الخرطوم تستعيد الحياة... عودة النازحين إلى العاصمة

بعد فترة من النزوح والاضطراب، يعود السودانيون إلى ديارهم في العاصمة الخرطوم بعد استعادتها من قبل الجيش السوداني، في خطوةٍ هامة نحو إعادة الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة، ولكن كيف تراها السودانيات؟

ميساء القاضي

السودان ـ بعد استعادة الجيش السوداني العاصمة الخرطوم، بدأت الأسر السودانية تتوافد مجدداً إلى منازلها، رغم التحديات الجسيمة التي اعترضت طريقهم. فقد تعرضت العديد من البيوت للدمار أو لضرر بالغ نتيجة النزاع، وما تزال بعض المناطق تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية كالمياه، والكهرباء، والاتصالات.

على الرغم من هذه الظروف، تمسّك كثيرون بحق العودة، واعتبروا هذه الخطوة بمثابة استرجاع للحياة، وبداية للاستقرار والشعور بالأمان، ومن بين هؤلاء، أنوار محمد، التي اختارت العودة إلى منزلها في مدينة أم درمان قبل عدة أشهر، لتسطر بذلك قصة صمود وإصرار وسط الركام.

 

رحلة نزوح مؤلمة في قلب السودان

عادت أنوار محمد إلى أم درمان بعد رحلة نزوح طويلة وشاقة، تنقلت خلالها مع أسرتها بين عدة مدن داخل السودان، هرباً من نيران الحرب التي اجتاحت أحيائهم.

في بداية النزاع، لم تكن أسرتها ترغب في مغادرة حيّها رغم تصاعد القصف وسقوط القذائف بشكل مكثف، مما أدى إلى خسائر في الأرواح بين سكان الحي ووقوع العديد من الإصابات، ومع استمرار الخطر اتخذوا قرار النزوح خوفاً على حياتهم، لكنهم اضطروا للمغادرة على دفعتين بسبب ضعف الإمكانيات المادية، كما أن الخوف من فقدان منزلهم دفع والدها وشقيقها للبقاء، فيما غادرت هي وبقية أفراد الأسرة إلى مدينة ود مدني.

لم تكن ود مدني ملاذاً آمناً كما توقعوا، إذ وصل النزاع إليها أيضاً، وانقطعت الاتصالات، ما أدى لانفصالهم عن بقية أفراد الأسرة في الخرطوم. خلال تلك الفترة الصعبة، عاشوا مشاهد مفزعة، منها العثور على جثث في الشوارع، ومواجهة قوات الدعم السريع وهم يطلقون النار على المدنيين.

بعد صبر ومعاناة، استطاعوا المغادرة مجدداً، واتخذوا من مدرسة مقراً مؤقتاً، ثم تنقلوا بين عدة مدن منها سنار، الفاو، القضارف، بورتسودان، وكسلا، وفي نهاية المطاف، عادوا أخيراً إلى أم درمان، محملين بتجربة مريرة من الفقد، الخوف، والشتات، في ظل واقع لا يزال يبحث عن بصيص أمل.

وعن فرحتها بعودتها إلى المنزل بعد النزوح الطويل، تقول "بعد معاناة كبيرة عدنا إلى منزلنا في أم درمان، والآن نشعر بالراحة وسعيدين بالرغم من أن العمليات العسكرية لم تنته بعد، لكن الوضع كان أفضل من المناطق الأخرى التي ذهبنا إليها والآن الوضع جيد".

وذكرت أنوار محمد، وهي طالبة جامعية، أنها اضطرت إلى التوقف عن الدراسة بسبب عدم قدرتها على دفع الرسوم الجامعية، إضافة إلى غياب مراكز التعليم والامتحانات في العاصمة، مما يستلزم السفر إلى مدينة أخرى والإقامة هناك، وهو ما يتطلب تكاليف إضافية لا يمكنها تحملها.

رغم استعادة العاصمة من قوات الدعم السريع وعودة بعض المواطنين، لا يزال الكثيرون مترددين في العودة بسبب المخاوف من نقص الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والاتصالات، وتشير الإحصاءات الحكومية في السودان إلى أن قطاعي الكهرباء والمياه من بين أكثر القطاعات تضرراً جراء النزاع، حيث توقفت أكثر من عشر محطات رئيسية في الخرطوم، كانت تزود نحو 60% من السكان بالمياه.

 

مخاوف أمنية

وإلى جانب هذه التحديات، تشكل المخاوف الأمنية عاملاً مؤثراً في اتخاذ قرار العودة، إذ يتخوف البعض من التوجه إلى مناطق غير آمنة ومن هؤلاء داليا محمد التي عبرت عن سعادتها بالتحسن التدريبي للأوضاع في العاصمة، لكنها فضلت التأني في قرار العودة، قائلة "نريد أن تُنظف المنطقة بالكامل. نسمع إشاعات مقلقة عن وجود لصوص وانتشار السلاح، وهذا يثير خوفي. سأنتظر حتى تقوم الجهات الأمنية بتأمين المنطقة ويعود الجيران ليطمئنونا عن الوضع".

وأوضحت داليا محمد أن لأسرتها أسباباً خاصة تؤخر قرار العودة، إذ يخططون للانتقال إلى مدينة أم درمان، حيث يمتلكون قطعة أرض ينوون بناء منزل عليها والإقامة هناك، نظراً لما تتمتع به المدينة من استقرار وتوافر الخدمات، فضلاً عن عودة المواطنين إليها في وقت مبكر.

وأضافت أن لديهم شقيقاً يدرس للمرحلة الثانوية ويستعد للامتحانات، الأمر الذي دفعهم إلى البقاء مؤقتاً إلى حين انتهائه منها، ورغم فتح المدارس في أم درمان، إلا أن المعلمين والطلاب لم يعودوا بالكامل بعد.

تحدثت عن واقع الخدمات في منطقتها بالخرطوم، مشيرة إلى أن الكهرباء والمياه عادت بالفعل، إلا أن هذا التحسن لا يشمل جميع المناطق، حيث تعتبر منطقتها "جيدة نسبياً"، وفق ما يُتداول، لكن عودة السكان إليها بدأت متأخرة مقارنة بمناطق أخرى عاد أهلها مبكراً.

 

آمال كبيرة

أما روجينا آدم، الطالبة الجامعية، فأعربت عن نيتها العودة إلى الخرطوم لكنها فضلت الانتظار، نظراً لعدم استئناف الدراسة الجامعية بعد "من الرائع أن تعود الحياة تدريجياً إلى الخرطوم، والأوضاع تتحسن بشكل ملحوظ، لكنني لست مستعجلة على العودة، فالدراسة لم تبدأ بعد".

وأضافت أن قرار العودة يختلف من أسرة لأخرى، فلكل شخص ظروفه الخاصة، بعض العائلات لديها أبناء يدرسون في مدارس، وأخرى في جامعات تقع بمناطق مختلفة، ما يجعل العودة مسألة ترتبط بعوامل فردية ومتعددة.

رغم التحديات، يعلق السودانيون آمالاً كبيرة على المستقبل ويأملون في إعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم، واستعادة الاستقرار والسلام، ويطالبون بالدعم الدولي والمحلي لإعادة الإعمار والتنمية ويرون في عودتهم إلى الخرطوم فرصة لبدء صفحة جديدة في تاريخ السودان.