من الإبادة إلى النهضة... الأرمن في دير الزور يستعيدون هويتهم عبر مجلسهم الاجتماعي

في خطوة تاريخية تهدف إلى إعادة تنظيم الصفوف واستعادة الهوية الثقافية المفقودة، أعلن في 18 حزيران/يونيو 2022 عن تأسيس المجلس الاجتماعي الأرمني في مقاطعة دير الزور بإقليم شمال وشرق سوريا.

زينب خليف

دير الزور ـ يعد تأسيس هذا المجلس جزءاً من مشروع أوسع للنهوض بالمكونات القومية والدينية في إطار "الأمة الديمقراطية" التي تضمن التعددية وحقوق جميع الشعوب في إقليم شمال وشرق سوريا، فبعد إن عاش الأرمن لعقود طويلة في الظل، مندمجين قسراً ضمن النسيج العشائري العربي في دير الزور، دون أية فرصة لإظهار خصوصيتهم الثقافية واللغوية، جاءت هذه المبادرة لتعيد لهم صوتهم ودورهم ومكانتهم.

أشارت الرئيسة المشتركة لاتحاد مجلس الأرمن في مقاطعة دير الزور نوشيك سركيس، إلى أن هذا التأسيس يأتي كجزء من جهود متكاملة لأبناء المكون الأرمني في إقليم شمال وشرق سوريا لاستعادة حضورهم الثقافي والحضاري، بعد عقود من التهميش والاندماج القسري، نتيجة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن عام 1915.

ونوهت إلى أن تأسيس المجلس الاجتماعي الأرمني في دير الزور ليس حدثاً منفرداً، بل هو جزء من مشروع أوسع يهدف إلى تمكين المكونات القومية والدينية ضمن إطار مشروع "الأمة الديمقراطية"، الذي يقوم على التعددية السياسية والاعتراف بحقوق جميع الشعوب.

وأوضحت إن الأرمن في دير الزور عاشوا لعقود في الظلم، مندمجين قسراً ضمن الطابع العشائري العربي، ما أفقدهم فرصة التعبير عن ثقافتهم وهويتهم، حتى جاءت هذه المبادرة لتعيد لهم صوتهم ومكانتهم.

وأكدت نوشيك سركيس أن الوجود الأرمني في دير الزور بدأ منذ عام 1918، بعد لجوء الأرمن إلى المنطقة هرباً من المجازر العثمانية، مشيرة إلى أن معظم من وصلوا كانوا أطفالاً دون سن الخامسة عشرة.

 

سياسة الإلغاء والتمييع الثقافي

وأوضحت أن سياسة النظام السوري تعمدت على الإلغاء والتمييع الثقافي، دون احترام لخصوصية المكونات، ما أدى إلى غياب الهوية الأرمنية، وانصهار الأرمن في الثقافة العربية السائدة قسراً، مؤكدة أن بزوغ مشروع الأمة الديمقراطية ومبدأ أخوة الشعوب، شكلا فرصة تاريخية أعادت للأرمن حريتهم في التنظيم السياسي والاجتماعي والثقافي.

 

تأسيس المجالس الأرمنية وتوسعها

وأوضحت نوشيك سركيس أن أول مجلس أرمني تأسس في مدينة الحسكة عام 2020، تلاه تأسيس مجالس أخرى في تل تمر، الدرباسية، الرقة، القامشلي، ثم في دير الزور.

وبينت أن المجلس يضم لجاناً عدة، منها لجنة المرأة الأرمنية، لجنة الشباب والرياضة، لجنة العلاقات، ولجنة التراث والفن، ويعتمد في عمله على مبدأ أخوّة الشعوب، في ظل وجود عدد كبير من الأرمن في المنطقة، واستمرار الإنكار التركي لجريمة الإبادة.

وأكدت أن المجلس قام بإحصاء أعداد الأرمن وربطهم بالإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية، كما يسعى إلى إحياء اللغة والعادات الأرمنية، والانخراط في الحياة الثقافية المشتركة لإقليم شمال وشرق سوريا.

 

تعزيز العلاقات مع العشائر

وشددت نوشيك سركيس على الدور المحوري الذي يلعبه المجلس في تعزيز العلاقات التاريخية بين الأرمن والعشائر العربية، التي احتضنتهم في الماضي، ويواصل اليوم البناء على تلك العلاقة عبر مشاريع العمل المشترك.

وبينت أن اتحاد المرأة الأرمنية يمتلك مكتباً مستقلاً يُعنى بتمكين المرأة الأرمنية، التي عانت كغيرها من النساء في سوريا من التهميش السياسي والاجتماعي، مشيرة إلى أن نشاطات المكتب تشمل رفع الوعي بحقوق النساء، عبر الندوات والمحاضرات والزيارات الميدانية.

ولفتت إلى أن الاتحاد ساهم في التوعية بقضايا حساسة مثل زواج القاصرات، تعدد الزوجات، الطلاق التعسفي، وتعليم الفتيات، إلى جانب توعية النساء بالمؤسسات الداعمة كدار المرأة، واتحاد المرأة الأرمنية، وتجمع نساء زنوبيا.

وأشارت إلى أن أبرز التحديات التي يواجهها المجلس هي انصهار الأرمن في المجتمع العربي، ما أفقدهم هويتهم الثقافية واللغوية، موضحة أن المجلس يركّز اليوم على تعليم اللغة الأرمنية للأطفال، وإحياء التراث عبر المسرح والفلكلور وتوثيق الإبادة الجماعية.

 

التواصل مع الشتات الأرمني

وأضافت نوشيك سركيس أن المجلس يعمل على التواصل مع الأرمن في الشتات، والسعي للاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية.

وكشفت أن نشاط المجلس امتد إلى القرى السبع المحررة بعد انهيار النظام السوري، حيث يتم إحصاء الأرمن، وتعريفهم بالإدارة الذاتية، وتسهيل معاملاتهم، إلى جانب إقامة محاضرات لتعزيز الوعي الثقافي.

وأكدت على أن المرأة نالت دورها المستحق في ظل الإدارة الذاتية، من خلال الرئاسات المشتركة، بعد أن كانت مهمشة ضمن سياسة الحزب الواحد التي اعتمدها النظام السوري سابقاً.

 

تغيير العقلية الذكورية

ونوهت إلى أن التغيير الاجتماعي في بيئة عشائرية كدير الزور لم يكن سهلاً، لكن جهود التوعية بدأت تثمر، حتى في أوساط الرجال، في قضايا مثل تعدد الزوجات والزواج القسري.

وفي الختام، أكدت نوشيك سركيس أن الأرمن في دير الزور، وفي عموم إقليم شمال وشرق سوريا، يقفون إلى جانب كافة مكونات المنطقة، من أجل بناء مجتمع ديمقراطي متماسك ومزدهر يضمن الحقوق والحريات للجميع دون استثناء.

لا يمثل تأسيس المجلس الاجتماعي الأرمني في دير الزور مجرد مؤسسة جديدة تضاف إلى الخارطة التنظيمية للإدارة الذاتية، بل هو فعل مقاومة ثقافية وهوية تعود للحياة بعد قرن من الطمس والشتات. لقد استطاع أبناء المكون الأرمني، عبر هذا المجلس، أن يثبتوا أن الذاكرة لا تُمحى، وأن المجازر لن تكون النهاية، بل بداية لنضال طويل من أجل الاعتراف والعدالة.