بالأمس الساحل واليوم السويداء... حرب طائفية في سوريا
عقد السوريون أملهم بالتغيير بسقوط نظام البعث، إلا أن الواقع أصبح مغايراً مع اعتلاء جهاديي هيئة تحرير الشام الحكم، فلم يُستبدل الظلم بل تغير الظالم، حيث أن ما ارتكبه نظام البعث خلال 52 عاماً تم اختصارها بـ 7 أشهر.

سيلفا الإبراهيم
الحسكة ـ بات القتل والمجازر والطائفية حقيقة تلازم الواقع السوري في ظل حكومة تتألف من فصائل وشخصيات كانوا مصنفين على لوائح الإرهاب، مزقوا النسيج الاجتماعي السوري بتطرفهم، فمجازر الساحل والسويداء بحق الطائفتين العلوية والدرزية وانفجار كنيسة مار إلياس والتهديدات الفردية لأهالي إقليم شمال شرق سوريا مثال حي لا يمكن تجاهله.
لم يكن السادس من آذار/مارس الماضي، يوماً عادياً بالنسبة للطائفة العلوية في الساحل السوري، لم تشرق فيها الشمس على ضحكات الأطفال ولا على صوت الأمهات الذي يملئ الأجواء حياة، بل استيقظوا في ذلك الصباح على صوت الرصاص، وأشرقت الشمس على جثث العلويين. عندما هاجم جهاديي هيئة تحرير الشام الساحل السوري لإبادة الطائفة العلوية بذريعة ملاحقة فلول نظام الأسد، إلا أن المجازر بينت حقيقة هذا الهجوم، هذا ما أكدتها (ن, ع) وهي امرأة من الطائفة العلوية عاشت الرعب بكل تفاصيله، عندما كان أطفالها بين أنياب جهاديين يرون أن كل من يختلف عن دينهم ومعتقدهم كافر ويستبيح قتله.
الإبادة الجماعية لا تزال مستمرة على شكل جرائم فردية
قبل السادس من آذار/مارس، اضطرت ( ن, ع) أن تكون خارج بانياس ومنطقة الساحل بسبب عملها، وتقول "كنت خارج بانياس عندما بدأ جهاديي هيئة تحرير الشام بعمليات القتل والنهب، والمرعب في الأمر انقطاع التواصل مع العائلة في ذلك الوقت، بسبب انقطاع شبكة الإنترنت، وأثناء توفر الإنترنت والتواصل معهم تبين لي أن الموت يجول حولهم، والجثث تحرق في محيطهم، وكان يوم السادس من آذار عبارة عن رعب، لأننا استيقظنا على خبر النفير العام لقتل الطائفة العلوية، وهنا قلنا بأن الموت أمر محتوم لكل فرد من الطائفة العلوية".
ولفتت إلى أن "الذين كانوا يهجمون على المنازل ويحرقونها كانت أشكالهم غريبة لا تشبه المجتمع السوري، بقي الحال هكذا لمدة ثلاثة أيام، بلا ماء ولا كهرباء، ولكن بقيت لمدة شهر خارج بانياس لأن حالات القتل لم تتوقف وعائلتي منعتني من العودة حفاظاً على حياتي، لأن الفصائل كانت ترتكب المجازر في كل قرية تخطوها أقدامهم، فضلاً عن النهب والسرقة، كما أن القرى التي هجرت حرقت جميع منازلها".
وأوضحت أن "هذه المجازر والهجمات والفوضى العارمة سلبت الأمان من المنطقة، وشهد الواقع الاقتصادي تراجعاً كبيراً أي أن الاحتياجات الأساسية للحياة انتهت، فضلاً عن إفراغ الجامعات من الطلبة"، مشيرة إلى أنه "حتى هذه اللحظة، يُقتل العلويين بصمت، سابقاً كانت مجازر جماعية ولكن الآن يعيش المجتمع العلوي إبادة على شكل حالات فردية، فالساحل السوري يشهد حالات القتل والخطف بشكلٍ يومي، وبسبب هذه الظواهر لا أحد يجرء على الخروج من منزله".
"حكومة انتقامية وليست انتقالية"
وأوضحت (ن، ع) أنها ومن معها كانوا يأملون خيراً في سقوط نظام الأسد، إذ اعتقدوا أن سقوطه سيمهد الطريق أمام نظام أكثر عدالة، إلا أن ما حل بعده كان أكثر سوءاً، فقد بدأ القتل يطال الأبرياء من دون أي مبرر، في حين كان بالإمكان محاسبة المسؤولين الحقيقيين والمتورطين في سفك الدماء، بدل اللجوء إلى العقاب الجماعي الذي طال طائفة بأكملها بسبب تصرفات فرد.
