"المقايضة" أسلوب قديم بقواعد جديدة فرضها الهجوم على قطاع غزة

في غزة المقايضة ليست خياراً اقتصادياً بل صرخة جوع. أرامل وأمهات، فقدن الأبناء والعملة، يقايضن ذكرياتهن وأغراضهن الثمينة لأجل القليل من الطعام. المقايضة هنا ليست تبادلاً بين متساويين، بل فعل مقاومة يومي في مواجهة الانهيار.

رفيف اسليم

غزة ـ  تعتبر المقايضة من أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان لتوفير احتياجاته، وهي عبارة عن تبديل شيء ما بشيء أخر ذات القيمة المادية، وقد لجأت نساء من غزة لتلك الطريقة بعد أن أصبحت العملات النقدية مهترئة وغير قابلة للتداول، بينما فرض على المعاملات المالية الإلكترونية أضعاف مضاعفة من الثمن الأصلي، فعدن إلى حيل جداتهن القديمة كي توفرن احتياجاتهن.

أمل الدحدوح تقول أن المقايضة هي وسيلة من العصر الحجري، حيث أرغم هجوم القوات الإسرائيلية نساء قطاع غزة للعودة إليها في خضم عصر التطور التكنولوجي الذي يعيشه العالم خارج حدود المدينة المنكوبة، مبينة أن الفكرة تقوم على تبديل شيء ما بشيء آخر من ذات القيمة المادية سواء كانت أطعمة أو ملابس، أو أثاث، أو حتى أحذية وأمور آخرى.

وأوضحت أمل الدحدوح أنها استخدمت المقايضة في أول مرة عندما أرادت شراء بعض الخضار ولم يقبل البائع أخذ ورقة نقدية من فئة العشرين شيكل، فاقترحت عليه إعطائه بعض العدس والأرز مقابل أصناف معدودة من الخضار، فما كان من الآخر سوى الموافقة على الفور ومنذ تلك المدة أي ما يقارب 4 أشهر وهي تقايض على كل شيء تستطيع جلب منفعة منه.

وكانت الجدات قديماً تعملن في الأراضي والحقول ولا يمتلكن العملات النقدية، فتبحث المرأة التي تمتلك الحنطة والطحين، بمقايضته بالبرتقال مثلاً أو زيت الزيتون، كما قايضت النساء على ملابسهن وأثوابهن المطرزة، بل وبعض الأواني النحاسية، والفخارية، لكن بشرط واحد هو أن يكون ذلك الشيء بذات القيمة النقدية لا يقل ولا يزيد عنها.

بينما اليوم تختلف قوانين المقايضة بحسب أمل الدحدوح، فإذا ما رغبت بمقايضة شيء بشيء أخر تحتاج إليه لا يشترط أن يكون بذات القيمة النقدية بل يمكن أن تكون أقل، ومن يقايضها يعلم حقيقة الأمر، لذلك فإن الوضع الحالي لا يخلو من استغلال النساء في كافة المجالات حتى عندما يقمن بتلك العملية البسيطة التي يكون الهدف منها هو إسكات الجوع ليوم آخر فقط.

وقالت إنها خلال الهجوم فقدت أبنائها الاثنان تاركين لها صغارهم ونسائهم فأصبحت الجدة مضطرة لإعالة أسرة كبيرة، فقايضت الطحين على العدس والأرز، وقايضت ملابس الأطفال على حذاء أو ملابس داخلية، وقايضت على أثاث منزلها الذي لم تتوقع في يوم من الأيام الاقتراب منه أو المقايضة عليه، وكان أثمن ما قايضت به هو حليها وذهبها فبدلاً من بيع الخاتم أعطته للتاجر للحصول على لتر من زيت القلي وكيلو من السكر، وعلبة من الطحينة.

وترجع أمل الدحدوح المقايضة، ليس بسبب اهتراء العملات فحسب، بل بسبب عدم وجودها من الأساس في الأسواق وانتشار العملات الحديدة المزورة، لافتة أن لديها عشرات القطع الحديدة من فئة العشرة شيكل لا أحد يقبل تداولها ومن فئات ورقية أخرى كـ 200 شيكل، التي شكلت خسارة مضنية بالنسبة لها في ظل وضع اقتصادي متردي لا تستطيع خلاله سد أدنى احتياجاتها وهي تمتلك المبلغ بيدها.

وبينت أن الوضع في قطاع غزة بات خانقاً وطارداَ للسكان خاصة النساء منهم، فلا تدري هل تحتمل غلاء الأسعار، أم المجاعة، أم الضغط النفسي والخوف والفقد، أم جشع التجار الذين باتوا لا يرحمون أحد في ظل غياب الرقابة والمحاسبة، لذلك تلجأ فب بعض الأحيان لأقل الحلول ضراراً ألا وهي المقايضة.

تتمنى أمل الدحدوح، عودة العملات النقدية كما كانت بالسابق، فالمقايضة يمكنها أن تكون حل مؤقت للأزمة، لكن لا يمكن للنساء العيش بتلك الطريقة الخانقة، فالمال في يدك يسهل الحركة ويجعلك تبتاعين ما تريدين بالسعر الذي تريده فلا تخسرين الكثير من النقود، أو تبقى تحت رحمة المقايض، مشيرة إلى أن لديها أموال في المصرف ولا تستطيع الحصول عليها.

تحزن أمل الدحدوح، عندما تقايض على بعض الأغراض الثمينة كهدايا أبنائها الذين فارقوا الحياة ولم يتبقى لها ذكرى منهم سواهم، وأثوابها المطرزة التي ورثتها عن والدتها وهي ذات قيمة تاريخية ومعنوية كبيرة، لكنها تضعف أمام صرخات الصغار الجوعى وتتنازل عن أي شيء تملكه، مناشدة العالم بأن يشعر بالنساء الأرامل، والأطفال الأيتام، ويقدم لهم فقط الطعام أو يسمح بدخول البضائع في الأسواق ليتمكنوا من شرائها.