر سيتطلب بعض الوقت حتى تتمكن من استعادة أطفالها وإبعادهم عن العالم الافتراضي.
واتفقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف في بيان رسمي صادر عنها في نيسان/أبريل 2020، مع الرواية السابقة مؤكدةً أن ملايين الأطفال يداهمهم خطر أكبر من فيروس كورونا متمثل في انتقال أنشطتهم اليومية إلى شبكة الإنترنت.
وكشفت المنظمة خلال البيان أن تواجد الأطفال لفترات طويلة على المنصات الافتراضية يعرضهم للاستغلال الجنسي، فعدم التلاقي وجهاً لوجه يدفع نحو تبادل الصور الجنسية، والأمر لا يتوقف عند ذلك الحد بل إن عدم المراقبة يجعلهم عرضة لاستقبال المحتويات العنيفة والضارة، وهو ما أكد عليه المدير التنفيذي للشراكة العالمية من أجل إنهاء العنف هاوارد تيلور، منوهاً إلى أن الأطفال لا يملكون أدوات أمانهم أثناء استخدام شبكة الإنترنت وهو ما يعرضهم للمخاطر.
"اعتمدت على نفسي ونجحت"... تجربة إعادة الدمج
أما تجربة الصحفية نادية مبروك كانت أكثر هدوءً وثقة في النجاح بالاعتماد على النفس مع ابنتها سولاف البالغة من العمر 9 سنوات، مؤكدةً أنها لجأت لاستشارة الأصدقاء عندما لمست أزمة طفلتها وقررت أن تبذل مجهود أكبر في القراءة والاطلاع وأجرت مجموعة من الاختبارات الخاصة بالتوحد والانطوائية لطفلتها حتى تتأكد أنها لا تحتاج لطبيب، وخلال تلك الفترة التي وصفتها نادية بـ "المرعبة" تواصلت مع إدارة مدرسة طفلتها التي تطوعت بعمل برنامج تنبيه أثناء الحصص الدراسية كي يتم منع حالة التشتت والسرحان التي تنتاب الطفلة من وقت لآخر وفقدانها تركيزها.
واعتلت الابتسامة وجه نادية مبروك وهي تتحدث عن النتائج الإيجابية التي التمستها من الطريقة التي اتبعتها "أخيراً تحسنت حالة ابنتي بعد فترة قاسية من المجهود وتأكدت أن الوضع تحت السيطرة حتى الآن"، معتبرةً أن الفضل في ذلك هو ملاحظة الأزمة في بداياتها والتعامل بجدية معها قبل أن تتفاقم وتصل إلى المستوى المرضي كما هو الحال بالنسبة لكثير من الأمهات خلال العامين السابقين.
واعتبرت نادية مبروك أن إعادة إدماج الأطفال أمر ضروري ويتطلب العمل على ايجاد البدائل، واصفةً تجربتها مع طفلتها بـ "التحدي الكبير"، حيث عانت لفترة من عزلة طفلتها ولاحظت حالة الارتباك والتشتت التي سيطرت عليها مما جعلها تخوض معركة لا بأس بها مع هذا العالم المظلم من أجل استعادة طفلتها مرة أخرى ونجحت في ذلك.
وكانت اليونيسف وشركاؤها قد أوصوا الوالدان أن يفتحوا حوارات مع أطفالهم حول أسلوب تعاملهم مع شبكة الإنترنت ومشاركتهم في وضع قواعد للاستخدام مع الحرص الشديد والانتباه للعلامات التي قد تطرأ على الأطفال خاصةً الشعور بالحزن أو التوتر أو الخوف.
سلاح ذو حدين يجب الانتباه لمخاطره... "هناك بدائل أخرى"
واعتبرت نادية مبروك أن الإنترنت له العديد من الأوجه، فابنتها سولاف كانت تتابع قنوات علمية وبرامج هامة بجانب الشق الترفيهي وبالفعل اكتسبت مجموعة من المهارات، ولكنه في نفس الوقت أصابها بالتشتت وجعلها تعتمد على حاسة السمع فقط، لذلك ترى أن هناك بدائل وأدوات يمكن أن تمارس بشكل واقعي كالكتب التعليمية والفوم وأدوات تشكيل المشغولات اليدوية والفنية وكذلك الرياضة التي تساعد إلى حد كبير في التقليل من حدة التوتر وتجعل الأبناء يستعيدون نشاطهم.
وأكدت نادية مبروك أنها شاركت طفلتها في نشاطين رياضيين وهما "السباحة والكيك بوكسينغ"، فتمكنت بزيادة وقت التمرين من إشغال وقتها وإدماجها مع الواقع بشكل أسرع.
وفي تقرير حديث لليونيسيف صدر في شباط/فبراير الماضي، لخص ما وصل إليه وضع الأطفال بل واليافعين أيضاً في التعامل مع شبكة الإنترنت بجملة تنم عن حجم الكارثة حول الإنترنت باعتباره "الوسيلة الوحيدة للعب والتعلم وممارسة الانشطة".
وأكدت المنظمة في تقريرها على خطورة ذلك الوضع خاصةً أنه مربك إلى حد كبير، فنفس الأدوات التي تمكن من اكتساب الخبرات والتعلم السريع والوصول للمعلومات وتلقي العلم نتيجة التأثير السلبي لفيروس كورونا هي ذاتها التي تشكل خطر كبير على الأطفال وتعرضهم للتنمر الرقمي والمحتوى الضار والاستغلال الجنسي، فالآثار السلبية للإنترنت وفقاً للتقرير كارثية ومنها القلق والعزلة وتقليص الأنشطة واضطرابات النوم.
وأكدت دراسة أجريت على عينة من الأطفال في هونج كونج، أن معدل قصر النظر عند الأطفال ازداد لنحو 3 أضعاف عن المعدلات الطبيعية في عام 2020، بسبب المكوث لوقت أطول على الإنترنت، لافتةً أن العينة التي أجري عليها الاختبار يتراوح أعمارهم بين الـ 6 و8 سنوات، وثبت من خلالهم ارتفاع معدل قصر النظر لنحو 30%، مقارنة بـ 12% فقط قبل انتشار كورونا، وزاد عدد الساعات من 3.4 ساعة في اليوم قبل الجائحة ليسجل 8 ساعات بعدها.
ويذكر أيضاً أن حجم المعاملات في سوق النظارات العالمي يقدر بنحو 147 مليار دولار مع توقع ارتفاعها بنسبة لن تقل عن الـ 8.5% سنوياً وربما أكثر من ذلك في حال العودة مرة أخرى لمراحل الإغلاق الطويلة والمكوث في المنزل إثر ذلك.