وتساءلت "كيف يمكن أن تبنى سوريا من جديد إذا قُتل فيها الأطفال والنساء، والعلماء والمثقفون؟"، مؤكدة أن اعتماد الأساليب القمعية والإقصائية التي اتبعها النظام السابق لا يمكن أن يكون طريقاً لبناء وطن جديد، بل إنه "يفضي إلى حكومة انتقامية لا انتقالية".
"كيف لمن تلطخت يداه بدمائنا أن يبسط الأمان؟"
خلال مجزرة الساحل، أعلنت إدارة هيئة تحرير الشام، أنهم سيحاسبون المسؤولين عن الجرائم المرتكبة، إلا أن (ن، ع) أعربت عن استيائها من الواقع على الأرض، قائلة "صُدمنا عندما رأينا الفصائل التي ارتكبت المجازر تندمج ضمن وزارة الدفاع، ويُعين بعض عناصرها في الأمن العام، الجهة التي يفترض بها أن توفر الأمان، فكيف لمن أراق دماءنا وسرق أمننا أن يكون مسؤولاً عن حمايتنا؟".
وأوضحت "نظراً لأن الأمن العام يستمد شرعيته من الحكومة، فقد أصبح ملاذاً لكل من يسعى إلى نفوذ يُتيح له السرقة، القتل، واغتصاب النساء دون أدنى محاسبة. يكفي أن ينضم إلى الأمن العام ليحصل على صلاحية ارتكاب أي جريمة دون رادع أو مساءلة".
"مظاهر الطائفية انتشرت في سوريا"
كما أشارت إلى أحد المواقف التي تعرضت لها من قبل جيرانها الذين ينحدرون من مدينة إدلب "كنت أعمل في مشروع حر وجميع إجراءاتي وأوراقي رسمية وقانونية لدى المؤسسات الحكومية، فتحداني جاري بإلغاء مشروعي وقام بتهديدي لفظياً وبعد أسبوع جلب مسلحين أمام منزلي وقاموا بتهديدي، ورغم تقديمي شكوى للأمن العام إلا أنهم لم يقوموا بالإجراءات المطلوبة ولم يتوقف جاري برفقة المسحلين بتهديدي بالأسلحة، وهذه الحوادث جمعيها زرعت الرعب في نفوسنا لأنه لم يسبق لنا وعشنا مثل هذه الحالة، لأننا خلال سنوات الأزمة السورية وتوافد الأهالي من المناطق السورية الأخرى للساحل لم نعادي أحد على العكس كان هناك تآلف اجتماعي بين مكونات وأهالي المنطقة، ولكن مع صعود هيئة تحرير الشام للسلطة في دمشق باتت مظاهر الطائفية تنتشر في سوريا، وخصوصاً مظاهر المسلحين الملثمين، فضلاً عن حالات القتل والقصاص والخطف والسرقة، وسبي النساء، والذي يدفع بالجميع للهجرة إلى خارج البلاد".
كما تطرقت إلى الحرائق التي شهدها الساحل السوري في الأيام الماضية "أيعقل أن تستمر الحرائق لمدة عشرة أيام دون القدرة على إطفائها، كل ما يحدث في الساحل هو متعمد حتى الطبيعة والبيئة لم تسلم من هذه الفصائل"، مبينة موقف السوريين من هذه الانتهاكات "السوريين غير راضيين بنتاج هذه الثورة، لأن الثورات تقود الشعوب نحو الحرية والأمان وتحقيق العدل، ولكن ما نشهده هي ثورة قتل وسبي وحرق وخطف، فالمواطن السوري بات يقتل بسبب هويته، ويتم التمييز بين الطائفة والأخرى فبعضها يستبيح قتلها وبعضها يرتقي بوظائف ومناصب عالية".
وفي ختام حديثها شددت (ن ، ع) على ضرورة بسط الأمان في سوريا "ما يهمنا هو ترسيخ الأمان وإزالة الخطاب الطائفي لأننا في النهاية سوريين ويجمعنا نسيج اجتماعي على مدى التاريخ، وبالتكاتف وتقبل الآخر يمكننا إعادة بناء سوريا أفضل، وعلى الحكومة أن تساهم في تعزيز ذلك بدلاً من اللعب على وتر الطوائف والأديان، كما ينبغي تحسين الواقع الاقتصادي، لأن واقع الاقتصادي في الساحل بات مزرياً".